المنبرالحر

رأس المال / عدنان منشد

اتاح لي مؤخرا كتاب "رأس المال" لكارل ماركس بأجزائه المتعددة، وبترجمة الزميل د. فالح عبدالجبار، فرصة التعرف على افكار كارل ماركس في الاقتصاد والسياسة والمعرفة، بعد سنين طويلة كانت قناعاتي الشخصية خلالها تناور، بل تبتعد عن هذا السفر الخالد لاسباب شتى، منها عدم حبي لقراءة علوم الفلسفة والاقتصاد والادارة والمحاسبة والتنظيم، بسبب رطانتها التجريدية الملموسة، ومنها عشقي المعلن لفنون الادب والمسرح والنقد وكافة الفنون البصرية والسمعية.
الامر الذي راعني حقا في قراءة هذا السفر المدهش لكارل ماركس قبل ايام معدودات، هو أنني كنت كمن يقرأ سفر التكوين او مزامير داود او الاناجيل الاربعة في العهدين القديم والجديد، نظرا الى بلاغة ماركس اولا، وامثلته وتورياته المتعددة، فضلا عن حصافة المترجم الصديق في ايصال هذا السفر بامانة شاعرية قد تصل الى حد المدهش العجيب!
لا اغالي ان قلت ان «رأس المال» لكارل ماركس تعرض لقراءات شتى. فقد قرئ في عصره، وهو يقرأ في عصرنا، وليس خطيئة اذا كانت قراءته في الماضي قراءة العقل الاستعماري، وانما الخطيئة ان نقرأه الان بذلك العقل، اي بمعطيات البنية الاستعمارية وعقلها وامتلاكها المعرفي.
اذا اجتزنا تلك الخطيئة العسيرة، فان «رأس مال» ماركس سيخضع لرهان القراءات المعاصرة، قراءات قد يكون ذنبها اكبر من ذنب الازمة المالية العالمية التي عصفت بامريكا وبلدان اوربا في السنوات الاخيرة. وهي قراءات تعترف بخطيئتها طويلة الامد في عدم قراءة»ماركس الشاب» ولا البيان الشيوعي العاصف، ولا رأس المال.. واعتقد ان كارل ماركس، هو الفارق النوعي لعصره، بعد ان كتب ودرس ونظر، وربما كان في تنظيره بين المنظرين اللاهوتيين في زمنه، مثل مبصر بين العميان..
وهي شيمة الملك لكارل ماركس وحده، فهو الباحث الزاهد عن الاشياء والتفاصيل دوما.. حتى وان امتلك سلطنة المعرفة والأثر الذي لا يتكرر..!