المنبرالحر

الربيع العربي.. ممكنات التغيير واشكالية البديل / قاسم حنون

مع هبوب رياح ما أطلق عليه الربيع العربي في أواخر 2010 تفجرت أسئلة كثيرة خول مكونات الحراك الثوري والمطالب الاجتماعية والسياسية والشعارات التي تبنتها قطاعات من الشعب في باكورة الأعمال الاحتجاجية في تونس ثم مصر لتصل بالتتابع إلى اليمن وليبيا وسوريا.. ما مدى استمرارها؟ وما الذي ستؤول إليه الحركات الاحتجاجية التي كانت تتشكل بموجب زخم يتصاعد في مواجهة آلة النظم القمعية وسياساتها الطائشة؟ هل يودع العرب حقبة في تاريخهم المعاصر تميزت بالقسوة والإستبداد ومصادرة الحريات وتبديد الثروات الوطنية في ظل دكتاتوريات بوليسية عسكرية (علمانية)؟ أهو ربيع الطامحين للحرية والإنعتاقربيع ثوري رائق أم خريف أصولي ظلامي خانق؟
قبل أكثر من ثلاثين عاما، وفيما كانت الدبابات الإسرائيلية تحاصر بيروت، خلص الكاتب الراحل لطفي الخولي إلى أن الأزمة لا تعتمل في جسد النظام العربي الرسمي، وحسب بل هي متجذرة قي البنية الثقافية والسياسية لشعوبنا العربية بعد تعاظم قوى الردة وإجهازها على المشروع التحرري، بما يجعلها في حال من الامتثال والسلبية والانكفاء في مواجهة القضايا الكبرى التي تمس الوجود التاريخي للعرب ومستقبلهم. ولقد عملت أنظمة الاستبداد على إشاعة مناخ من غياب الثقة بالمستقبل والتكيف مع القهر ومصادرة الحريات، في تآزر واضح مع البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية ورأسمالية المحاسيب التي هي التكوين المادي لحركة الردة الاجتماعية والسياسية. إذاً كانت الاحتجاجات بشارة وعي جديد حملته طلائع من الشباب المتفتح والمؤهل معرفيا الذين أدركوا عمق الهوة التي تتردى فيها منظومتنا السياسية والاقتصادية، فسعوا إلى تأثيثها بالمعرفة وآليات الحداثة التي تعرفوا إليها (فهم معاصرون وحداثيون ويقفون خارج دائرة الخضوع للتقاليد) بتعبير د.سمير أمين ,ربما هم يتميزون عن الجيل الأول من النهضويين الذين كان منظورهم للتقدم وتطوير المجتمعات العربية متأثرا بمفاهيم ومقاربات العقلانية الأوربية ,وعن الأجيال اللاحقة من الوطنيين والمكافحين من أجل الاستقلال والتحررالوطني ,قطاعات من الشباب وجدت نفسها في حلبة السياسة بعد أن اكتشفت عجز النخب الحاكمة عن حل المشاكل المتفاقمة ولجوئها إلى وسائل التوريث وتزييف الارادة الشعبية.
بينما تعصف الديمقراطية والتحولات الجارية في العالم بالنظم التسلطية والشمولية وتحقق الشعوب بوتائر متسارعة نجاحات كبيرة في الإصلاح السياسي والتنمية الاقتصادية فيما تفتك البطالة والحرمان والفقر قي المدن العربية التي توسعت إلى حد مخيف، وتحولت إلى مستوطنات للمهمشين والمحرومين، وتجلى على نحو لافت زواج السلطة والمال والنهب المتواصل للثروة على حساب معاناة الملايين.
كانت جل أحلام الشباب الحصول على فرص العمل والحياة الكريمة ولو تطلب ذلك الهجرة خارج بلدانهم وعرض قوة عملهم بأبخس الأثمان, ولقد ولجت أفواج الشباب إلى السياسة من بوابات الشقاء اليومي والأزمات المتفاقمة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي الجديدة التي تحولت إلى أدوات وميادين للتعبئة الشعبية خارج السياقات التقليدية حتى اضطرت الأحزاب والتنظيمات السياسية للحاق بحركة الشباب، وتفعيل المعلوماتية كإطار وآليات عمل جديدة, حتى الأصوليون لم يكتفوا بدور العبادة والمناسبات الدينية، بل ركبوا الموجة واظهروا قدرة في الصعود المراوغ أو ارتداء مسوح ليبرالية والتبرؤ من إرث الاستبداد ولو كان ذا خلفية اسلامية, لم يتورع راشد الغنوشي عن الإيحاء لأنصاره والمحتفين بعودته في مطار تونس أنه ليس بصدد إقامة جمهورية إسلامية على طريقة الخميني مطمئنا الغرب أنهم لن يكونوا بديلا راديكاليا يهدد مصالحه.
في انتخابات الرئاسة الإيرانية 2009 حشدت الولايات المتحدة مواقع التواصل بهدف إحداث تغيير قي تركيبة السلطة ولكنها لم تفلح في نظام ما زال يرسم خياراته وطبيعته الولي الفقيه, وما أخفقت فيه أفاد منه شباب مصر على نحو خلاق حتى بدا منسقو التحريض والتعبئة في الفيسبوك وتويتر رموزا وطنية وفاعلين أساسيين في الحراك الشعبي بينما أطلق الكاميكازي التونسي (محمد البوعزيزي) شرارة الغضب العارم والسخط الذي وحد الأحزاب والقوى السياسية للمطالبة بإسقاط النظام ,وفي الحالتين (مصر وتونس) ضبطت بعض القوى والشخصيات السياسية متلبسة بشبهة التواطؤ مع الأنظمة السابقة وإشغال مواقع في أجهزتها التشريعية والبيروقراطية ,وبقدر ما راكمت فيه حركة (كفاية ) والقوى المدنية أساليب وتقاليد كفاحية في مجابهة النظام الحاكم لانتزاع تنازلات أو مكاسب دستورية تتعلق بإنهاء مبدأ التوريث وكسر احتكار الحزب الوطني للسلطة ,فإن الاتحاد التونسي للشغل يتوفر على إرث وطني ونقابي بالتنسيق مع قوى ليبرالية ويسارية عمل على قلب المعادلة لصالح التغيير المنشود.
لم تعد المطالب إصلاحية بل كانت جذرية تستهدف الإطاحة بالمنظومة السياسية القائمة والشروع ببناء نظام جديد يقوم على الديمقراطية السياسية والتداول السلمي للسلطة والتنمية الحقيقية واستعادة مكانة بلدانهم في عالم تترسخ فيه قسمة العمل الدولية لغير صالح الجنوب الفقير وتتسع الفجوة الحضارية مع الغرب ,و تنتصب آلة المشروع الصهيوني مثل حارس الجحيم لكبح مسار التقدم والتحديث وبناء الدولة الدبمقراطية في تواطؤ مكشوف مع قوى الهيمنة الكونية والنظم المحافظة التي ترى نفسها بفضل تدفق الريوع النفطية خارج مؤثرات الربيع واستحقاقات التغيير.لماذا يبدو الغرب أكثر انهماكا في تقصي موجات الربيع العربي أكثر من اهتمامه بالتغيرات السياسية في بقاع أخرى من العالم..؟
في السنوات الأخيرة شهدنا صعودا ملحوظا لقوى اليسار في بعض بلدان أمريكا اللاتينية (البرازيل ,فنزويلا,بوليفيا,الاكوادور,..)التي كانت إلى زمن قريب بمثابة الفناء الخلفي للولايات المتحدة فودعت حقبة الدكتاتورية والنظم اليمينية لينفتح أمامها أفق رحب يقوم على دمقرطة الحياة السياسية والتنمية المستدامة وتبني برامج اقتصادية واجتماعية تعبر عن السخط والتبرم من سياسة الولايات المتحدة واملاءات المؤسسات الدولية الكبرى.
منذ تفجر أحداث ثورة تونس ثم انتقالها إلى مصر انشغلت الدوائر الدبلوماسية ومراكز الأبحاث في أوربا والولايات المتحدة بمتابعتها ودليل ذلك تشكيل غرفة عمليات في البيت الأبيض لمراقبة فصول الثورة المصرية لتوجيهها بما لا يهدد التوازنات الدولية والإبقاء على علاقة التكيف والاندماج لبلدان المنطقة في نظام الهيمنة الدولية اقتصاديا وسياسيا ,على أنه لا ينبغي النظر إلى أحداث الثورات والانتفاضات الشعبية على إنها نتاج مؤامرة غربية وفي الوقت عينه أظهر التاريخ المعاصر للشرق الأوسط أن الغرب الولايات المتحدة وأوربا_لا يشجع على بناء ديمقراطية حقيقية ارتهانا لمصالحه الكبرى وانحيازه السافر لإسرائيل يدعمه منظور استشراقي متعال يسعى لتوظيف المكبوت التاريخي لشعوب المنطقة واستثمار التنوع الثقافي في غير صالحها بتأجيج الإختلافات العقائدية بين المسلمين والمسيحيين أو بين السنة والشيعة وسائر الفرق الإسلامية لتغذية صراع طائفي يستنزف طاقات وموارد بلدانها تمهيدا لسايكس بيكو جديدة ترتسم على حدود التماس الأثنية والمذهبية, ولعل الدور الخطير الذي ينهض به الفيلسوف برنار هنري ليفي في فرنسا والمستشرق برنارد لويس في الولايات المتحدة المستشرق المقربان من صناع القرارفي الدولتين ومن تكتل الليكود في إسرائيل كذلك يكشف عن جدل المعرفة والساطة والمضمون الايدلوجي لخطاب الديمقراطية المعتمد امبرياليا, وربما يجري الترويج لنسخة مشوهة تختزل أحلام الشعوب في الديمقراطية إلى منظومة آليات وإجراءات وعلائق تحافظ على ميكانزمات التبعية أو تعيد إنتاجها..علينا أن نعالج كل حالة استنادا إلى شروطها الملموسة من حيث مكونات الحراك الاجتماعي والسياسي والتوازنات الطبقية والسياسية والشعارات والبدائل المطروحة ,فما جرى في تونس غير ما جرى في مصر ,وما جرى في ليبيا (حيث التغيير برعاية أطلسية ) ليس كما جرى في اليمن ,وما يجري اليوم في سوريا حيث تتداخل مستويات الصراع الذي وصل إلى حرب أهلية مدمرة قوضت اقتصاد البلاد وتراثها ومؤسسات الدولة إلى حد مخيف حتى لتبدو فيه مثل بازار سياسي يتفاعل فيه الحراك الداخلي مع الاستقطاب الإقليمي في ظل مباراة دولية شرسة لاقتسام المجال الجيوسياسي يغذيها صراع احتكارات الغاز والبترول واللاعبين الكبار ومن يندرج تحت أجنحتهم من قوى إقليمية ومحلية..
بدت الانتفاضات الشعبية العربية وكأنها تعزف لحنا متفردا من نشيد المارسيليز (الشعب يريد إسقاط النظام ) بما يؤسس لنهضة جديدة إلا إن ما آلت إليه الأوضاع ,خاصة بعد الانتخابات النيابية في مصر وتونس وليبيا ,كان محبطا للآمال بعد أن فاز الأخوان المسلمون والسلفيون بنصيب وافر في المجالس التمثيلية فملؤوا المشهد وتسارعوا لتلفيق خطاب منتحل متنافر في بنيته ومرجعياته من مقولات فقهية معتقة ومفاهيم جديدة كحكم الأغلبية ومكانة الأقلية والانتخابات والديمقراطية...الخ ما يميز أغلب خطابات الاحتجاج في البلدان العربية هو تبشيرها بأفق جديد يساهم فيه الشعب في صياغة خياراته ورسم مستقبله وتبنيها للعدالة الاجتماعية وميلها للدفاع عن مصالح الشعب ومعالجة مشاكل التهميش والعشوائيات والحرمان الذي يطال فئات واسعة بيد إن الشروط المفضية للتغيير الحقيقي لما بعد الثورة هو توفر مناخ ديمقراطي حقيقي وأجواء من التعددية السياسية والثقافية التي تتيح الفرصة لكافة التنظيمات والأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وتبني برنامج اقتصادي شامل لمعالجة الاختلال المزمن في اقتصاديات هذه البلدان ,ولابد من مرحلة انتقالية تتبلور فيها الخيارات السياسية والفكرية لاشتقاق الطريق الواقعي والسليم لبناء الدولة الحديثة دولة المؤسسات والقانون ,الدولة المدنية الديمقراطية...الإسلاميين يستبد بهم الفزع عند طرح البديل الضروري وهو (المدنية الديمقراطية) فيلجؤون إلى توصيفات ساذجة وتأويلات مستقاة من ثقافة ماضوية تنتمي لما قبل الحداثة,وهم يناورون لتصفية الحساب مع المنجز الثقافي والسياسي لشعوبنا وكفاحها للتحرر من الهيمنة الكولونيالية ومن أجل الاستقلال السياسي والاقتصادي ويطمحون لإعادة وصل ما انقطع بعد الغاء الخلافة العثمانية في منتصف عشرينيات القرن الماضي كأن التاريخ عربيا يسير بالمقلوب, فكر مأزوم وخطاب سياسي مشوب بالإقصاء والكراهية والأوهام بإعادة أمجاد الماضي وبناء دولة الخلافة. من المفارقات اللافتة أن اليسار والليبراليين هم الذين كانوا يملؤون ساحات الاحتجاج والإضرابات في تحدي نظام زين العابدين بن علي بالتنسيق مع الاتحاد التونسي للشغل وليس غريبا أن يتبوأوا مناصب هامة في أول حكومة بعد سقوط النظام بينما كانت منطلقات حزب النهضة الإسلامي في معارضته للنظام السابق تقوم بالأساس على محاكمات ايدلوجية بسبب تمسكه بخيار العلمانية قي علاقة الدين بالدولة ,وفي مصر فإن التيار السلفي بحسب دعوى الإخوان المسلمين أنفسهم كان حليفا لنظام مبارك في مواجهة الإخوان والحركات الإسلامية الأخرى وكانوا غير معنيين بالسياسة ومظالم الشعب وفساد النظام واحتكاره للسلطة على قاعدة (سلطان غشوم ولا فتنة تدوم) (ولا يجوز الخروج على ولي الأمر ولو ألهب الظهور بالسياط) وظلوا يحظون بدعم النظام ومؤازرته حتى اذا حدث التغيير تحولوا بين يوم وليلة إلى ميادين العمل السياسي وأنشؤوا أحزاباً وتنظيمات سياسية وتحولت التكايا والفرق الصوفية إلى أطر تنظيمية تؤمن مشاركتهم وتأثيرهم في الحياة السياسية وتدفقت ملايين الدولارات من دول الخليج على خزائن السلفيين والأخوان للمساهمة في رسم خارطة ما بعد الثورة.
بينما كان الإخوان المسلمون أيام مبارك يحوزون على مراكز نفوذ في النقابات والاتحادات المهنية والجامعات والمدارس والمؤسسات التعليمية وينشئون مشروعات استثمارية وشركات توظيف الأموال ومؤسسات صحية وتعليمية تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية. إن رياح الربيع العربي التي يجري تحويل مسارها في غير صالح الأهداف الكبرى التي تطلعت إليها الحشود المليونية في مصر وتونس واليمن غير بعيد عن استراتيجية الولايات المتحدة في التفكيك النظيف وتحويل مسارها لتكون رافعة جديدة للنفوذ الغربي والتمهيد لسيناريو أسود تنخرط فيه شعوب المنطقة في صراع طائفي وأثني مدمر يبدد طاقاتها ويستنزف مواردها ويجهض أحلامها وإبقاء دولها في حالة من الدوران داخل أفق مسدود. مهما يكن فإن القيود التي ترسخت لعقود من الاستبداد في طريقها إلى التحلل ولن تنفع المسكنات والإصلاحات الشكلية والعقائد التبريرية في وقف الزحف الثوري للجماهير الغاضبة والخروج إلى أفق جديد.اللاعب الجديد ا لذي اختطف ثمار الحراك الشعبي هم الأخوان المسلمون وحلفاؤهم من التيارات السلفية الذين ركبوا موجة الديمقراطية والانفتاح على الغرب ولا يتورعون اليوم عن مداهنة (الصليبيين) وتبني مفاهيمهم وتقديم أنفسهم كراع أمين للمصالح الغربية في المنطقة ولعلنا نستذكر جيدا الدور الذي قامت به الجماعات الإسلامية بالتعاون مع دول الخليج النفطية خلال الثمانينيات في ظل ما أطلق عليه (الجهاد لإخراج السوفيت من افغانستان).
الأموال الطائلة وآلاف الشباب من العرب وغيرهم والجهد الاستخباري الهائل والتغطية الاعلامية واسعة النطاق وتدفقات البترودولار ساهم الى حد كبير في تشكل مناخ ثقافي وسياسي لصالح الحركات الاسلامية التي كان المحرك الاساس فيها جماعة الإخوان المسلمين بفروعها ومسمياتها المختلفة في الدول العربية والاسلامية التي تحولت الى مايشبه التنظيم العالمي في توجهاتها وأساليب عملها ومواقفها، وليس بعيدا عن هذا دور التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي يتزعمه الداعية وأحد أقطاب الأخوان يوسف القرضاوي ويتخذ من الدوحة في قطر مقرا له ويتوفر على امكانات مادية ولوجستية ضخمة معززا بالدور الكولونيالي للإمارة التي تحتضن أكبر قاعدة للعمليات العسكرية للقوات الأمريكية في المنطقة وتحتفظ بعلاقات دبلوماسية وتجارية مع اسرائيل كما ترتبط بعلاقات تنسيق مع حركة طالبان وتبث من خلال قناة الجزيرة بيانات تنظيم القاعدة وتسجيلات خطب قادته وتقوم بتمويل الجماعات المتطرفة في العالم الاسلامي، بينما تفرض خياراتها وتصوراتها على الجامعة العربية خاصة فيما يتعلق بالحدث الليبي والسوري. لقد لجأت الولايات المتحدة الى استخدام الإسلام نظمة وحركات ومؤتمراً إسلامياً- في مواجهتها للسوفيت في أفغانستان ودبرت بكفاءة استقدام الجهاديين الإسلاميين من أرجاء العالم الإسلامي لإلحاق الهزيمة بالإتحاد السوفيتي, وحقا كانت هزيمته في أفغانستان عاملا كبيرا في تفككه وانهياره ,إلا إن لهذا الانتصار تداعياته أيضا إذ ساهم في نشر المجموعات الجهادية والتطرف الإسلامي في بقاع مختلفة من العالم حتى توجت في ما أطلق عليه (غزوة نيويورك) أي أحداث سبتمبر 2001 وإن كانت عاملا مساعدا في إنعاش خطط المحافظين الجدد في اكتساح العالم للسيطرة على مناطق النفوذ والطاقة ,وهذا بحد ذاته يؤشر الفشل الأخلاقي والسياسي للولايات المتحدة فرغم نفوذها في الدول الإسلامية إلا إنها لا تعلم عنها شيئا أو أنها تتجاهل مشكلاتها ومعوقات تطورها الاقتصادي والسياسي وظلت أسيرة نظرة إلى إسرائيل كدولة تستحق الدعم اللا محدود بوصفها واحة للديمقراطية والتمدن وحليفا محاصرا. لقد حافظت على علاقات متناغمة مع العالم الإسلامي لتدعيم دورها كقوة امبريالية وأتاح دعمها للأنظمة اليمينية والقمعية والثيوقراطية لإدامة بقاءها كما أتاح للسعودية عبر عائداتها البترولية التصرف كشريك على الصعيد الدولي. فيما عينت نفسها حارسا على أقدس المواقع الإسلامية في الوقت الذي أمنت الولايات المتحدة لنفسها نصيبا وافرا من إمدادات الطاقة، تغلبت بموجبه على منافسيها الأوربيين والصين واليابان من خلال السيطرة على أكبر احتياطي للنفط في العالم. وتقوم الرؤية الأمريكية لإعادة تشكيل المنطقة كجزء من حرب كونية لمكافحة الإرهاب، ولكنها تتحول في التطبيق إلى استعمار وفصل عنصري وحصار وتجويع للفلسطينيين ونزاعات طائفية مدمرة وهجوم على لبنان وحروب مفتوحة دوريا...الخ. في زاويته بمجلة (دبي )الثقافية كتب أدونيس الشاعر السوري الكبير:
لا تزال العقائد تتكدس في الرؤوس كمثل الأشياء يحرسها العنف والقتل لايزال التابعون والأنصار يعبرون عن آرائهم وأفكارهم بكلمات ليست أكثر من مسامير وشظايا لايزال عالمنا العربي الأسلامي اثنين : جزارا وضحية وما بينهما الغرب صديق الطرفين هكذا يبدو الغرب نافذة سوداء على شرقنا ويبدو شرقنا كأنه ساحة تسيل دما .