مدارات

بيان حزب تودة: حول توقيع الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة دول الخمسة + 1

دفاعاً عن السلام والسيادة الوطنية

"بعد اسابيع من المفاوضات العلنية والسرية بين ديبلوماسيي النظام الايرا ني ودول "الخمسة + 1" (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، المانيا، روسيا والصين) تم التوقيع اخيراً على الاتفاق النووي في جنيف. ويحاول قادة النظام الايراني الديني وصف هذا التوقيع بأنه انتصار كبير للديبلوماسية وبرهاناً على "شرعية" السياسات التي دفعت ايران الى حافة التدخل الاجنبي والنزاع العسكري وتسببت بعقوبات اقتصادية مدمرة كان لها تأثير فظيع على حياة عشرات ملايين الايرانيين. واعلن وزير الخارجية الامريكي في مؤتمره الصحافي بعد توقيع الاتفاق انه لبّى كل المطالب التي قدمتها مجموعة دول "الخمسة + 1".
ان حزب تودة وكل القوى التقدمية في البلاد، التي كانت تبدي قلقاً كبيراً بشـأن السلام والسيادة الوطنية والنتائج المترتبة على العقوبات المتزايدة في السنوات الأخيرة، ترى ان هذا الاتفاق سيشكل بلا شك خطوة ايجابية الى الأمام اذا تمكن من رفع عبء الضغوط المدمرة للعقوبات الاقتصادية من على كاهل شغيلة ايران، وتهيئة الارضية للانفراج وتقدم المنطقة نحو السلام والأمان. ان شعبنا يدرك جيداً انه بالاضافة الى سياسات التدخل الامبريالية فان النظام الديني وخامنئي نفسه، الذي اتبع سياسات مؤذية ومتهورة، يتحمل المسؤولية الأساسية عن خلق وضع كان كارثياً لأمتنا والمنطقة.
وتبقى الحقيقة قائمة بأن علي خامنئي، باعتباره "المرشد الأعلی"، يتحمل المسؤولية الرئيسية عن إهدار عشرات مليارات الدولارات من ثروة البلاد باتباع سياسات مغامرة. والواقع ان البرنامج النووي لايران لم يكن له أي ناتج اقتصادي فحسب بل انه أدى الى خسارة اقتصادية ضخمة وعرّض الأمن القومي لايران الى الخطر.
انها حقيقة مثبتة بأن وفد النظام برئاسة وزير الخارجية دخل في مفاوضات جنيف من موقع ضعيف ومهدد. وينبغي ان يؤخذ هذا بالاعتبار عند تقييم الاتفاق. وتجدر الاشارة الى ان التوصل الى اتفاق مع الغرب وانهاء العقوبات المدمرة، التي تدفع البلاد الى انهيار اجتماعي واقتصادي، كان ذا اهمية كبرى بالنسبة الى قيادة النظام، كما أشار حزب تودة في بيان اصدره بعد انتخاب روحاني. لذا فان من الوهم الاعتقاد بأن هذه "المرونة البطولية" او بالأحرى "المساومة البطولية" اطلقها وزير الخارجية وحكومة روحاني من دون ضوء أخضر من قيادة النظام.
وهذا هو السبب وراء قيام السيد روحاني، بعد توقيع الاتفاق فوراُ، بالكتابة الى " المرشد الأعلی" قائلاً ان "الاتفاق النووي هو من فضل الله وإرشاد المرشد ودعم الأمة". ومن المفارقة ان "ممثل الله على الأرض" في رسالة التهنئة التي وجهها ابلغ رئيس النظام ان "فضل الله والصلوات هي أسباب النجاح النووي". ويبدو واضحاً من المعلومات المحدودة التي توفرت حول الاتفاق أن المحتوى المعلن للاتفاق في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) لا يقدم سوى مكاسب محدودة جداً لبلادنا، ولا يلبي بأي شكل شروط اتفاق كسب حقيقي لكلا الطرفين ويفشل في ضمان الحقوق المشروعة والسيادة الوطنية لايران. ان دول "الخمسة + 1" تمكنت، باستثمار الوضع الضعيف الى حد كبير للنظام الايراني، من حشر بلادنا في زاوية ضيقة جداً وتحقيق كل مطالبها الأساسية فيما يتعلق بالملف النووي والسياسة الخارجية للنظام الايراني، في مقابل الموافقة على عدد ضئيل جداً من مطالب ايران، بعضها سيطبّق فوراً فيما اعطيت وعود بتطبيق غالبيتها "في المستقبل". وبالفعل، تمكنت دول "الخمسة + 1" بسهولة من توجيه قادة النظام نحو سياساتها على الصعيدين السياسي والاقتصادي بالمناورة والالتفاف حول العقوبات، وستواصل القيام بذلك الى مدى أكبر في المستقبل. انها حقيقة تاريخية مريرة أن زعماء النظام الديني في ايران قادوا الثورة الشعبية الوطنية العظيمة والمعادية للامبريالية في 1979 الى الفشل بسبب سياساتهم الرجعية. وفي السنوات العشر الماضية، سعوا الى تنفيذ سياساتهم المغامرة، تحت ستار "الحق النووي الذي لا يقبل الجدل"، ولكنهم في الحقيقة حرموا ايران من حقوقها الفعلية والمشروعة. والآن، بعد اجراء مفاوضات ثنائية سرية وغير معلنة مع الولايات المتحدة، يشارك قادة النظام وهم في حال استجداء بمفاوضات غير متكافئة، ومن ثم يهنىء أحدهم الآخر ايضاً!
وهنا تطرح اسئلة أساسية: لماذا لم يغير النظام الديني سياسته النووية المتهورة والمغامرة في وقت أبكر، ولماذا سعى حتى الى تصعيدها خلال فترة الحكومة المفروضة (غير المنتخبة) لأحمدي نجاد، وحظر أي نقاش ونقد لهذه السياسة بذريعة الأمن؟ نعتقد ان الجواب يكمن في الجذور التاريخية لهذه السياسة المؤذية التي فرضت نوعاً من الحرب الباردة على البلاد بالاستناد الى شعار "الحق النووي الذي لا يقبل الجدل"، بالمقارنة مع السياسة السابقة لمواصلة الحرب الساخنة تحت شعار "حرب، حرب، حتى النصر" بعد تحرير مدينة خرمشهر المحتلة (في ربيع 1982) وإخراج جيش العراق المعتدي من البلاد. آنذاك، وفي الوقت الذي كان بالامكان التوصل الى وقف اطلاق النار في الحرب الايرانية – العراقية في الفترة 1981-1982 وكانت السعودية مستعدة لتعويض ايران عن الاضرار التي لحقت بها، اعلن امثال خامنئي ورفسنجاني، بناءً على أوامر من الخميني، السياسة المناهضة لمصالح الوطن بمواصلة الحرب حتى تحرير القدس. وأدت سياسة مواصلة الحرب بدورها الى تهيئة الارضية لتكريس سلطة "الاسلام السياسي" الشمولية بهدف قمع وسحق القوى الوطنية والتقدمية، بما فيها حزب توده، فيما جرى في الوقت نفسه إخماد أي صوت معارض للحرب. وبعد ذلك بست سنوات، في مواجهة واقع فشل تام لسياسات الحرب التي اتبعها النظام وبعد تكبد أضرار مادية وخسائر بشرية هائلة، تجرع الخميني كأس السم واُرغم على قبول قرار مجلس الأمن الرقم 598 بوقف اطلاق النار. انها حقيقة أن قادة النظام استثمروا كلا هاتين السياستين بالكامل لتعزيز قاعدة الدكتاتورية الحاكمة وتأمين استمرارها. واذا كانت مواصلة الحرب وتجرع كأس سم الهدنة متوقفاً في النهاية على دور وأوامر الخميني، فانه بعد ذلك بثلاثة عقود، عندما منيت السياسات الاستراتيجية للنظام بالفشل التام، يمكن مرة أخرى ان نرى حكم " المرشد الأعلی" يتجلى في "المرونة البطولية" لخامنئي. ان اولئك الذين ينكرون وجود دكتاتورية ونظام لاوطني لا يمكنهم ان ينكروا، في كلا الحالتين، ان الرجعية الحاكمة مارست الحكم عبر القمع والقتل وإهدار الموارد الوطنية، ولا تزال تفعل ذلك.
ان حقيقة الأمر هي انه في الظروف الملموسة الحالية تم إجبار النظام الديني الى حد كبير على ان يتراجع عن موقفه كي ينقذ نفسه من أزمة دولية هددت وجوده بالذات. ان اتفاق جنيف يربط تخفيف العقوبات والقيود المفروضة ضد ايران، وفي النهاية رفعها كلياً، بمراقبة سلوك النظام عن كثب وتقييمه بعد فترة ستة أشهر. وفي الحقيقة أن القوى الامبريالية الرئيسية – الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، والمانيا – يمكن ان تستخدم العقوبات المستمرة والمشددة لكسب تفوق يمكن ان يوظّف بسهولة ضد مصالحنا الوطنية. ان اولئك الذين يقللون من شأن المبدأ الأساسي لـ "السيادة الوطنية" ويزعمون انه لا وجود لظاهرة كالامبريالية انما يقودون بلادنا الى واقع مرير. ان نتائج اتفاقية التذلل التي تم توقيعها في جنيف ينبغي ان تُقيّم مع الأخذ بالاعتبار اقتصاد البلاد الأحادي المنتج (النفط) والمعتمد كلياً على الاستيراد والنتائج المنطقية للمسار الذي تم تبنيه وآثارها على الشغيلة. ان الوجهة الرئيسية للحكومة التي نصّبها النظام الديني هي في اتجاه برامج اقتصاد "السوق الحر" التي تتماشى مع النموذج الذي سينتج اقصى نفوذ وربح للبرجوازية الكبيرة المحلية والاجنبية والرأسمال الكبير. ويمكن القول بشكل قاطع ان لا مكان للعدالة الاجتماعية في أجندة ادارة حسن روحاني. كما ان مستقبل الحرية والديمقراطية سيكون غامضاً في ظل ظروف يكون فيها حق السيادة الوطنية فيما يتعلق بالقرارات الاقتصادية الكبرى مرتبطاً ومرتهناً بمنطق السوق وسلطة الشركات الخاصة والدول الرأسمالية المتنفذة. ان حزب تودة يرى انه طالما كان الدور المحوري لنظام " ولایة الفقیه" المطلقة قائماً فانه لن يكون هناك أي تغيير حقيقي في وضع الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وكما حذر حزبنا مراراً خلال السنوات الاخيرة، فان القيادة الدينية في النهاية ستجعل السيادة الوطنية في خطر من اجل حماية وجودها وبقائها بالذات.
ان حزبنا، الى جانب الشعب الايراني وبقية القوى التقدمية، سيبذل كل ما بوسعه لتحويل اتفاق جنيف في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الى عقبة بوجه السياسات الخارجية المغامرة للنظام الديني وارغام دعاة الحرب المتطرفين على التراجع. ونرى ان نضال القوى التقدمية والوطنية من اجل تجاوز النظام الديني، الذي يرتكز على المبادىء الأساسية والمترابطة الثلاثة – حق السيادة الوطنية، الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية – ينبغي ان يكون منظماً على أوسع نطاق ممكن، عبر العمل الموحد لكل القوى الوطنية والديمقراطية وببذل كل جهد لتنظيم الشعب.

اللجنة المركزية لحزب تودة ايران

24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013