المنبرالحر

الافصاح سيد النزاهة / محمد شريف أبو ميسم

في احدى الندوات التي تمحورت حول وباء الفساد، كان الحديث يدور عن المفسدين باسلوب عرض يراد به الاثارة السياسية تارة ، وتارة أخرى الحديث بمنهج علمي يراد به البحث عن مخارج من مأزق الكارثة التي تتعرض لها البلاد جراء هذا الوباء الذي كرسته المحاصصة الطائفية بلا أدنى شك.
كان البعض يعصره الألم وهو يستمع لارقام الهدر في المال العام ،التي عرضت باسلوب أقرب الى الاعلان التجاري منه الى العرض التحليلي ، فيما كانت الابتسامة تعلو وجوه بعض الحاضرين كلما تعالت الأرقام ،وكأن الحديث كان يدور عن بلد ناء في غابات الأمازون! .. وكان ثمة تحليل وعرض تاريخي للكارثة التي ما زالت تهشم محاولات البناء والتي يحد منها الارهاب ايضاً.. ولم يخل الأمر من محاولة أكاديمية للحديث عن حلول معززة ببعض التجارب العالمية .. ثم رسالة بدفع سياسي حملت حلولاً مكررة في أغلب النشرات والمقالات التي تناولت هذه "الكارثة .
الجميع كان يجتهد الى حد الابداع في اطار علم الاقتصاد السلوكي .. بيد ان اللقاء انتهى كما انتهت اللقاءات المماثلة له دون تسليط الضوء على أميرة النزاهة ( الشفافية) ولا على سيدها ( الافصاح ) .. ولأن الشفافية باتت كلمة متداولة على ألسنة الفاسدين والبيروقراطيين (في وقت يحجبون الضوء عن كل فعاليات وتداولات مؤسساتهم دون رادع )، فان الحديث عن الإفصاح يا سادتي أصبح أوجب لأنه يحمل في طياته طابع الالزام. والافصاح يعرف على انه "ﺒﺙ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺃﻭ ﻨﻘل ﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺕ ﻤﻥ ﻤﺼﺩﺭ ﺇﻨﺘﺎﺠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻤﺴﺘﻘﺭ ﺍﻻﺴﺘﻔﺎﺩﺓ ﻤﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﺴﺘﺨﺩﺍﻤﻬﺎ"، وبالتالي او ﻨﻘل ﻫﺎﺩﻑ للمعلومات ﻤﻤﻥ ﻴﻌﻠﻤﻬﺎ ﻟﻤﻥ ﻻ ﻴﻌﻠﻤﻬﺎ.. وهذا الأمر ﻴﻌﻨﻲ الالزام في ﺇﺘﺒﺎﻉﺴﻴﺎﺴﺔ ﺍﻟﻭﻀﻭﺡ ﺍﻟﻜﺎﻤل ﻭﺇﻅﻬﺎﺭ ﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﺎﺌﻕ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻬﺎﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﺘﻤﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻷﻁﺭﺍﻑ ﻟﺘﺠﻨﺏﺘﻀﻠﻴلها.
لقد بات من المسلمات في عموم الدول وعلى مختلف نظمها الاقتصادية ،أن توسم الادارة غير الشفافة في عرض تداولاتها وتعاملاتها بالفساد .. ولأننا في بلد لا يلزم الادارات في انتهاج الشفافية في عرض نشاطاتها المالية والمحاسبية والادارية ، فمن الأولى أن نضغط باتجاه خلق حالة الالزام على المستوى المؤسسي في هذه الوزارة أو تلك للافصاح عن هذه التداولات على المواقع الألكترونية للمؤسسات عبر وسائل التشجيع الاعلامي وتكريم المؤسسات التي تضمن حق الوصول الى المعلومة بيسر بعد أن أضحى ﻤﺒﺩﺃ ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻹﻓﺼﺎﺡﻤﻥ ﺃﻫﻡ ﺭﻜﺎﺌﺯ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺤﺩﻴث.. اذ لا ﻴﻤﻜﻥ ﻟﻼﻗﺘﺼﺎﺩ ﺃﻥ ﻴﺯﺩﻫﺭ في أية دولة تعيش حالة من الاستقرار ﻭﺍﻥ ﻴﺴﺘﻘﻁﺏ ﺍﻻﺴﺘﺜﻤﺎﺭ ﺇﺫﺍ ﻟﻡ ﺘﻜﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺸﻔﺎﻓﻴﺔ ﻜﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻘﻁﺎﻋﺎﺕ ﻭﻋﻠﻰﻜل ﺍﻟﻤﺴﺘﻭﻴﺎﺕ.. فنحن في دولة تحاول أن تستقطب الاستثمار وهي غارقة في الفساد ،فيما تعاني مؤسساتها من البيروقراطية والضبابية في عرض المعلومة في وقت يعد فيه ﺘﻐﻴﻴﺭ ﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺕﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻭﺍﻟﺩﻗﻴﻘﺔ ﻋﻥ ﺍﻟﻤﺴﺘﺜﻤﺭﻴﻥ أخطر في مضمونه من تذبذبات أسعار الصرف وربما يكون بمستوى خطورة الارهاب على المستثمر. اذ ان المعلومة الخطأ ﺴتدفع باتجاه ﺍﺘﺨﺎﺫ ﻗﺭﺍﺭﺍﺕ ﺨﺎﻁﺌﺔ قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه .. وبالتالي فان ﺍﻟﻤﺴﺘﺜﻤﺭين سيعمدون ﻋﻠﻰ ﺘﻭﺠﻴﻪ ﺍﺴﺘﺜﻤﺎﺭﺍﺘﻬﻡ ﺇﻟﻰ ﺒﻠﺩﺍﻥ ﺃﺨﺭﻯ ﻻ ﺘﺤﺠﺏ مؤسساتها وشركاتها ﺃﻴﺔ ﻤﻌﻠﻭﻤﺔ ﻤﻬﻤﺎ ﻜﺎﻨﺕ ﺴﻴﺌﺔ .. وبناء عليه فان لغياب ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ والافصاح ﺘﺄﺜﻴﺭ ﺴﻠﺒﻲ ﻋﻠﻰﺍﻟﻨﻤﻭ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ مثلما له تأثير في خلق بيئة رطبة لنمو الأعفان والفطريات الوظيفية .