المنبرالحر

في المانيا.. إتساع الهوة بين الغنى والفقر / ديرك هيرشل * / ترجمة :حازم كويي

الجهد المبذول في العمل اصبح بلا قيمة، فمن يعمل عملا شاقا يبقى على الارجح فقيراً. فالعاملون في دور الرعاية الاجتماعية، رجالاً كانوا ام نساءاً، وكذا البائعون على الحاسبات او غيرهم، يشتغلون لأكثر من 50 ساعة في الاسبوع، ومع ذلك فإن الراتب الاسمي الشهري لا يتعدى 1500 يورو. في نفس الوقت يحصل رئيس أحد مصانع السيارات على 45 الف يورو في اليوم، ويعادل راتب رئيس البنك الالماني (انو شيان) السنوي عمل ممرضة المستشفى لمدة 170 عاماً.
في السابق كان يُنظر الى الغني باعتباره من يقدم مجهوداً كبيراً، لكن ذلك اصبح الآن في عداد قصص الخيال. فالهوة بين الذين يحصلون على رواتب ضخمة مقابل الرواتب الفقيرة اصبحت لا تقاس بمستوى الكفاءة والخبرة المختلفة، ومن منظور وقت العمل او المسؤولية، فالمقرر لهذا الشئ على الأكثر هو الملكية، والسلطة الاقتصادية، والأصل الاجتماعي والنسب.
فالغنى يستند على العمل الاجتماعي، اما الآن فأرباح صاحب معمل او مؤسسة تعادل كافة رواتب مستخدميه وعماله مجتمعة. هذه الثروة التي اساسها الاستغلال والتي لا يمكن تبريرها بأي شكل من الاشكال. في حين ان الحلاق او صاحب المتجر الصغير يعيش على كسب ضئيل.
فعائلة كواندت او بورشه المالكة تستطيع في ليلة وضحاها جني ارباحها من الأسهم وارتفاع اسعارها دون ان تحرك اصبعاً واحداً. وينطبق نفس الأمر على مالكي العقارات الذين يجنون ارباحاً طائلة من الايجارات وارتفاع الاسعار، شاكرين في الوقت نفسه سياسة الحكومة المنحازة لهم في مشاريع تطوير المدن او السياسة السكنية.
والشكل الاكثر تطرفاً من الدخل غير المكتسب هو الميراث. ففي كل سنة وفي جميع انحاء المانيا يتم توريث 260 مليار يورو، حيث تنتقل الثروة الى الشباب وحتى الشيخوخة وبالاستناد على مبدأ ماثيوس، فمن لديه ثروة يتم اعطاؤه اكثر. انها ثروة تهبط لهم من السماء. ومن أبرزهم: دين كواندتس، فون فنك، ألبرشت يونيون.
فالهوة تتسع بين النجاح الاقتصادي والجهد الفردي. الغني يجعل الاخرين يعملون له، وهو بكل بساطة صاحب الحظوظ. فعدم المساواة الاجتماعية تجعل القليل يصلون القمة، لكن من يعمل بلا كلل لا يستطيع الوصول اليها. وفي السنوات الاخيرة تراجع حظ الطامح الى الغنى، حيث زادت مخاطر الانزلاق الى الاسفل. وقليلون هم اولئك الذين ينجحون في الحصول على وظيفة وراتب يتيح القول انهم اغنياء وينعمون بحياة مرفهة.
فالنجاح في الدراسة والتأهيل يعتمد على الحالة المعيشية للوالدين. فاذا كان الطفل ينتمي لعائلة من الطبقة العليا، يكون اكثر حظاً في المعرفة والذكاء أربع مرات بالمقارنة مع الطفل الذي يتحدر من والدين من مستوى اجتماعي فقير والذي لا يريد سوى اكمال مرحلة الاعدادية.
لقد اصبحت الوعود الكبيرة المنطلقة من "اقتصاد السوق الاجتماعي" لا قيمة لها، فالكثيرون من المؤهلين وفي اختصاصات متعددة لا يستطيعون الحصول على رواتب تناسب عملهم، اضافة الى قلة الحظوظ في تبوء منصب حسب الكفاءة. فنحن نعيش الآن في مجتمع تقدم الغالبية فيه انجازاً عالياً في الخدمة، مقابل القلة التي تتمتع بالامتيازات المالية.
ان الرأسمالية عمياء اجتماعياً، وهذا ليس بالشئ الجديد، لأن المعطيات أثبتت انها دخلت في طي النسيان.
ويتعين على السياسة ذات الطابع الديمقراطي ان تنظم العمل والرأسمال والارض بشكل عقلاني، حيث يكون الانجازا مقيماً ومكافئاً بالأجور، وحيث يقترن النجاح الاقتصادي بتحقيق الرفاهية العامة.
*********
* ديرك هيرشل : عضو في نقابة "فيردي"، كبرى النقابات الالمانية، مسؤول عن السياسة الاقتصادية.