المنبرالحر

حديث السلطة.. بصراحة / عبد المنعم الأعسم

الازمة المتفاقمة بين رئاستي الحكومة والبرلمان تكشف، عدا محاولات التخفي وراء الدستور، والإدعاء بالتزام احكامه، عن هوس محموم على السلطة، وهذه المرة عن طريق التحشيد الانتخابي والتاليب والازاحة وكسر العظم والتآمر والايقاع، وكل ذلك الغث نتابعه بالصوت والصورة، محسوبا على الطرفين، على الرغم من ان الدستور يؤكد على التداول السلمي للسلطة، بصريح العبارة.
واحسب ان فكرة وثقافة وقيم ونصوص التداول السلمي للسلطة، كاحد اركان الدستور الاساسية، حديثة على المجتمع العراقي، وعلى طبقته السياسية، بل انها بدت في مراحل كثيرة (حكم الانقلابات والتدخلات الخارجية) كفكرة او دعوة تآمرية، ولم تقترب من الدساتير (او الدساتير المؤقتة) باستثناء الاشارة اليها، كمطالب او تعهدات، في برامج قوى المعارضة لحكم صدام حسين في العقود الاخيرة من القرن الماضي.
وفي دستور العراق الاتحادي جاء في المادة السادسة منه: "يتم تداول السلطة سلميا عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور" لكن هذا لم يكن سوى مدونة على الورق صوتت عليها الملايين وقبلت بها الزعامات والطبقة السياسية الجديدة، ولم تجد تعبيرها المبكر إلا في اشكال نظرية وسياسية، او لامفر منها (مجلس الحكم) فيما تعرضت، خلال التطبيق، الى تحديات من مصدرين، الاول، من الصراع (وقل: من الهوس) الشرس للاستفراد بالسلطة واقصاء وتهميش المنافسين، وثانيا، من ظاهرة احتكار الزعامة في داخل الفئات السياسية، وحالات التزاحم?غير الديمقراطية على مشيئة وارادة هذه الفئات، واحيانا الاقتتال عند خط الهيمنة على الرقم الاول فيها.
وفي اكثر من منعطف من منعطفات السنوات العشر الماضية، برز الخلل في استيعاب مفهوم والتزامات التداول السلمي للسلطة، وغاب الاستعداد الفعلي لترجمة النص الدستوري ذي الصلة بشفافية انتقال السلطة بين الافراد او الجماعات، وعمت الفوضى في مطبخ الخيارات والتحالفات والزعامات والمحاصصات، وظهر جليا للعيان (كما هو في احداث كثيرة) بان التداول السلمي للسلطة على الورق وفي الخطاب الاعلامي والسياسي غير ما هو في الممارسة.. ونحن الآن في فصل خطير من هذا المسلسل خلال الحديث عن ولاية ثالثة لرئيس الوزراء نوري المالكي.
ومن زاوية، يبدو ان لدينا ثقافة هشة حيال فكرة ان القابض، اليوم، على الحكم قد يصبح غدا خارجه، لكن ثمة ثقافة عميقة تكرست طوال عقود وعقود بان حاكم اليوم لن يترك منصبه لغيره (حتى وإن كان من ضرعه) بسهولة، هذا بصرف النظر عن طبيعة ذلك الحكم والاشخاص الذين يتصارعون للقبض عليه.
ففي حال الحكم الاستبدادي، لا مستقبل (ولا كرامة طبعا) للحاكم حين يكون خارج السلطة، فاما الى القتل على يد طامعين بمنصبه، او الى الهرب باسلاب متاحة الى "جحر" في مكان ما، او الى المزبلة. هل نحن بحاجة الى استعادة مصائر الديكتاتوريين؟ ام حاجتنا ماسة للتذكير بافضليات التداول السلمي للسلطة بالنسبة للبلاد التي تتطلع الى السلام الاهلي والحياة الآمنة، وحتى بالنسبة للحكام الذين تهمهم كراماتهم؟.
من الضروري، هنا، الاستدراك للتأكيد على ثلاثة حقائق (الاولى) ان العراق يعيش في بيئة اقليمية محكومة بسلطات اوليغارشية استبدادية من المرجعية الواحدة والحزب الواحد والعائلة الواحدة والفرد الواحد، والحقيقة (الثانية) ان اكثر الاسباب التي تقف وراء التشبث بالسلطة، والحيلولة دون تداولها سلميا، هو الخوف من ان يفتح "السلف" الحاكم ملف المخالفات والذنوب والمفاسد المسجلة على عهد "الخلف" المُزاح، و(الثالثة) ان البديل عن التداول السلمي للسلطة، سلطة ابدية، ونقيض السلطة المتداولة عبر الانتخابات الحرة، سلطة محتكرة غير منتخب?، وفي كل الاحوال ليس ثمة ما يدمر بلادا تمر في حالة الانتقال اكثر من هوس السلطة.

*****
" أفضل أن أفشل بشرف على أن أنجح عن طريق الغش".
سوفوكليس-كاتب مسرحي اغريقي