المنبرالحر

النفط كائن خرافي سيحرقنا / ئاشتي

يؤرقك الفرح مثلما هو الحزن حين تَلمُ بك نائبة، وتستحوذ على كل خلاياك موجة من الارتعاش الطفولي، وكأنك في حضرة موسم متكامل من الزهو وتحقيق المستحيل، فتبحث في داخلك عن مدى هذا المتحقق وترسم ملايين علامات الاستفهام حوله، بدءاً من كيفية التحقيق وضريبته وانتهاء بمدى الاستفادة منه وهوية المستفيد. أو هكذا يبدو الوضع في عراقنا اليوم حين يتطلب منك الأمر البحث في حقيقة ما يحدث، سيما وأن المتداول هو القول «كل شيء جائز»، ما دام الوضع يتغلف بأكثر من سجف حديدي يجعل حتى الذين يبصرون في إناء اللبن غير قادرين على معرفة ماذا في القعر. وتزيد الأمر غرابة أن ماكنة الإعلام الايجابي (بالنسبة للسلطة) والسلبي (بالنسبة للسلطة أيضا) لا تقدم ما هو سهل الاستيعاب والفهم، لهذا تكون الصورة مضببة في أغلب حالاتها، مما يساعد على جعل كل ما يجري في وطننا داخلا في صلب نظرية الاحتمالات، حيث تتبخر اليقينية من ذهن حتى المشتغل في حقل السياسة والذي يحمل الثوابت السياسية الواضحة والرصينة، فتُتخذُ المواقف على الآني والمتحول وكأنه الثابت الذي سوف ترسم عليه منظومة المواقف السياسية القادمة، وهذا بحد ذاته يساهم في تشكيل حالة من التعمية في وعي المتلقي فيفقد ذلك بوصلة تحديد طبيعة الاحداث ولمصلحة منْ تجري.
يؤرقك الفرح مثلما هو الحزن حين تَلمُ بك نائبة، وتستحوذ على كل خلاياك موجة من الارتعاش الطفولي وأنت تقرأ خبرا عن ان صادرات النفط لشهر شباط هذا العام فقط بلغت أكثر من ثمانية مليارات دولار، أي أن حصة كل عراقي وهو جالس في بيته دون أن يعمل شيئا أكثر من 250 دولار شهريا، وهذا بعد استقطاع نثرية الرئاسات الثلاث. ولكنَّ أين العراقي من هذا؟ وكيف تتبخر هذه المليارات؟ ومنْ هو المستفيد من هذا الريع النفطي؟ الاسئلة تتزاحم في ذهن كل عراقي، ولكن ليس هناك غير جواب يعرفه الجميع دون معرفة التفاصيل: ليس سوى النهب الذي سيخلق من النهابين كائنات خرافية تستوحي طبيعتها من خرافية النفط الذي سيحرقنا، مادام المستفيدون منه هم الذين بيدهم مفاتيح أنابيبه فقط.
يؤرقك الفرح مثلما هو الحزن، ولكن الحزن أكثر معرفة بالأرق من الفرح، وليس لي سوى صديقي الشاعر موفق محمد استعين به على كل هذا الأرق:
( فما زلت ألهط وألطم
حاسداً شمهودة لأنّي لم أجد صغاراً ولا عشاء
ومازلت بين نيوب الكبار
أنصاف الآلهة..
أُقتل عضّاً ودفراً وصلخاً وشيّا
ولم أتفحم بسيارة مفخخة أو عبوة لاصقة
من صنع جيراننا..
ولم يتشرف رأسي بعد بتوقيع الأستاذ (كاتم)
ولم أُكمل أغنيتي عن)عنيد)
الذي تمنت زوجته أن يموت بدلاً من عجلها)