المنبرالحر

الأيام السوداء من مجزرة 8 شباط الرهيبة/ حكمت شناوه السليم

بعد جريمة انقلاب 8 شباط سيطر قطاع الطرق من البعثيين على السلطة واسقطوا ثورة 14 تموز و بعد شهر من مؤامرتهم فوجئت بمجموعة من عصابات الحرس القومي تقتحم الصف الذي ادرس فيه في مدرسة المبرد الابتدائية في منطقة شط الترك في البصرة ويسحبونني بقوه من داخله مع ضربة على قفاي ثم دفعوني الى داخل سيارة كانت واقفة امام باب المدرسة , سارت بنا مسافة انزلوني منها الى مديرية امن العشار وبدون سؤال بدأ الضرب من مجموعة من الأشخاص كانت متهيأة لضرب اي شخص جديد يدخل غرفة التحقيق , بعد فتره نقلت الى معسكرات الاعتقال في الشعبة وبعد اشهر نقلت الي سجن البصرة وفي جميع هذه المعتقلات كانت عصابات الحرس القومي تتلذذ بتعذيبنا وبأساليب بشعة كانت نموذجا لكل اساليب الخسة والنذالة وفقدان الإنسانية. قضيت فترة في سجن البصرة المركزي ثم نقلت بعدها الى سجن نقرة السلمان . بالرغم من مرور اكثر من نصف قرن على مجزرة 8 شباط المشؤومة وتجاوز عمري السابعة و السبعين سنة لازلت أتذكر اساليب تعذيبهم وكأنها كوابيس مخيفة لا تفارقنا, كان ذنبنا الوحيد لآننا نؤمن بان العدالة الاجتماعية والاشتراكية والشيوعية هي الطريق الاحسن لبناء مجتمعات العدالة والغاء الاضطهاد الطبقي والاجتماعي والديني ولا زلت أومن بان الانتصار الحتمي سيكون للإنسان المضطهد . انني لا اريد ان انقل ما قاسيته شخصيا بل الاطلاع على ما لاقاه غيري من الأبطال الذي كانوا يحلمون ببناء العراق الجديد , .
جاء في كتاب طوارق الظلام للمناضل توفيق جاني الناشي والمناضلة ابتسام نعيم الرومي وصفا لأساليب البعث المجرم صفحه 95 , --- قصر النهاية — يتكون من طابقين تحتهما سرداب ينز بالماء الآسن...كانوا يلقون في السرداب المعتقلين الذين يعانون من تمزق في اجسامهم لغرض الإمعان في إيذائهم في ذلك المكان المملوء بالماء والقاذورات والحشرات, وقد استخدموا مختلف وسائل التعذيب مثل- سلخ الجلد, التعليق بالمراوح بعد ربط اليدين الى الخلف او التعليق من الأرجل , قلع العيون, قلع الآسنان بواسطة البلايس ,قلع الأظافر, ادخال الدبابيس والإبر في مختلف اجزاء الجسم , الضرب بواسطة الكيبل من قبل عدة اشخاص وفي وقت واحد, الكي بواسطة السكاير لمناطق الجسم الحساسة, اجبار الضحية بالجلوس على القناني او الخوازيق, تقطيع اجزاء الجسد بواسطة الكتر , اجبار الضحية بالوقوف ساعات طويلة على ساق واحد, الضرب بالكيبل على المناطق الحساسة خصوصا النساء, الوقوف على رجل واحدة طيلة الليل , تكسير عظام الجسم بواسطة المطارق, الاغتصاب الجنسي للرجال والنساء, كانوا يواصلون ضرب المعتقلين لعدة ساعات بدون توقف والمعتقلون يتلوون تحت السياط.
وجاء في صفحه 68 من كتاب طوارق الظلام للمناضلة ابتسام الرومي— كانوا يعلقون النساء من ايديهن بعد ان يوثقوها من الخلف بحبال تنحدر من السقف وعندما يكون الجسد معلقا يبادرون خلع الملابس الداخلية وكانوا لا يتورعون عن القيام بأي عمل دنئ.
وجاء في مذكرات الدكتور على الزبيدي الأستاذ المساعد في كلية الآداب بجامعة بغداد وصفا لعمليات التعذيب التي تعرض لها معتقلون معه يقول فيها:
انهم يربطون يد الموقوف وراء ظهره ثم يربطونها بحبل يتدلى من بكرة في السقف ويجذبون طرف الحبل الآخر فيرتفع جسم الانسان و اليدين المعلولتين ترتفعان مع الحبل الى أعالي الجهة الخلفية حتى تشعر الضحية بآلام هائلة وكانوا لا يرفعون الجسم الى ارتفاع عال بل الى درجة التي تظل القدمان تلامسان الأرض بأصابعه ويعلو صراخ الضحية وهي تتوسل بهم ان ينزلوها...وهم ينهالون عليه بالضرب بالعصي الغليظة او بالصوندات حتى يغمى عليه ثم ينزلونه ويسكبون عليه سطلا من الماء ليعيدوا تعذيبه ثانية ---
وروى المجرم خالد الطبره وهو احد اعضاء هيئة التحقيق قائلا بانه وسعدون شاكر وزير داخلية ومدير امن عام حفرا قبرا لمحمد صالح العبلي وطالبوا بالاعتراف او الموت فلما رفض اطلق --- عليه سعدون شاكر النار ودفناه في القبر.
وقد مورست جميع اساليب التعذيب مع المناضل سلام عادل سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بعد اعتقاله, بعد ان فشلت جميع اساليبهم في النيل من ارادته واجباره على الاعتراف وبعد ضربه بالهراوات حتى ادموه علقوه من رجليه مشدودا الى السقف ---وقطعوا من لحم ساقيه وذروه بالملح – وتركوه في سراديب قصر النهاية أياما وليالي في مياهها الآسنة مقيدا عاريا ----حرموا عليه الأكل والشراب والمنام وامتدت ايديهم الى عينيه --- ضغطوها بالأصابع حتى ينزف منهما الدم وأخيرا طرحوه ارضا فاقد البصر وسيروا فوقه عجله سحقت جسده ,
ومرة قبل دخول البطل سلام عادل في محاورة مع جلاديه كانت الكلبجات قد غاصت في لحم يديه فطلب منهم ان يرفعوها , فتطوع احد افراد الحرس القومي لذلك العمل وسحب الكلبجات من يدي سلام دون ان يفتح اقفالها . تكونت بركة من الدماء تحت اقدام سلام عادل لكنه ظل محتفظا بهدوئه الذي كان يثير جنونهم---- المناضلة ابتسام توفيق الرومي ---- كتاب الطوارق
وروى الضابط محمد علي سباهي--- الذي كان عضوا في المكتب العسكري لحزب البعث قائلا عند زيارتي لقصر النهاية فوجئت بالصحفي عبد الجبار وهبي –ابو سعيد-- ممدودا على الأرض وكان على وشك الموت ويطلب الماء وهو منشور الرجل من تحت الركبة بألة نشر خاصة , وكان الى جانبه شخص اخر لديه يد واحده معلق منها.
عذبوا الرفيق رحيم شريف بشكل وحشي طيلة عدة ايام , كسروا عددا من اضلاعه وعظم الحوض كانوا يتركونه بعد كل حفلة تعذيب في مكان مملوء بالمياه القذرة ثم يسحبونه الى السطح ليواجه برد الشتاء القارس عاري الجسد وبقي يهتف حتى مماته وبالرغم من التعذيب ..تحيا الشيوعية .
كتب المحامي خالد عيسى طه في مقال له حول تجربته مع----المندائيين--- اثناء وجوده في المعتقل كتب يقول:
ادخلوني ذات ليلة في غرفة.. وفي الصباح التالي رأيت منظرا لن انساه ما حييت اذ رأيت شخصا كهلا وثقت يداه ورجلاه بكرسي وكان هناك رجل من الحرس القومي يمسك بيده شمعه ويريد حرق لحيته بعد تعذيبه بينما كان الشيخ يصرخ ويصرخ فبدا لي ان حرسا قوميا يمثل حزب لبعث قد ترك كل الاهداف المعادية وركز على لحية الشيخ--- المندائي الصابئي** --- وعلمت فيما بعد بأن هذا الشيخ كان يعود لعائلة تلقب بالصكر--- وكانت كل معرفتي بالمندائيين انهم ناس طيبون جل احترافهم يكمن في الصياغة,
-- كان من بين المعتقلات زوجة الرفيق البطل جمال الحيدري ام فاضل , التي علقوها من ساقيها بالسقف امام ابنها البكر وكانت حاملا في شهرها الثامن , راحوا يضربون جسدها العاري بالكبيلات وكان همهم الوصول الى زوجها جمال الحيدري ولكنهم لم يفلحوا.
اعتقال وتعذيب محمد حسين ابو العيس. في نفس تلك الأيام تم اعتقال محمد حسين ابو العيس ---- عضو المكتب السياسي للحزب مع زوجته وعند محاولته للهرب اطلقوا النار عليه واخترق الطلق الناري صدره لكنه لم يكن قاتلا...نقلوه الى قصر النهاية انقضت عليه العقبان تنهش لحمه ولم يمض وقت طويل حتى شهق شهقاته الأخيرة ولم يسمحوا لزوجته حتى برؤيته..
كتب الأخ جاسم المطير عن ايامه في المعتقل البعثي ننقلها باختصار:
ربطوني عدة مرات في مروحة بسقف غرفة التعذيب بنادي الاتحاد الرياضي في البصرة ---وكانت الصوندات تنهال على ظهري وعلى كل مكان في جسدي, سحلوني مرتين بعد ربطي بالسيارة .
تعذيب الدكتور محمد الجلبي , كان بطلا لم يخضع امام اساليب التعذيب . كان جسده متقرحا وقد تشوهت ملامح وجهه وكان يغيضهم بقوله --- اضربوا فكتفاي لا زالتا قويتين تحتملان التعذيب --- واستمر يصارع الموت حتى لفظ انفاسه الأخيرة .
ومن اعمالهم الإجرامية----قطار الموت---
في صبيحة يوم 4 تموز عام 1963 بعد فشل حركة البطل حسن سريع تم نقل الغالبية العظمى من سجناء سجن رقم واحد من بغداد الى سجن نقرة السلمان في قطار شحن في عربات لا منفذ فيها لدخول الهواء اليها وكانت هذه العربات مطلية جدرانها وارضيتها بالزفت , انطلق القطار بهم في الساعة الحادية عشر صباحا مع ارتفاع شمس تموز وكان تقدير الجناة بان المنقولين يستسلمون للموت بعد ساعتين من انطلاق القطار حيث تتحول كل عربه الى تنور مغلق على لحوم بشريه لقد كتب الدكتور علي كريم سعيد-- بهذا الصدد--- ان صمود السجناء السياسيين احياء في القطار فتره طويلة سببه وجود الاطباء الضباط السياسيين معهم اعطوهم النصائح بأهمية –مص- اصابعهم واجزاء اخرى من الجسم لاستعادة بعض الأملاح التي يقفدها الجسم والذي انقذهم من الموت المحقق سائق القطار الذي خالف التعليمات بعد عرف بان حمولته هم من الضباط والسياسيين --- فانطلق قبل الموعد بأقصى سرعه فوصل القطار الى السماوة قبل الموعد بساعتين ومات شخص واحد على الاقل.
يذكر الدكتور علي كريم في كتابه--- عراق شباط 1963 --- لقد حطم البعثيون معنويات المئات من الشيوعيين والمعتقلين الآخرين والحقوا بهم الأذى النفسي وذلك بإجبارهم على الاعترافات او ضمهم بالقوة الى التنظيمات البعثية او اجبارهم على توقيع البراءة من الحزب الشيوعي والعمل السياسي.
ويشير الدكتور علي كريم في كتابه -- بأن صالح مهدي عماش – وزير الدفاع لحكومة انقلاب 8شباط ذهب الى مسلخ قصر النهاية وطلب تسليمه حوال عشرين شيوعيا معتقلا واشرف على اعدامهم جميعا.
وقال حردان التكريتي ---- كنا عصابة من اللصوص والقتلة نسير خلف ميلشيات صدام للإعدام , فعندما نفرج عن معتقلين سياسيين كانت تقتلهم ميليشيات ***الفداء—التابعة لصدام حسين شخصيا.
ويذكر طالب شبيب المهندس لانقلاب 8شباط ووزير خارجية حكومة الانقلاب في مقابله صحفيه نشرت في كتاب ---عراق شباط 63 صفحه 193 بعد سقوط البعث--- قائلا كنا نسمع عن جثث تطفو على سطح نهر دجلة من السياسيين وعلمنا بان هناك رجالا معوجين امثال عمار علوش وناظم كزار وصدام حسين يقومون بهذه الأعمال,
ويضيف وزير خارجية حكومة انقلاب 8شباط المجرم طالب شبيب في صفحه 199 في مقابله صحفية نشرها الدكتور علي كريم في كتابه ---عراق شباط- يقول زرت قصر النهاية فرأيت الكادر الشيوعي -----حسن عوينه--- عضو المركزية للحزب بحالة يرثى لها وامرت بالكف عن تعذيبه فقلت له لماذا لا تعترف ؟ فقال لي انا عقائدي ومقتنع بمبادئ حزبي ولا يمكن لي ان اخون رفاقي , وكان يرتدي الملابس الداخلية فقط وسحب لباسه الداخلي وأراني ظهره وقفاه الممزقين وقال ماذا سوف يفعلون اكثر من ذلك --- وقد مات بالتعذيب.
وقبل ان ننتهي من جرائم البعث لابد من الإشارة الى احدى ممارسات المجرم ناظم كزار في تعذيبه للشيوعيين –كان المجرم يضع الضحية في تابوت ويغطونها ثم يقطعون التابوت الى نصفين بمنشار كبير للخشب , منتشين بمنظر الدم المتسرب من بين شقوق التابوت طربين لسماع صراخ الضحية , ثم يلقون بالضحية في نهر دجله.
نكتفي بهذه النماذج القليلة جدا--- جدا من اساليب تعذيب البعث بعد انقلابه على حكومة ثورة تموز المجيدة وهي نماذج شبيهه بما قامت به النازية والفاشية ايام هتلر.
هناك نقطه جديرة بالملاحظة ان جرائم البعث التي ارتكبت منذ عام 1963 حتى سقوطه عام 2003 لا يتحملها جميع من اجبروا على الانضمام لحزب البعث .
مصادر البحث
طوارق الظلام للمناضل توفيق جاني الناشئ والمناضلة البطلة ابتسام نعيم الرومي
الدكتور الصيق المناضل كاظم حبيب في ما نشره
كتاب عراق 8شباط1963 --- من حوار المفاهيم الى حوار الدم----- مراجعات في ذاكرة طالب شبيب--- الدكتور علي كريم سعيد
3- كتاب سلام عادل سيرة مناضل ---3اجزاء –ثمينة ناجي ونزار خالد
4---- مشاهدات شخصية