المنبرالحر

«زمن حاتم زهران» و «فضة المعداوي» / مازن العاني

ينتابك الذهول ممزوجا بالحزن و الاسى وانت تسير في شوارع و أحياء بغداد أو اي من المدن العراقية الكبرى الاخرى، و تتطلع الى تلك الشوارع و معالمها المهملة ،
والاحياء الشائخة المشوهة، و تراقب الزحف غير المقدس للمحال التجارية و المخازن و الورش بين بيوتها و شققها السكنية. و تشعر بغصة عميقة و انت تجهد نفسك لاستعادة وجه المدينة و ناسها ايام زهوها و عنفوانها، تلك الايام التي باتت ذكرى مهشمة من بقايا ماضىٍ ولى و انقضى.
العشوائية و الرثاثة و التشويه سمات تواصل الزحف على مساحات جديدة في مدننا و حياتنا، سلوك الناس و تعاملاتهم وعلاقاتهم، الاحياء و البيوت والحدائق و الشوارع. ازياء الناس و لهجاتهم و لكناتهم و طرق التخاطب فيما بينهم. كل شيء تغير و تراجع.
و يقترن هذا كله بتواصل نمو فئات و شرائح اجتماعية طفيلية و بيروقراطية مقطوعة الجذور، وحديثة العهد بالتملُّك والاستثمار و الاستحواذ. فئات نشأت في بيئة داخلية متعفنة، و كونت ثرواتها بطرق مشبوهة من خلال النهب والصفقات والعمولات و»الحوسمة» ،داخل اجواء الفساد السياسي والإداري والمالي، مستفيدة من تداعيات الحروب السابقة، و غياب الدولة و سلطة القانون و مؤسّسات الرقابة النيابية والإعلامية والشعبية في الوقت الحاضر.
كل ما تصادفه و تسمعه و تشاهده في مدننا اليوم يشكل امامك رموزا و اسقاطاتٍ من «زمن حاتم زهران» و «الراية البيضاء»؛ الفلم والمسلسل المصريان اللذان تناولا مظاهر اقتصادية و اجتماعية و ثقافية من زمن «الانفتاح» الذي اقترن بالسياسات التي دشنها الرئيس المصري الاسبق انور السادات.
حاتم زهران المهندس القادم تواً من امريكا إنفتاحي واع تماماً لاصول اللعبة والكسب المادي السريع، و مستعد لمواجهة كل ما يعترض طريقه باعصاب باردة و لا ابالية غريبة. استهلاكي يضع في اعتباره الربح والمكسب المادي السريع فوق اي اعتبار، حتى ولو أدى ذلك الى نهب خيرات الوطن والمساهمة في تخريب القيم .
أما «مسز دولار» «فضة المعداوي» بطلة « الراية البيضا» لكاتبها المبدع اسامة انور عكاشة، فهي سيدة جاهلة، تشكل نموذجا لسلوك و ثقافة محدثي النعمة، الذين يسكنهم طموح ان يُحسبوا على طبقة لا ينتمون إليها، سيدة يستطيع المرء بسهولة اكتشاف سوقيتها وهوسها بالسيطرة على كل شيء. تهمها اسعار الاشياء و ليس قيمتها. سيدة مستعدة لتهديم اهرام الجيزة و آثار أسوان، أو اي كنز تاريخي نفيس من اجل تشييد مول تجاري او عمارة مزججة على أنقاضه.
هكذا يتم اختطاف مدننا من قبل فئات و شرائح شرهة نهمة في وضح النهار وأمام مرآى و مسمع الجميع.
و ما احوجنا للصراخ بوجه الجراد الاصفر الزاحف على مدننا و قيمنا و ثرواتنا من البقع المعتمة الرثة في حاضرنا.ما احوجنا ان نذكي على الدوام جذوة الصراع الازلي بين الجهالة والضحالة المقتدرة بالشراسة والمال، في مواجهة الأصالة والحضارة التي لا تقدر بمال قارون.