مدارات

في "طريق الشعب" قبل أربعة عقود 1973-1978 / كتابة وتوثيق: رواء الجصاني

انها أربعة عقود تمرّ بالتمام والكمال، وعساهـنّ تطول وتطول، ومابرحت ذكرياتها شاخصات، أنيقات... يزدن المرء في حق التباهي (ولم لا) بما كان، وكائن، وسيكون...
ففي مثل هذه الأيام من عام 1973 وبدايات خريفه بالذات، تبدأ خطوة السنوات الست في مدرسة- صحيفة "طريق الشعب" اليومية البغدادية الاستثناء...
فما هي سوى أسابيع من عودتي الى بغداد، بعد عام جميل ومتعب هناك، يُشاء،و بتوجيه من مهدي عبد الكريم- ابو كسرى، أفرح أن أكون ضمن "كادر" العلاقات في مقر الحزب الشيوعي ببغداد، المستقر على ضفاف شارع السعدون، البهيج آنئذ، حيث انطلقت منه اللبنات الأولى لاصدار الحزب الشيوعي العراقي صحيفته اليومية، العلنية، لتلتحم مع سابقتها "الفكر الجديد" الأسبوعية باللغتين الكردية والعربية... ثم لم تمر غير أيام وأيام وإذا بوجوه وشخصيات الحزب، الثقافية والسياسية، والمكشوفة خاصة، وما بينهما، تتردد، وتتوزع على "الوكر" الحزبي المُشهر هذه المرة، تشيع الحماس والعطاء والتطلع، في تلكم الشقة ذات الغرف الخمس، وحسب... وكنت، الشاب "الثوري" آنذاك، معنياً، وإن بشكل اولي حينها، ببعض ادارة شؤون ذلكم المقر، السياسي الاعلامي...
وبحكم المسؤولية التي تسنمتها في قيادة اتحاد الطلبة العام، والتنظيم الطلابي الحزبي في بغداد العاصمة، ثم تعهد إليّ مهمة الاشراف على صفحة "الطلبة والشباب" الأسبوعية في "طريق الشعب" وبالتنسيق مع ممثل عن سكرتارية اتحاد الشبيبة الديمقراطي، التي كانت تضم: عبد الخاق زنكنه وعدنان الجلبي، ونضال وصفي طاهر، وعدنان الشماع وغالب العاني، وتحت مسؤولية كمال شاكر... ثم يقرر "أولو الأمر" في فترة لاحقة ان أتفرغ حزبيا- لمهام محددة، ومنها لشؤون الاعلام، والعلاقات مع التنظيمات الطلابية العراقية، الكردستانية بشكل رئيس، والعربية، واتحاداتها في بغداد: الفلسطينية، والتونسية، والاردنية، واليمنية، والمغربية، وكذلكم "الارتيرية" !!!... وأذكر من الأسماء "الطلابية" ذات الصلة التي واصلت، واستمرت، وبعضها الى اليوم، في نشاطاتها الوطنية والسياسية: الكرديين العراقيين، عادل مراد وانور عبد الله، والفلسطينيين عزام الاحمد، وحسن عصفور، وعاطف ابو بكر، واليمني، شائع محسن، والليبي، عيسى عاشور ...
ولأن منظمة اتحاد الطلبة العام لم تُجز رسمياً، بل وجرى التشديد عليها، مثلها مثل المنظمات الشقيقة الأخرى: رابطة المرأة واتحاد الشبيبة الديمقراطي، فقد باتت صفحة "الطلبة والشباب" في طريق الشعب، ومكتبها "المتواضع" سواء في مقر المطبعة أول الأمر، عند القصر الأبيض، ومن ثم بمبنى التحرير في شارع السعدون، باتت شبه مقر لشؤون اعلام الاتحاد ونشاطات علاقاته... وهكذا راح يساهم في ذلكم الخضم من النشاط الاعلامي والاخباري، وبهذا القدر أو ذاك، رفاق وزملاء عديدون، ومن بينهم عدد من الوجوه "المكشوفة" آنئذٍ في كليات جامعة بغداد وغيرها: ابراهيم المشهداني وفيصل العاني وخالد متي وصبار نعيم وغفار كريم ونضال الليثي وكفاح حسن ونضال الليثي ومؤيد الحيدري ...
والى جانب التوجه الاعلامي الطلابي "الثوري!!" لنا، كانت هناك الكوابح السياسية للمشرفين الصحفيين، والسياسيين "الأعلى" في تصحيح آراء،وشطب مواد، وتلطيف أخرى، وبما يتناسب والأجواء "الجبهوية" السائدة حينئذ... وكم وصل "الخصام" حدوداً في حينها، في ما كنا نريد، ولا يريدون، ويريدون ولا نريد !... ولا أنسى هنا أيضاً "حمائم" و"صقور" التنظيم الحزبي، والديمقراطي الذي كان يشارك في توجيه، وتوجهات "صفحة الطلبة والشباب" ومن بينهم: علي حسن (ابو حيدر)، وعزيز عليان، ونمير العاني، وعلي الراعي، وهادي البلداوي، وعلي حنوش، وعصام الناصري، ولؤي الآلوسي، وحسان عاكف حمودي العاني، وابراهيم عدوان...
وحتى أوائل- اواسط العام 1974 كان محررو وأقسام "طريق الشعب" يتشاركون النشاط في مطبعتها قرب "القصر الأبيض" وفي شوارع مديرية الأمن العامة بالتحديد... ثم تتسع المهام، وينتظم العمل، ويتطلب الأمر انفصال أقسام التحرير الى مبنى آخر في شارع السعدون، المزدهر آنذاك، وقرب ساحة الجندي المجهول (الفردوس) حالياً... وقبل ذلك كنا، في المقر الأول، متشابكين مع أجهزة ومكائن الطباعة، وصب الرصاص، و"هدير" عجلات الطباعة، ولحين وصول الآلات الطباعية الجديدة، الألمانية "الديمقراطية" آنذاك.
وأذكر في الأسابيع الأولى من انطلاقة "طريق الشعب" كيف كان العمل التطوعي، والمهني، يستمر من قبل الجميع دون كلل، وبلا حساب للوقت (1)... فذلك سعدون علاء الدين البياتي، لولب المطبعة، في جلسة حامية مع زكي خيري المشرف السياسي على الجريدة... والى جانبهما عبد السلام الناصري وفخري كريم ومحمد كريم فتح الله، يتداولون في مشروع "الافتتاحية"... وينتظرهما، فائق بطي ليتسلم المسودة الأخيرة، وليسلمها الى ليث الحمداني الذي كان يستعجل الأمر لكي يكتمل تصميم الصفحة الأولى، الأهم، مع اقتراح لاختصار مادة، أو تأجيل أخرى لعبد المجيد الونداوي ويحيى علوان، بسبب ضيق المجال أو لأسباب أخرى... ثم ها هو عزيز النائب وجمال العتابي يهمّان بخط المانشيت المقرر... وثمة في غرفة أخرى سامي العتابي، ومؤيد نعمة يتناقشان ويتمازحان في شؤون القسم الفني، ومعهما، في حينها ولاحقا، محمود حمد وقيس قاسم وانتشال هادي، وبينهم وحولهم، وفي فترات مختلفة، متدربات ومتدربون نشطاء ...
* * *
وبوسط شارع السعدون، وفي المبنى الجديد، ذي الطابقين ونصف، ينتظم العمل أكثر فأكثر... وتتحول الصحيفة وأقسامها من "سوفيتات" أول الأمر، الى أقسام وادارة وغرف وقاعات عمل متكاملة أو تكاد...وهكذا تزدحم المساحات بالكفاءات والاعلاميين، مخضرمين، ومتدربين ، ولفترات طالت أو قصرت، وسترد الأسماء بحسب تسلسل حروف الهجاء جهد الامكان، مع حفظ الألقاب والتميز طبعا، لمثقفين وشعراء ومترجمين وصحفيين، باهرين، وسواهم ...
وممن تزدحم بهم الذاكرة: شمران الياسري" ابو كاطع" الممراح "المشاغب" بعموده اليومي، ومصطفى عبود ويوسف الصائغ ومجيد بكتاش وعديد آخر... وهناك في صفحة الشؤون العربية والعالمية، ومسؤولها ماجد عبد الرضا: ابراهيم الحريري وحميد بخش ورشدي العامل وعبد الاله النعيمي وفالح عبد الجبار... وفي الثقافية: سعدي يوسف وحميد الخاقاني وصباح الشاهر وفاضل ثامر. وبين اولئك وهؤلاء، صادق الصائغ، معني أول بصفحته الأخيرة ومرافئها ... اما في قاعات واروقة صفحات حياة الشعب والعمال والفلاحين والتحقيقات والمحليات، فثمة ذلكم الجمع المتعدد المواهب والمتنوع العطاء : ابراهيم احمد وجمعة الحلفي وجمعة ياسين وحميد برتو وذياب كزار "ابو سرحان" ورضا الظاهر وزهير الجزائري وصادق البلادي وضياء المرعب وعامر بدر حسون وعبد الرحمن عناد وعبد جعفر وعبد الله صخي وعبد المنعم الأعسم وعدنان حسين وعريان السيد خلف وعصام الخفاجي وفاضل السلطاني وفاضل الربيعي ومحمد خلف ومخلص خليل ونبيل ياسين وياسين طه... مع انتقالات وانقطاعات بين حين وآخر، وتبادل مواقع للعمل في أقسام وصفحات الجريدة الأخرى، كالنظرية والاقتصادية والمنوعات ومرحباً يا أطفال...
اما الصفحات المتخصصة الأسبوعية، مثل المرأة والطلبة والشباب، والمهنية، والزراعية، والتعليم والمعلم.. فلها محرروها ومختصوها ومن بينهم: حسن العتابي و "أبو سحر" وكاظم المقدادي وقاسم عجام ومحمود شكاره، وآخرون، وجميعهم تحت "طائلة" ومسؤولية غانم حمدون...
* * *
وتبعاً لـ "مسؤوليات" حزبية، فقد جُبت أكثر من قسم وصفحة، مشاركاً أو مسؤولاً... فمرة عن صفحة الطلبة والشباب كما سبق الحديث، وفترة متابعاً لصفحة العمال، بتكليف من مكتب العمال المركزي التي نُسبت حزبياً اليه أعوام 1975- 1977 مع صادق الفلاحي وعزيز وطبان وعبد الأمير عباس (2) ... وتارة بمسؤولية صفحة المنظمات والنقابات المهنية، بتوجيه حزبي أيضاً من لجنة توجيه العمل النقابي المركزية التي كنت فيها، وكان في قوامها لفترات متباينة: نزار ناجي يوسف وعيسى العزاوي وفراس الحمداني وحكمت الفرحان، وحمدي التكمجي، وباشراف بشرى برتو... دعوا عنكم المشاركة في بعض اجتماعات مجلس التحرير الموسعة، وكذلك في دورتين للاعداد الصحفي شملت محاضرات وتقييمات من المخضرمين، لنا نحن الشباب، آنذاك... وقد شارك في تلكم الدورات أيضاً، عدد من المعنيين بمراسلة "طريق الشعب" من المحافظات، وايضا من الهيآت الحزبية الأساسية (العمال، الطلاب، المثقفين، المرأة...)... وكان من بين برامج تلكم الزيارات لقاءات بمقر الحزب المركزي، واحدها مع السكرتير الاول عزيز محمد، وبحضورعبد الرزاق الصافي وحميد مجيد موسى وجمع من الكوادر القيادية الاخرى..
ولأنهنّ من زنّ الحياة، فدعونا نفرد هنا حيزاً من الذكريات والاستذكارات، للجميلات الانيقات اللائي تنورت بهنّ الصحيفة المدرسة، على مدى ستة أعوام بين شابات وشابات، ومنهنّ، وآمل ألا تخبو الذاكرة: أميرة مهدي وبدور الدره ورجاء الزنبوري وسعاد الجزائري وسعاد خيري وسلوى الجلبي وسلوى زكو وسهام الظاهر وعفيفة لعيبي وفاطمة المحسن... اللواتي عمل بعضهن، أو تطوعن، في رفد "طريق الشعب" بكل ما هو ممكن، ولفترات مختلفة، سواء في الادارة او اقسامها الفنية، او في تحرير الصفحات اليومية، أو صفحة "المرأة" الأسبوعية المتخصصة...
* * *
وبحكم العمل الاعلامي، كما والمهام الحزبية، تكونت لكاتب هذا التوثيق، ومعه، صداقات وعلاقات، حميمة، بدأت ودامت وانقطعت، ثم تواصلت في المهاجر، وكلها مع ذلك الجمع المنور من كتاب ومحررين وصحفيين في "طريق الشعب" الجريدة- المدرسة ... وكذلك مع بعض ادارتها وشغيلتها، في فترات طالت او قصرت: ثابت حبيب العاني، حازم سلو،عبد الخالق زنكنه، نوزاد نوري، حيدر الشيخ، علي الجواهري، قاسم خضر، وسعيد- منيب ... ولقد تعززت تلكم العلاقات عبر الكثير من الفعاليات الاحتفائية والاجتماعية، سفرات وسهرات بمناسبات عدة مثل ذكرى تأسيس الحزب وسنوية انطلاق الجريدة وغيرهما، والتي كانت تقام في نوادٍ اجتماعية، أو على يخت نهري، أو مساحات خضراء (3) ..
* * *
أخيراً دعوني استبق الأمر، بل وأحترز كالعادة- من ملاحظات وتصويبات، وتقييمات، لأشير الى اني تعمدت، لهذا السبب او ذاك(!!) كما ولضيق المجال والوقت، ان أوجز في هذه المحطات، والتأرخة عن سنوات "طريق الشعب" الصحيفة المدرسة، في آن، والتي شهدت عليها منذ انطلاقتها عام 1973 والى ان تذاءبت عليها حملات وملاحقات اجهزة وذئاب العهد البعثي الثاني، واشتدت اواخر عام 1978... كما وأنوّه الى ان جميع ما ورد من وقائع، واسماء، ومنها لشهداء بواسل، وراحلين اجلاء، ومناضلين اشداء، قد جاء وفقاً للذاكرة وحسب، وعساها تدوم، فتقدر، ان تضيف جديدا اخر، وللتأريخ اولا، وكم حبذا لو "أستنهض" معنيون آخرون ذاكرتهم وشهاداتهم بهذا الشأن …

إحالات ... وملاحظات

(1) وأذكر ذات ليلة قارصة البرد، وكنا في المطبعة مساءً، وتعطلت الماكنة القديمة، وإذ بمدير التحرير فخري كريم، يدعو المتبقين من المحررين للمساعدة في صب الرصاص، معه، لكي يتحول بعد ذلك الى حروف ، لاكمال الطبع، ولكي لا يتأخر صدور طريق الشعب، وتتوزع فجراً...
(2) - ومن الطرائف هنا اني كنت مهندساً في مشروع استصلاح أراضي اللطيفية عام 1974 وكان من بين فنيي المشروع الأساسيين، عبد الأمير عباس(أبو شلال) وقد تقربت منه، وهدفي كسبه الى صفوف الحزب، ولأفاجأ بعد فترة وجيزة، في مقر الحزب الرئيس ببغداد، بأنه كان مرشحاً للجنة المركزية، وكادرا حزبياً منذ عقود ...
(3) - في احدى تلكم الفعاليات، كان المشاركون "رسميين" لحدود بعيدة، بين خجل وخشية، وتردد، حتى بدأ رئيس التحرير، عبد الرزاق الصافي، مفتتحاً الرقص، وليتشجعن بعده الحاضرات، ولينطلق الحاضرون، بالرقص واشاعة أجواء الفرح والحبور.