المنبرالحر

أقرب من أمننا / قيس قاسم العجرش

مفردات تأمين الحياة اليومية للعراقيين مرهونة الى النظرية الأمنية المطبـّقة اليوم، مفرداتها ببساطة، التحسّب واتخاذ الحيطة والحذر وتكرار الاجراءآت الأمنية.
ثم يجري تكرار هذه الفقرات، ثم يكتشف القائمون على الأمن أنها قد اخترقت في مكان ما، ثم يجري تشديدها بتكرار مفرداتها حرفياً.
وليفهم هؤلاء الولاة الأمنيون ان من حق الصحافة أن تسأل دون ان يتهمونها بالتخوين أو «فتّ العضُد»، نعم الصحافة مهمتها الأولى أن تكشف الأشياء للناس بغير الطريقة التي تريدها السـُّلطة..بطريقة الواقع فقط..ولو كان الأمر في الديمقراطيات منوطٌاً بيد اصحاب الشأن في الحكم لما كان هناك من داعٍ أصلاً للصحافة.
لماذا بالأصل لا يتقبل هؤلاء الانتقاد؟...لماذا يسألون الإعلام التحشيد والتمتع بـ»روح وطنية»بينما هم يغلقون الابواب أمام الإعلام؟.
لنسأل، كم صحفي عراقي أو أجنبي استطاع مرافقة القوات الأمنية في الأنبار كي ينقل لنا من أرض الحدث عبر وجهة نظر ربما تدعم العمليات الأمنية؟.
صحيح أن الوضع ربما يكون خطراً على التغطيات الصحفية لكنها ليست بحالة شاذة، لقد غطى صحفيون أشد لحظات الصراع في مذابح راوندا والقتال في دارفور واحداث الحرب في افغانستان وفي حروب البلقان كانت التغطيات الصحفية أساساً لمحاكمة مجرمي الحرب هناك،..في الجزائر، مثلا، التي مرّت بحرب مع التكفيريين والمنحرفين مثلما هو الحال عندنا كانت سلطات الجيش تمنع الصحافة من تسجيل وتوثيق مذابح الجماعات المسلّحة بداعي الخوف من الإنتقام وبداعي الخشية من ترويع الناس وإيصال رسالة الإرهاب لهم مثلما يرغب الإرهابيون أنفسهم.
الذي حدث بعد ذلك ان دلائل كثيرة ربطت بين قيادات في الجيش الجزائري كانت منتفعة من السلطة المطلقة التي أتيحت لها في ظل الطوارئ والأجراءآت الإستثنائية، وهي اليوم ذات القيادات التي تدعم ترشيح بوتفليقة لدورة رئاسية خامسة!..وهو له من العمر 77سنة ومصاب بالسرطان ويتذكر الأشياء بصعوبة.
إن الأمن منظومة لإمضاء القانون وليس منظومة للحرص»الأبوي»الذي تشعر به المؤسسة الحاكمة تجاه شعبها أو كأنها تريد أن تفهمنا هذا.
القانون، بحاجة الى دولة في بادئ الأمر كي تشتغل فقراته، حتى نحصل بالنهاية على دولة يحكمها القانون.
والقانون قبل أن يكون نصّاً في جريدة الوقائع، يحتاج الى مؤسسة واقعية تسلك مسالك الدستور الديمقراطي ولا معنى أن يترك جزء منه في الهوامش ليركز على جوهره، لأن الحاكم سيذهب طبيعياً الى نصوص الصلاحيات دون نصوص الواجبات.
أقول هذه الكلمات لأننا كصحفيين منذ أن بدأت أزمة الأنبار وتبعاتها الأمنية في بغداد لم نعلم اي معلومة على وجه اليقين إلا باستثناءآت خاصة...ياترى هل سنخدم الأمن مع هذا التعتيم؟...أم أن هناك من يفكر نيابة عنـّا ولديه العلم الكلي؟...كم يسيء من يحتكر الحقيقة الى نفسه والى الآخرين..كم يا ترى حجم هذه الإساءة؟.