المنبرالحر

في الذكرى 93 لثورة العشرين / عاصي دالي

رزح العراق تحت الاحتلال العثماني مايقارب أربعة قرون 1532- 1918تعرض فيها الى شتى انواع القهر والاستبداد وبعد اندلاع الحرب العالمية الاولى عام 1914 ودخول الدولة ألعثمانية في تحالف مع المانيا ضد دول الحلفاء بريطانيا, فرنسا وروسيا القيصرية مما ادى الى انتصار الحلفاء فيها بزعامة بريطانيا وسقوط الدولة العثمانية وتقسيم مناطق نفوذها فيما بينهم.
وكان العراق ضمن معاهدة سايكس بيكو عام 1916 من حصة بريطانيا وعند احتلاله اصدرت بياناَ موجها للعراقيين في محاولة لكسب ودهم وقبولهم للاحتلال البريطاني جاء فيه ( اننا جئناكم محررين لا فاتحين,وقد طرد العرب من الحجاز الاتراك والالمان الذين بغواعليهم, ونادوا بعظمة الشريف حسين ملكا عليهم ,وهو متحالف معنا فيا أهل بغداد هيا للتعاون معنا لتحقيق اطماحكم القومية) وكان يحمل توقيع القائد البريطاني في العراق (ستانلي مود) وتم تشكيل ادارة استعمارية على نمط الادارة في الهند وعمدوا الى تأمين مقتضيات الاحتلال ومتطلباته وهذا ماولـد شعوراً عند العراقيون بعدم الارتياح والاستياء والغضب والذي دفعهم الى تبني الافكار الوطنية التي تنادي للخلاص من الاحتلال ونيل استقلال البلـد
ففي نيسان 1920 اصدرت عصبة الامم والتي كانت تمثل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى وبما ان بريطانيا كانت الدولة الاقوى والمتزعمة لدول الحلفاء فكان لها الدور المؤثر في اتخاذ قرار جائر اثناء انعقاد مؤتمرسان ريمو وضعت فيه العراق تحت مظلة الانتداب البريطاني والذي أثـار حفيظة العراقيين وجام غضبهم , بالاضافة الى اسباب اخرى , منها سوء المعاملة التي انتهجها الانكليز ضد ابناء الشعب العراقي وقيام الحاكم العسكري البريطاني في الديوانية (ديللي) ومبعوثه الى حاكم ناحية الرميثة الملازم (هيات) يطلب منه الارسال على بعض الشيوخ الوطنيين للانتقام منهم بحجة تحريض الناس ضد الاحتلال وعلى رأسهم الشيخ شعلان ابو الجون رئيس عشيرة الظوالم وهي فرع من بني حجيم وبعد كلام مطول بينه وبين الحاكم العسكري والذي قال فيه: انتم في العراق وليس في (بهندستان) وان العراقيين غير الهنود فاستشاط الحاكم الانكليزي غضبا وأمر ايداعه السجن لغرض ارساله الى حاكمية الديوانية عن طريق القطار الذي يتحرك عصرا متوجها الى مدينة الديوانية فالتفت الشيخ شعلان الى احد مرافقيه وقال له: اذهب الى الشيخ غثيث الحرجان ودعه يرسل لي عشر روبيات المانية على ان تصل قبل تحرك القطار، ولما وصل المبعوث الى الشيخ غثيث عرف غايته وهي ارسال عشرة رجال لاجل انقاذه من السجن وقام بارسال عشرة رجال مسلحين واقتحموا مركز شرطة الرميثة واطلقوا سراحه وكانت الشرارة الاولى التي اوقدت نار الثورة والتي هـب الشعب العراقي بكافة فئاته وشرائحه الاجتماعية وشملت جميع المدن العراقيـة في مقاومـة النفـوذ البريطاني.
وتفجر عملاق الشعب من دهالـيز الركود المديد والخمود والاذلال والتمزق والسكون واذا به على امتداد الوطن شرارات تشمخ في اللهب,وروحا تريد ان تؤكد عظمتها وتواصل وجودها ضد الجوع والتخلف وما وشمته سنين الاستغلال والاضطهاد مما جعل المستعمر منذهلا امام شعب تقف الام امام ابنها الشهيد وهي تقول:
إبنــي المـضغتـــه البـارود
او مفطــوم اعلـى ســـركَيـها
إبنـــي اليمـــوت دون الــدار
والكلفـــه يجـيهــــا اكَـبـــــال
او نــار الحــرب يلـهيها
وتقف الزوجه بين جرحها وفرحها تغني الشهادة لزوجها
إنـدبـي البـواهـل يـل تندبيـن
كـلـهم تهــادوا بالـمــياديــن
غـرب فـزعهم فـات صوبيـن
اومن غـربوا جنهـم امعرسين
ورغم عدم تحقيق الثورة لاهدافها الموسومة لكنها كانت نقطة ناصعة في صفحة النضال الثوري للعراقيين والتي عبرت عن وحدته وامتزاج الدماء الزكية لجميع مكوناته من شماله الى جنوبه، بعربه وكرده وبجميع دياناته.
ورغم الفارق الكبير بين قوات هذا الشعب العسكرية والتي اقتصرت على ابسط الاسلحة وهي (الفالة والمكوار) وبعض البنادق القديمة والمسماة (البشتاوه) مقابل قوة عسكرية مدربة تدريبا جيدا وتحمل انواعاً من الاسلحه المتطورة انذاك من مدافع وعجلات مسلحة واستخدام الطائرات ولكن وحدة ابناء هذا الشعب واصرارهم على مقاومة الاحتلال كانت الصخرة التي تهشمت عليها قوة المحتل ومثلما قال احـد الابطال عندما اعتلى منصة المدفع وهو يقارن بين قوتـه وقوة عدوه وعندما اخذ يضرب بها بواسطة مكواره وهو عبارة عن عصا من الخشب او الخيزران ويوضع في رأسها كمية من القير الصلد على شكل بيضوي مـردداَ: (الـطوب احسن لو مكـواري) والطوب هو المدفع المأخوذ من كلمة تركية . وفي احد المعارك غرس احد المقاتلين من ابناء العشائر (الفالة) وهي قطعة حديدية تشبه كف اليد مدببة الرؤوس تستعمل لصيد الاسماك في صدر احد جنود الانكليز والذي تم اخلاؤه والفالة عالقة في جسمه فقد قام صاحبها بهوسته المشهورة (مشكول الذمه على الفالـه….. مشكول الذمه اتوديهه ). وهكذا انتصرت ثورة العشرين بتلاحم ابناء شعبنا العظيم وكم نحن الآن بحاجة الى هذه اللحمة العراقية للوقوف بوجه اعدائنا واعداء العملية السياسية ولتجاوز المحاصصة الطائفيه البغيضة وبناء دوله مدنية ديمقراطية تجمع بين ابناء الوطن والشعب الواحد وتقدم الخدمات له والذي عانى سنوات طويلـة العقود من زمن الحروب والحرمان وقدم فيها الاف الضحايا والمعوقين والارامل والايتام من خيرة ابنائه.
المجد والخلود لشهداء الحركة الوطنية
والخزي والعار لاعداء الشعب الابي.