المنبرالحر

جريمة 8 شباط .. مقدمة ونتائج/ د. مؤيد عبد الستار

لن يستطيع أي مؤرخ أو باحث أو قارئ تجاوز الحدث المأساوي والدموي في تاريخ العراق الحديث الذي تمثل بجريمة 8 شباط التي ارتكبتها عصابات مدربه بتمويل مالي من الخارج ، عصابات ارتدت رداء القومية والوحدة زورا وبهتانا ، استغلت مشاعر المواطنين واحلامهم في وحدة البلدان العربية وتغيير الواقع المتخلف وحلمت بالخلاص اعتمادا على قيادة جمال عبد الناصر ، قائد اول ثورة ناجحة على النظام الملكي في مصر رغم انه لم يقود الامة العربية الى اي نصر ، بل على العكس قادها الى اكبر هزيمة تاريخية .
تميزت العصابات التي توزعت على أحزاب وتنظيمات قومية بحقدها على ابناء الشعب العراقي فلجأت الى الثقافة الفاشية كي تنمي روح الانتقام لدى اتباعها وانصارها ، فاتخذت من سيرة موسليني و هتلر في كتابه كفاحي نهجا لها ، تعزز فيه روح قطيع الذئاب لدى انصارها ، فنتج عن تلك الثقافة تشكيل عصابات الحرس القومي الذي ارتكب المجازر الدامية بحق المواطنين اثر انقلاب 8 شباط 1963.
تمثل النهج الفاشي لهذه العصابات بالمحاكمة الصورية للزعيم عبد الكريم قاسم ، واعدامه مع رفاقه رميا بالرصاص في استوديو الاذاعة العراقية ، رغم تعهدهم له بعدم اعدامه في حال تسليم نفسه ، مع ان عبد الكريم قاسم كان قد عفا عن معظم قادتهم حين اتهموا بالاخلال بالامن العام وارتكاب اعمال تآمر على الدولة وعلى شخص عبد الكريم قاسم نفسه ، مثل اصابته بالرصاص في محاولة لاغتياله في شارع الرشيد عام 59 ، ومحاولة عبد السلام عارف اغتياله في مكتبه في وزارة الدفاع.
لم تستطع التنظيمات القومية التي احتواها حزب البعث الخلاص من عقلية العصابة المافيوية حتى اليوم ، لذلك تخلت بعض الرموز القومية عن الانتماء لهذا الحزب ولفظته ولعنت تاريخها ، واغلبها انزوى يلف تاريخه عار الجرائم المرتكبة بحق المواطنين ، وبعضهم حاول التخلص من هذا العار بنشر الكتب والمقالات التي يحاول فيها التبرؤ من ماضيه .
استمرت القوى البعثية التي تعد الوريث الشرعي لانقلاب 8 شباط ، على التناوب على حكم العراق حتى سلمت مقاليد الحكم الى عسكري ساذج والذي سلم بدوره جميع مفاتيح السلطة صاغرا الى رجل عصابات لا في العير ولا في النفير ليصبح القائد العام للقوات المسلحة وهو لم ينتمي الى الجيش العراقي ولم يتخرج من أية مؤسسة عسكرية رسمية .
وكان من نتيجة ذلك ان قاد البلاد من حرب خاسرة الى اخرى ، بالاضافة الى حروبه الداخلية على المواطنين ، فعاث فسادا بالبلاد والعباد ، ومارس التهجير القسري وضرب المواطنين الامنين بالاسلحة الكيمياوية ، ونظم المجازر والمقابر الجماعية ... الخ
وبما انه لا توجد اعمال دون نتائج ، انحدر العراق نتيجة سياسات البعث تلك الى غياهب التخلف والجهل والامية والمرض ، وانتقل الناس من العمل الصالح الى الايمان بالخرافات والسير دون وعي خلف الدجالين الذين تكالبوا عليه من كل حدب وصوب .
ومن نافلة القول ان التخلف و الامراض التي اصيب بها شعبنا نتيجة تلك السياسات بحاجة الى نهضة كبرى تقودها القوى التنويرية ، وضرورة العمل على نشر الوعي وحث الخطى نحو نور العلم والتواصل مع العالم المتطور والاستفادة من العلوم الحديثة والاختراعات المعاصرة مثل الانترنيت والفضائيات وشبكات التواصل والجامعات الحقيقية ونشر التعليم الهادف، والعمل على توحيد الجهود لتصب في اتجاه خلق بؤر تنوير تقود المواطنين نحو الخلاص والتحرر من واقعهم المزري .
ستبقى جريمة 8 شباط علامة خزي وعار في جبين القوى التي نفذتها ، ولن ينسى شعبنا تلك الجرائم والانتهاكات التي مارستها عصابات حزب البعث وحرسه القومي بحقه ابدا.
المجد والخلود لشهداء شعبنا الذي قدم القرابين تلو القرابين منذ اليوم الذي نفذت فيه تلك الجريمة النكراء .