المنبرالحر

الأحزاب الدينية بين حقيقة التدين ودجل السياسة/ مازن الحسوني

شهدت الفترة التي تلت سقوط الصنم تسيّدًا واضحًا للأحزاب الدينية للمشهد السياسي في العراق. حيث كثرت وتعددت هذه الأحزاب التي لم يكن لها حضور كبير أيام النظام الدكتاتوري باستثناء حزب الدعوة والمجلس الإسلامي، أما التيار الصدري فلم يكن سوى مجاميع متفرقة دون أية جهة تنظيمية واضحة. هذا فيما يتعلق بالقسم الشيعي من الأحزاب الدينية، أما القسم السني فلم يسجل للحزب الاسلامي ممثل الطائفة السنية أيّ نشاط في تلك الفترة.
وكما هو بيّن وواضح فإن جميع هذه الأحزاب تطرح نفسها كأحزاب دينية مدافعة عن الطائفة وخاصة الشيعية منها بعد تعرضها للاضطهاد الشديد في السابق بسبب الانتماء الطائفي. وبعد أن انقضى ما يزيد عن عشر سنوات على حكم هذه الأحزاب للبلد، علينا أن نتساءل هل نجحت هذه الأحزاب في أن تكون خير نموذج ديني للطائفة الشيعية؟
من صفات المؤمن الكثيرة التي يأمر الدين الاسلامي جميع المسلمين بأتباعها سأختار نماذج لنرى هل هذه الأحزاب هي حقًا أحزاب تسترشد بالدين الاسلامي الحنيف أم لا؟
لنتابع مدى تطبيقها للمثل الأعلى وهو الأمانة. ونتساءل هل أن سرقة أموال البلد والفساد العام الذي استشرى بين رجال الدولة الكبار وخاصة أعضاء هذه الأحزاب يمكن أن تقدّم نموذجًا حقيقيًا للمؤمن المسلم (ما طلعت بوكَة على واحد من الأديان الاخرى)؟
الصدق، هل أن عمليات تزوير وفبركة الشهادات الدراسية العليا لكبار رجال الدولة وكذلك الكذب وتضليل الحقائق في الكثير من المواقف هي نموذج جيد للمؤمن المسلم (ما طلع واحد مزور شهادته من الأديان الاخرى)؟
العدالة، هل أن المحسوبية في التعيينات وتقديم المستحقات للمواطنين والتي لم يسلم منها حتى الشهداء، حيث يعامل شهيد هذا الحزب بشكل يختلف عن شهيد الحزب الآخر، هي نموذج جيد للمؤمن المسلم؟
المقدرة والأهلية، أغلب العاملين في أعلى المناصب لا يمتلكون قدرة كافية في عملهم ويحاربون ويبعدون من هم أكفأ منهم في العمل ولهذا تفشل أغلب دوائر الدولة في تأدية مهامها المطلوبة. هل أن هذا الأمر من صفات المؤمن الجيد الذي يجدر به أن يكون مثلاً أعلى للآخرين؟

هل ثمة رغبة في تعداد وإحصاء نماذج إضافية أخرى تؤكد جميعها على أن هذه الأحزاب فشلت تمامًا في أن تكون معبّرًا حقيقيًا عن الحزب الممثل للطائفة دينيًا؟
أما في الجانب السياسي باعتبارها أحزابًا دينية سياسية فإليكم هذه النماذج:
التنظيم الحزبي
منذ تولي هذه الأحزاب لمقاليد السلطة في البلاد وهي تكشف أوراقها أكثر فأكثر كونها تنظيمات معبرة عن رؤية أفراد وعائلات وليست تنظيمات مترابطة تأخذ بنظر الاعتبار رؤية الجميع في التنظيم عند اتخاذ هذا القرار أو ذاك، بل تحولت الى أحزاب عائلية تذكرنا بالنظام المقبور وكيف حول صدام حزب البعث الى راعٍ لمصلحة وخدمة عائلته وعشيرته، ولهذا كان الخط الأول ممن يتحكمون بالسلطة هو صدام وعائلته، وانظروا الآن للمالكي وخطه الأول، أبنه، زوج ابنته ......الخ.
البرنامج السياسي
لا يمكن للمرء أن يفهم كيف تفكر هذه الأحزاب وما هي خططها في إدارة البلد، حين لا يجد سوى تصرفات عشوائية وتخبط وإرباك وأعمال لم تخضع لدراسة وتفكير معمق لكل خطوة ومرحلة منها. حيث يجري التعاون مع هذا الطرف وفي الغد يتم الانقلاب عليه. ويجري التقرب لهذا البلد وبعد يتم الابتعاد عنه ومحاربته دون أية رؤية سياسية واضحة لتأثير هذا التقرب أو الابتعاد على وضع بلدنا والتكلفة التي ستدفعها البلاد والعباد بسبب هذه التخبط وعدم الاستقرار.
البرنامج الاقتصادي
بربكم هل يستطيع أي أنسان عاقل أن يفهم أية خطة اقتصادية وضعتها هذه الأحزاب لتحسين اقتصاد البلد وتطوير هذا الاقتصاد رغم دخول ما يزيد عن 800 مليار دولار في خزينة الدولة منذ السقوط؟
هل ثمة ما يمكن الحديث عنه حول البرامج الأخرى وكيف فشلت هذه الأحزاب في كل مفاصل العمل السياسي، وخاصة الأمني منها، رغم صرف بل تبديد المليارات على هذا المفصل وتولي قيادات هذه الأحزاب المسؤولية الأولى في هذا الملف؟ وهو أمر واضح ومعروف بتفاصيله للقاصي والداني. لذلك سيكون ما تمت الإشارة له كافيًا، ويمن أن يوصلنا الى هذه النتيجة الجلية الناصعة:
إن هذه الاحزاب قد فشلت بامتياز في أختبارها الديني، كونها أحزابًا معبرة دينيا عن أفراد طائفتها، كما أنها فشلت أيضًا في أن تكون أحزابًا سياسية فقط، وتتخلى عن نزعتها الدينية وتنافس على برامج سياسية واضحة مع الأحزاب السياسية المتواجدة في الساحة العراقية. لن يأتي كل ما سلف من حديث من فراغ، بل هو من معايشة وتتبع للوضع في البلد ومشاهدة كيفية ابتعاد وعزوف أبناء الطائفة الشيعية عن هذه الأحزاب وحتى عن الحزب الاسلامي، وعدم قناعتها بشخوص هذه الأحزاب والقيام بالكثير من الفعاليات المناهضة لهذه الأحزاب، رغم أن هذه الفعاليات لم ترقَ إلى مستوى الثورات ولكنها تنذر بالابتعاد عن هذه الاحزاب بشكل واضح.
يبقى السؤال المهم، هل يترجم هذا الابتعاد بصورة عدم التصويت لهذه الأحزاب في الانتخابات القادمة أم ما زال للطائفة رأي أخر؟