المنبرالحر

الأزمة البنيوية في العراق والدولة المدنية الديمقراطية / عبدالقادر خضير قدوري

يمر العراق في أزمة بنيوية عامة وشاملة لجميع جوانب الحياة المختلفة (الاقتصادية, السياسية, الأمنية, الخدمية.... الخ ) ومن اجل الخروج بالبلاد من هذا النفق المظلم والمصير المجهول, لابد من فهم جذور هذه الأزمة للخروج بحلول واقعية مستندة إلى إستراتيجية اقتصادية وتنموية واضحة.

أن أساس الأزمة البنيوية في البلاد هو الاحتلال الأمريكي وتحول البلاد من دولة نظام إلى دولة اللانظام والذي مر عبر مرحلتين الأولى الصفحة العسكرية التي بدأت باحتلال العراق وانتهت بالاتفاقية الأمريكية العراقية.
والصفحة الثانية المتمثلة بتبني مشروع الصدمة والفوضى البناء , وترك الحاكم المدني ((بريمر)) أن يخطط لعراق مشوه أدخل البلاد نفقا مظلما.
وأنتج تدميراً لمؤسسات الدولة والبنى التحتية للبلاد والاقتصاد العراقي خصوصا في قطاعي (الزراعة والصناعة) وتكوين جيش كبير من العاطلين.
أما العامل الثاني للازمة هو أتباع نهج المحاصصة الطائفية كأساس لبناء الدولة العراقية الذي دفع المجتمع للانقسام إلى مكوناته السابقة للدولة المدنية , وتربعت على سدة الحكم المجموعات الممثلة لهذه المكونات على أساس ديني ومذهبي وقومي والتي راحت تفتش عن آليات تضمن لها البقاء في السلطة وان لا تضيع من يديها أبدا.
هذا التشكيل السياسي لنظام الحكم القائم على معادلات اقتسام السلطان (السلطة والمال والنفوذ) وفق التحاصص الطائفي والقومي كرس الانقسام الاجتماعي وتشظي الهوية الوطنية لتظهر على السطح الهويات الفرعية.
مما شجع العامل الإقليمي والدولي إلى لعب دور فاعل ومؤثر داخلي في البلاد بشكل مباشر أو غير مباشر عبر بعض القوى السياسية العراقية التي لا تمتلك القرار, بل القرار بيد دول إقليمية تابعه لها.
كما أن الأزمة البنيوية للبلاد ليست وليدة المرحلة الراهنة وحدها بل لها أسباب وعوامل أنتاج إلى فترة النظام الدكتاتوري وما خلفه من تدهور وتفكك في النسيج الاجتماعي العراقي والقيم المجتمعية ,واقتصادي من الهيكل المتخلف والأحادي الجانب للاقتصاد العراقي ,واستفحال ظاهرة التضخم والتحول إلى ما يسمى بالتضخم المفرط والحروب الخارجية والداخلية والحصار الاقتصادي وما تركه من أثار مدمرة وغيرها من العوامل.
هذه الأسباب والمعطيات لجذور الأزمة البنيوية نتج عنها طبقة حاكمة للبلاد من بيروقراطية طفيلية ترتبط بمؤسسات فوقية من قادة الدولة والجيش وبرجوازية طفيلية تقوم بدور حلقة الوصل بين أقسام من رأس المال الدولي في الخارج , وبين عمليات تفكيك وتصفية ركائز العمليات الإنتاجية التي لم تقتصر على القطاع الخاص والنشاط الخاص , بل أنها امتدت إلى قطاع الدولة أيضا.
هذه البرجوازية التي نشأت بسبب عدة عوامل؛ الفساد المالي والإداري هذا الفساد الذي تحول إلى أرضية ينهض عليها بناء فوقي متشعب يخترق كل شيء،
منح الأمريكان المقدرة بمليارات الدولارات للمقاولين. ورجالات الحواسم من عمليات السلب والنهب والسطو عشية سقوط النظام والتي ساهمت فيها أطراف متباينة الأهداف والنوايا. وأخيرا دور الدولة في إصدار قوانين غير مدروسة وصحيحة.
أن خروج البلاد من هذه الأزمة ومعالجة جذورها وأسبابها ,والحل الوحيد والأمثل لما موجود في العراق هو بإقامة الدولة المدنية الديمقراطية التي لم تعد مطلباً فقط وإنما أصبحت حاجة موضوعية تفرضها مجريات الأمور.
أصبحت سببا يكافح من أجله الغالبية العظمى من العراقيين , لأنه الطريقة المثلى في جمع لحمة العراقيين من اجل مستقبل أفضل.
الدولة المدنية هي دولة السلطان للقانون ودولة المعلم فيها هو العقل.. دولة المواطنة وليس الرعية.. دولة التعددية الهارمونية (المنسجمة) التي تنتج مجتمع تفاعلات (مجتمع تنوع واختلاف سلمي) لا التعددية التنابذية التي تؤدي إلى مجتمع انفعالات (مجتمع خلاف دموي).. دولة انتخابات لا انقلابات.. دولة المشاركة في السلطة وليس الاستيلاء على السلطة..دولة سيادة ثقافة التسوية التي تقوم على تصفية الأحقاد لا دولة الحسم التي تقوم على تصفية الأجساد.. دولة تسود فيها ثقافة التعامل (الفاعلة) لا ثقافة التصدي والتحدي (العازلة).
أن وجود الدولة المدنية الديمقراطية حقيقة حية وملموسة تنشأ من خلال إسقاط النظام الطائفي في العراق بالطرق الدستورية لأننا دولة تعتمد الدستور والديمقراطية.
وصوت المواطن العراقي هو الذي يستطيع أن يصنع مستقبل بلادنا , وبهذا الصوت نستطيع أن نحقق ما تصبو إليه الغالبية العظمى من أبناء شعبنا, فبهذا الصوت يستطيع العراقيون أن يتخلصوا من الآفة التي لفت على أعناقهم , ومن الشرنقة التي وضعوا أنفسهم بها وعليهم أن يكونوا واضحين وان يقفوا ضد هذه الظاهرة وينتخبوا بعيدا عن الانتماء الطائفي والعشائري والقومي , وإنما على أساس ثلاثة عناصر:
العنصر الأول هو أنهم عراقيون فقط (على أساس وطنيتهم) والثاني على أساس نزاهتهم والثالث على أساس كفاءتهم.
إذ لا يمكن للعراق أن يتقدم خطوة واحدة أن لم تتول الإدارات قيادات تتميز بالوطنية والنزاهة والكفاءة.
بدون هذه الإدارات لا يمكن للعراق أن يتقدم.
وإذا ما اعتمدت هذه الإدارات مرة أخرى على نفس الأساس الذي بنيت عليه (الطائفية والعشائرية والقومية) فلا مستقبل للعراق.