المنبرالحر

ثمانون عاما من الوعي / قاسم السنجري

من ذا الذي يمكن أن يهبك فكرا وثقافة ولا يريد منك شيئا سوى أن تكون حراً؟ أي حزب سياسي دفع خيرة كوادره وقياداته إلى ارتقاء أعواد المشانق، على ألا يتراجع عن مبدأ واحد من عقيدة لم تتخذ إلا من الوطن منهجا، ومن الشعب رواةً لسفر التضحية الخالد؟
أي حزب تجسد بهيئة معلم ونشر الرفاق في كل قرية وزقاق ليعلم الناس معنى أن يكونوا احرارا ويدلهم على طريق نيل حقوقهم؟
أنه الحزب الشيوعي العراقي الذي كان في الريف فلاحا ثائرا، وفي المدينة عاملا مناضلا، وفي كل مشهد من مشاهد التنوير في المجتمع العراقي سراجا مضيئا لم تستطع أي ريح تخلف هوجاء أن تنال من ضياء فكره.
كم نحن مدينون لهذا التراث الفكري الهائل الذي يصنع يساراً ناصعا. بالرغم من كل محاولات تغييب هذا الحزب إلا أنه لن يغيب عن انظار الجماهير.
وكم نحن مدينون لهذا الحزب في تشكيل وعينا، ونضجنا ونظرتنا إلى الوطن الذي حاولت الديكتاتورية أن تخلخل هذا البناء من خلال محو أي ذكر لنضال هذا الحزب، إلا أن مواقفه النضالية كانت عصية على المحو، فلا يمكن لأي قوة في الأرض أن تغيّر الشعب مهما تنوعت طرق استبدادها وقمعها، والشيوعي العراقي ونخبه كان متلبسا هيئة الشعب، والمصد الأول في مقارعة الطواغيت.
لا يمكن لمن يطلع على تاريخ الحركة الوطنية في العراق منذ ثلاثينات القرن الماضي، ان يتصور أن تنضج الحركة الوطنية وترفض أن تكون مجرد اضافة «ديكورية» في المشهد السياسي الناشئ آنذاك، دون وجود للحزب الشيوعي العراقي. ولا يمكن لأي منصف ومتابع للحركة الثقافية ودورها الفاعل ان يحدد ملامح المشهد الثقافي لولا وجود المفكرين الشيوعيين الذين صنعوا حراكا ثقافيا مبكرا في المنطقة منطلقين من بغداد. فمن يطلع على رواد الشعر الحديث في العراق على سبيل المثال لا الحصر، سيجد أن اغلب رواد هذا الأدب إما شيوعيون أو يساريون، وهم بشكل أو بآخر نتاج حركة هذا الحزب الخالد.
لذا فإن الاحتفال بالذكرى الثمانين للحزب الشيوعي العراقي، هو احتفال بتأسيس حركة الوعي والإبداع والانتقال بالمجتمع من سذاجة التفكير التي صنعتها قرون من احتلال عثماني متخلف، إلى فكر راسخ يعنى بالوطن والإنسان. أن احتفالنا بهذا الفتى الثمانيني، هو انتصار لقيم الإنسان التي حملها هذا الحزب وتقدم الصفوف ليدافع عن حقوق العراقيين دون أن يلتفت لتصنيفات عرقية أو طائفية في ماضيه، ونأى بنفسه وجماهيره من ان تتلوث أيديهم بإراقة أي دم عراقي وفق حسابات طائفية أو حزبية. فالحزب الذي يحمل الحب سلاحا والفكر درعا هو من يمثلني ومن يحفظ كرامة أهلي ويحرّم دمي على أن يراق في حفلة الموت التي يقيمها الظلاميون.
الشيوعي العراقي يستحق أن نحتفي به وأن نشعر باننا مدينين له، لما قدمه من تضحيات طوال سنوات عمره المضيئة.