المنبرالحر

شعبنا لن ينسى من المسؤول !/ محمد عبد الرحمن

الا ن ونحن في حمى الحملة الانتخابية ، تتعالى التصريحات وتغدق الوعود بلا حساب . لعلها الحملة الاشد ضراوة في تاريخنا الانتخابي، والتي كثر فيها على نحو ملفت الضرب تحت الحزام . العديد ممن دخلوا حلبة السباق تجاوزوا الخطوط الحمر ، بل عبروا الى ابعد من ذلك بكثير .
التسقيط السياسي عنوان كبير في الحملة ، وهويجري باشكال وطرق قديمة ومبتكرة . وفي الحملة يتم التركيز من جديد على الاشخاص والافراد ، بغض النظر عن ادوارهم ، ودون إقران ذلك ببرامجهم، وبما سيقدمون للعراق بعد ان تهدأ فورة الدعاية الانتخابية وتنجلي الامور ، وتتضح صورة من سيمثل شعب العراق في برلمانه لاربع سنوات قادمة .
الحملة الانتخابية على اشدها ، والعديدون ممن تولوا المسؤولية في السلطات الثلاث ( لا اعتقد ان هناك حرجا في الحديث عن القضاء بعد الان ، بعد ان تمت جرجرته الى السياسة وزجه في اتونها ) خلال السنوات الاحدى عشرة الماضية ، لا يزالون يصرون على الحديث وكأن شيئا لم يكن ، ثم كأن الامور عال العال والعراق ينافس سويسرا.. من دون ان يرف لهم جفن ومن دون ينظروا الى المآسي والنكبات التي تسبب بها . لكنهم يتباهون باصرار غريب وهم يقارنون مثلا مستويات معيشة الناس اليوم مع ما كانت عليه في عهد الدكتاتور المقبور ، وعموم ما كان وما نحن فيه . فهل تصح المقارنة مع موبقات نظام ، لعناه ليل نهار وقاتلنا ونضالنا وجاهدنا للخلاص منه ؟ وهل اصبح المقبور هو معيار المقارنة ؟ يالبؤس هذا المنطق.
في اثناء ذلك يبقى البعض المتنفذ مصرا على تصوير ما حصل ويحصل بعد نيسان 2003 على انه هبة ومكرمة من القادة ، وانه لولاهم لما حصل ما حصل . والانكى ان يتنكر هذا البعض لتضحيات الملايين ، ويسعى لسرقتها وتوظيفها في خدمة مشروعه المتشبث بالسلطة ، حتى وان احترق العراق من شماله الى جنوبه .
هذا البعض يبدو غير مكترث بوحدة الوطن ، وبتلاحم نسيجه الاجتماعي ، فيطلق التصريحات على عواهنها ، مبالغة ، منفرة ، مستفزة ، ولا يفترض ان يظن احد انها ستحسب زلات لسان في وطيس الحملة الانتخابية ، بل انها - وهذا يقين رسخته تجارب سابقة - سوف تبقى في الذاكرة ، وستسبب المزيد من التنافر والتباعد .
ايها المتنفذون المتورطون ، تستطيعون استخدام ماكنة الدعاية على طريقة من سبقكم ، وقد تضيفون اليها اشياء جديدة ، فالعصر عصر التكنولوجيا والاستخدام الواسع للمال السياسي ، والمال العام ليس بعيد المنال وقد فاق 750 مليار دولار منذ 2003. كما ان هناك الاستيراد الواسع للبطانيات ، والصوبات ، وانواع المسدسات ، وهناك النفر المحدود الضال المستعد لبيع ضميره عند « التوريق « ( وهو موجود في كل الازمان، فلا غرابة ) ، فيما يشخص على نحو جلي في هذه الايام ، تماهي مهام الدولة ومهام الاحزاب الحاكمة. فكل شيء في خدمة معركة البقاء في المنصب واعادة الكرة ،حتى وان اعيدت مياه الفرات الى منابعها في تركيا !
يخطيء هذا البعض كثيرا ، وذلك ديدنه ، وقد يكون هذه المرة تجاوز الخطأ الى الخطيئة ، اذا ظن ان غالبية ابناء شعبنا ، المتضررة والممتحنة ، تنسى هوية المسؤول عما آلت اليه اوضاع البلد . فالشمس لا يحجبها غربال ، فكيف وكل شيء حوله قد نخرته الثقوب وبانت عوراته .
الناس المكتوية ، لا القطط السمان الملتحمة مع طاقم السلطة ، الناس التي تئن تحت وطأة المعاناة المتواصلة وثقل الازمات المتلاحقة ، اسر الشهداء والارامل واليتامى ، ضحايا العنف والعسف والتمييز ، هؤلاء جميعا ومعهم بقية الناس لن ينسوا هوية المسؤولين ، وهم يريدون تغييرهم ، افرادا ونهجا. مدركين ان البلد هذه المرة على مفترق طرق ، فلا خيار امامهم الا التغيير ، وعلى وفق ما يريدونه هم وليس ما يريده المتنفذ المتورط ، من ذر للرماد في العيون وهروب الى الامام من استحقاقات باتت جلية واضحة .