المنبرالحر

في ذكرى إنقلاب شباط الأسود/ جواد وادي

لا نريد من كل العراقيين أن ينسوا أو يتناسوا هذا اليوم الحزين والقاتم في تاريخ العراق وفي حياتهم التي حولها الانقلابيون إلى جحيم وخوف ورعب وقدر لعين خيم عليهم وأحال حياتهم إلى ظلام رهيب وموت كان يزحف إليهم في أية لحظة وحيث يكونون.
مجموعة من المجرمين القتلة الساديين ببغضاء وحقد ما لهما مثيل، منهم الشباب ومنهم الفتية ومنهم الرجال الذين تربوا على قاموس اقتصر عليهم وحدهم دون سواهم من البشر، ولا ندري لماذا أهمل المعجميون هذا الانجاز الموردي البعثي الغني بالمفردات لصياغته مجلدات من السلوكات التي تحتكم على مفردات بعثية بامتياز؟ حيث لا ينتج الفاشيون غير شتى صنوف الإبادة بسادية مخيفة يفتخرون بتحقيقها كإمتيازعفلقي خسيس، منها القتل، والسحل، والإغتصاب، وبقر بطون الحوامل، والتعليق من الأرجل والأثداء، ودفن الموتى أحياء، وإعدام المعارضين برصاص اقرب الناس إليهم، وإطلاق الكلاب المسعورة لنهش لحم الأحياء، وتغذية الناس لا بالحليب والعسل، بل بسم الفئران، وهلم جرا، من توصيفات معجمية خاصة بهم وحدهم وسلوكات بهيمية قد تفوق قواميس الإبادة الكونية، كونها صيغ همجية ما انزل الله بها من قسوة.
ان الأجيال الراهنة من العراقيين ينبغي أن يوضعوا في صور الرعب المخيفة والممارسات الإجرامية التي عاشوا فصلها الأخير، قبيل سقوط أفواج الأوباش ورميهم في مزبلة التاريخ بعد التغيير في 2003، ولعل المزابل ذاتها تلفظهم لنجاساتهم وأفعالهم النتنة، ولعمري أنها مهمة وطنية مقدسة أن تتناقل الأجيال تلك الصور المرعبة، وأن تكون مناراتهم في حلهم وترحالهم، للتخلص من حالات زرعها المجرمون في تفاصيل الوجود العراقي بكل تفاصيله، وداسوا على كل القيم والمبادئ التي يتحلى بها العراقيون من شيم وطنية وانسانية شوهها القتلة، بل تعدى سلوكهم البهيمي حدود العراق إلى أصقاع الكون قاطبة، ولا نريد من أي عراقي أن يعتبر هذه التوصيفات للأهوال التي عشناها، مجرد تهويل ومبالغات وحقد لا أساس له، بل أن ما نذكره من جرائم يفوق بكثير ما ننقله لهم، وهذه الحالات غير غائبة عنهم وخصوصا وقد عاشوا نهاياتها، بل أن بداياتها كانت الأشرس والأكثر دموية وهمجية. وهو غيض من فيض أفعال تلك المخلوقات البهيمية السائبة، دون أي رادع أخلاقي أو آدمي أو حتى احساس فطري تحتكم عليه البهائم، ويفتقرون إليه.
حينما سمع العراقيون خبر الانقلاب المشئوم، خرجوا عن بكرة أبيهم للدفاع عن النظام الوطني الذي كان يقوده ابن الشعب البار والعراقي الأصيل المرحوم طيب الذكر الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم، وكان الجميع على استعداد تام لمقاومة الانقلابيين والاستشهاد من اجل الحفاظ على السلطة الوطنية وزعيمهم المحبوب، وقدموا أنفسهم مشاريع قرابين للشهادة دفاعا عن الوطن من الزحف البعثي الأصفر، وفي مقدمتهم الشيوعيين العراقيين، الأكثر اخلاصا وتفانيا للثورة، طلبت الأفواج الثائرة من الزعيم تزويدهم بالأسلحة دفاعا عن الثورة ومقاومة الانقلابيين الخونة، وكان وقتها خارجا من وزارة الدفاع، لكنه أبى وكعادته من المواقف النبيلة التي بقيت لصيقة له حتى أخر لحظاته، خوفا على أرواح الناس وسقوط ضحايا بريئة وبشهامة العراقي الأصيل، لكن العراقيين بكل مشاربهم وأطيافهم وتنوعاتهم أبلوا بلاءا مسميتا وقاوموا بشراسة، رغم الفارق الهائل بين أدوات قتالهم وآلالات العسكرية الثقيلة للإنقلابين التي سحقت الناس المدافعين عن القيم العراقية الأصيلة وأبادتهم بدم بارد وبكل قسوة وهمجية، ورغم ذلك لم يتوقفوا أو يستسلموا، وكان الفصيل الأكثر صمودا وقوة وإرادة، هم الكرد الفيليين، أبانوا عن بطولة نادرة، تمترسوا في شارع الشيخ عمر وساحة النهضة حين ابتكروا سلاحا محليا وهو قنابل المولوتوف وهي عبارة عن قناني معبأة بالبنزين شديدة الإنفجار وفي رأس القنينة فتيل هو عبارة عن خرقة بالية، قاموا ببسالة نادرة أدهشت المجرمين العفالقة الذين اضمروا لهم العداء، مما حدا بهم أن يحقدوا على هذه الشريحة من الأبطال العراقيين ولاقوا ثمن ذلك لاحقا على أيادي الشوفينيين القتلة شتى صنوف العقاب من قتل وإبادة وتهجير واستحواذ على ممتلكاتهم وتصفية الشباب منهم وغيرها من أساليب جبانة لتصفية الحسابات القذرة، وكنت أنا حينها ذلك اليافع شاهد عيان على فصل الدمار هذا بمعية أبناء جيلي، وبالمثل فان أهالي صرائف المجزرة من الفقراء المسحوقين من ساكنة خلف السدة كانوا أبطالا حقيقيين، منعوا مقاتلي البعث المجرم من الدخول إلى أحيائهم وبقي الرصاص يلعلع لأيام قبل أن يستبيح المجرمون الأحياء والشوارع والبيوت ويعيثوا بالناس من كل الأعمار قتلا وسحلا وتنكيلا بطرق لا زالت عالقة في أذهاننا نحن الصبية ونحن نسمع صراخ أمهاتنا وهوسات إخوتنا وآبائنا، ولا يمكن ولحقبات طويلة أن تنمحي تلك الصور البشعة والمقززة من مخيلتنا نحن جيل العذابات الذين تربينا على صور الموت المجاني واختلفنا دونا عن خلق الله من البشر في أصقاع الدنيا، فبدل أن ننعم بحياة هانئة وطفولة بعيدة عن صور الممارسات المخيفة للبعثيين، دخلنا منذ ذلك الوقت مسلسل الخراب والقتل المجاني على يد الزمرة البعثية الباغية، لهذا السبب لا يمكن أن نثق أو نتقرب أو نمحو من ذاكرتنا ما فعله المجرمون الفاشست ما حيينا.
كان الفصيل الذي نال حصة الأسد من القمع البعثي البشع هم الشيوعيون العراقيون وبطرق بربرية تمت تصفية خيرة قادة العراق الوطنيين من قادة الحزب الشيوعي العراقي الخالدين، سلام عادل ومحمد حسين أبو العيس وعبد الجبار وهبي والعشرات من العراقيين الأحرار وزحفت صيغ الإبادة إلى اصغر صديق للحزب حتى اليافعين والأطفال، ناهيكم عن انتهاك الأعراض والاغتصاب وما سواها من سلوكات بربرية بشعة تقشعر لها الأبدان حين تذكرها.
على كل الفصائل السياسية العراقية التي كانت مادة للبطش البعثي، علمانية كانت أم دينية أم قومية، منذ انقلاب شباط الكارثي الأسود وما تبع ذلك من قسوة بعثية لا مثيل لها، عليهم جميعا إحياء تلك الذكرى الفارزة في تاريخ العراق من حيث قسوتها وبربريتها، باستقبالها بحزن شديد ودروس بليغة، لأنها مرحلة لا يمكن نسيانها اواغفالها، إحياء لذكرى شهداء العراق الأشاوس وعلى رأسهم الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم وبقية رفاقه الميامين كوصفي طاهر وماجد محمد أمين والمهداوي والمئات من الشهداء مضاف إليهم قادة الحزب الشيوعي الأشاوس، وكل من سقط على مذبح الحرية بفاشية البعث الملطخة بدماء العراقييين الزكية من الأبرياء الذين ذهبوا ضحايا للدفاع عن الشرف والالتزام والوفاء للقيم النبيلة، وندعو كل الفعاليات المجتمعية العراقية إلى إحياء هذه الذكرى وفي عموم العراق بكثير من الخشوع والتقديس لتلك الأرواح الطاهرة.
وللجيل الحالي أقول، ها هم البعثيون طينة واحدة ولم ولن يتغيروا أبدا، لأنهم تربوا في مدرسة البعث الفاشية التي لا تعرف من قاموسها العفن غير الاستحواذ على السلطة وإخضاع الآخر لسطوتها واستخدام كل الوسائل القذرة للوصول لأهدافها حتى وان تطلب ذلك انهارا من الدم وملايين من الضحايا، وتحويل العراق إلى جبال من الجماجم، أليس شاعرهم الأهوج سئ الذكر، عماش، هو القائل:
وطن تشيده الجماجم والدم تتهدم الدنيا ولا يتهدم
وعلى صيغته يمكنكم أن تبنوا تصوراتكم على هذا الفصيل الرث وأي قيم تلك التي تربى وما زال عليها.
فتبا لهم حيث كانوا وأينما وجدوا واللعنة الأبدية عليهم جميعا.
المجد والخلود لكل أبناء العراق الميامين الذين عبدوا طريق الانعتاق لنا جميعا وما عليه العراق الآن يعود الفضل أولا وأخيرا لهم وحدهم دون سواهم
المجد والخلود لزعماء وأعضاء الحزب الشيوعي العراقي الأباة
المجد لزعيمنا المحبوب الوطني الفذ الشهيد عبد الكريم قاسم وكل رفاقه الذين سقطوا برصاص القتلة فداءا للعراق العظيم
المجد لكل قطرة دم عراقية سالت على درب الحرية
والخزي والعار للبعث العفلقي الفاشي وسدنته المجرمين أعداء الحرية والسلام والمحبة.

أخيرا ادعو كل المثقفين والأدباء والفنانين العراقيين، كلا وجنسه الإبداعي والفني في المساهمة، عملا جماعيا أو فرديا لتخليد ضحايا مذابح الانقلاب الأسود سنويا، وإقامة نصب جدارية ومنحوتات تخلد لشهداء المجازر البعثية وتكرم كل الأحرار الذين قضوا على يد الفاشست الطغاة واعتبار هذا الأمر مهمة وطنية ملحة وذات وقع خاص في نفوسهم العراقية الكريمة.