المنبرالحر

قرض للقناة الجافة !/ محمد شريف أبو ميسم

لماذا كل هذه الضجة بشأن قرض البنك الدولي لتمويل مشروع القناة الجافة، فهل نحن لسنا بحاجة لمثل هذا القرض ؟
من جهة ثانية لماذا كل هذا الإصرار على تنفيذ القرض وهو لا يتعدى مليار دولار (اذ تم توقيع المرحلة الأولى منه بـ355 مليون دولار) فهل نحن بحاجة لمثل هذا المبلغ في بلد تدوّر فيه الأموال سنويا بالمليارات ؟
وللإجابة على هذين السؤالين فإننا سنحاول معايرة الرأي بالرأي للبحث عن المصلحة الوطنية متجنبين الخوض في الممرات الضيقة التي اعتاشت عليها العقول الفئوية .. اذ ان المعارضين لهذا القرض يرون فيه مديونية ستثقل كاهل دولة عانت وما زالت تعاني من مديونية النظام السابق اذ تكبلت بالتزامات الدائنين بعد اتفاق خفض المديونية مع مجموعة نادي باريس والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، في وقت تعاني فيه البلاد من خلل في ادارة الأموال وليس في نقص الأموال، بجانب كون هذا المشروع وعلى لسان أحد المحذرين من هذا القرض (سيزيد من العبء المالي للدولة، لانه يعد من المشاريع الكبيرة ،وهو يحتاج ان ترصد له اموال يصعب على البلد تسديدها.. لاسيما وان هذه القروض تترتب عليها التزامات وفوائد تزداد قيمتها سنويا..) وكان بالامكان أن ترصد الأموال لهذا المشروع ضمن ميزانية وزارة النقل أو وزارة الاعمار بما يتناسب وامكانيات التنفيذ سنويا.
فيما ترى الأطراف المتحمسة للقرض ، في هذا الاجراء عقدا لتمويل مشروع القناة الجافة من قبل البنك الدولي ما يمنح الجدية والسرعة لسمة التنفيذ في مشروع حيوي واستراتيجي واجه ويواجه معارضة كبيرة من دول أقليمية ستتضرر من تنفيذه ومن قوى داخلية لا تريد أن يسجل بوصفه نجاحا لهذا أو ذاك، بعد أن تعطل تنفيذه جراء تعطيل قانون البنى التحتية الذي كان المخرج لتمويله مع مشروع الفاو الكبير، ومشاريع أخرى في قطاعات النقل والسكن والصحة والبلديات ،فيما سيبعد بشكل ما شبهات للفساد في التنفيذ على اعتبار انه سينفذ من قبل وزارة الاعمار بمراقبة واشراف البنك الدولي، وتصرف دفعاته بحسب مراحل التنفيذ .
ويبدو ان أصحاب الرأي الأول المتبصرين في الشأن الاقتصادي والذين يقرون بأهمية التعجيل في تنفيذ هذا المشروع "وليس المتشبثين بأدوات التعويق" يستندون في حجتهم على الوفرة المالية الناجمة عن الفائض المالي السنوي وعلى الخلل الواضح في الادارة المالية والتخطيط والتنفيذ، وهي حجة لا غبار عليها، الا انهم يتجاهلون مبدأ توظيف الموازنة العامة لتحقيق أهداف الادارة السياسية في أجواء التصارع السياسي ..اذ تسخّر الأموال كمعاشات أو هبات أو معونات أو بأشكال مختلفة من الدعم على حساب الخطط والاستراتيجيات التنموية بهدف كسب واسكات الشارع الذي يعمل الآخر عبر وسائل الاعلام المدعومة اقليميا على تحريكه بهدف اسقاط المتصدين للمسؤولية ، فيترتب على ذلك التوظيف خلل سنوي كبير في أبواب الموازنة ، اذ يظهر الشق التشغيلي متضخما ومترهلا على حساب الجانب الاستثماري، فيما يفعل التصارع السياسي ( وهو الغطاء للفساد وسوء الادارة والبيروقراطية فعلته في تعطيل مشاريع الشق الاستثماري فتبقى هذه المشاريع الحيوية والمهمة متعطلة أو متلكئة فتدوّر أموالها للسنة التي تليها .
من جانب آخر فان المتحمسين لهذا القرض يرون فيه حلا لتنفيذ مثل هكذا مشاريع مهمة في حركة البناء والاعمار والتي تعرضت للتعطيل بدوافع سياسية عبر ادخال البنك الدولي كطرف معني بالمشروع، وبالتالي تقليل احتمالية عرقلة المشروع من قوى الداخل ومن دول أقليمية باتجاه خلق المزيد من فرص العمل وتنشيط الدورة الاقتصادية واستثمار الوقت والعمل باتجاه معاكس للذين يضعون العصي أمام العجلة.
ان هذه الحجج المتبادلة التي عرضناها باقتضاب، بشأن مشروع حيوي كهذا ـ تعكس الحقيقة البائسة التي تمر بها البلاد جراء التصارع السياسي، ومثل هذه التراجيدية السياسية تكررت على مدار عشر سنوات سابقة وألقت بظلالها على المشهد الاقتصادي، وستتكرر مادامت المصالح الفئوية تتقدم على مصلحة البلاد ، وسيبقى اقتصاد البلاد مرهونا بهواة التصارع السياسي مالم يحدث تغيير جوهري في نيسان المقبل .