المنبرالحر

الأهم هو تغيير نمط التفكير / مرتضى عبد الحميد

بصرف النظر عن نتائج الانتخابات البرلمانية، ومن سيكون صاحب الحظوة في الجلوس على كرسي رئيس الوزراء، هناك حاجة ملحة، بل استثنائية للتعامل مع الواقع العراقي والعملية السياسية بطريقة جديدة، تختلف عما جرى في السنوات الماضيات. أي توجد ضرورة لإزالة الصدأ الذي بنى أعشاشه في العقول، والغل الذي تمكن من بعض القلوب، واستبدالهما بشيء مغاير تماماً، نبتعد فيه عن النرجسية واحتكار الحقيقة، ورؤية الآخرين مجرد أعداء أو خصوم سياسيين في أحسن الأحوال.
أن هذه الرؤية القاصرة تجعل المرأ أسيراً لمخاوف وشكوك، قد لايكون لها أي صدى ملموس على ارض الواقع. فمن غير المعقول أن يرى المسؤول نفسه الوحيد القادر على تسيير دفة الحكم، أو هو الوطني الأخير في هذا البلد، والباقون مجرد خونة أو متأمرين ! كما ليس من الحكمة في شيء أن نستعيد تجربة النظام الديكتاتوري ورأسه المهووس بجنون العظمة، عندما كان يتعامل مع العراقيين على أساس مدى حبهم أو عدم حبهم له.
أن العراق مليء، بل متخم بالكفاءات السياسية والاقتصادية والعلمية، وبالشخصيات الوطنية والديمقراطية الحريصة على مصالح الشعب والوطن، ومن الظلم، بل من الجريمة عدم الاستفادة منهم، وتوظيف طاقاتهم الإبداعية وكفاءاتهم في إعادة أعمار العراق، وإنقاذه قبل الوصول إلى الهاوية.
إذن المطلوب هو نمط تفكير جديد يرتقي بالعملية السياسية، وبوعي وضمير القائمين عليها إلى المستوى القادر على إنقاذ العراق من التفتت والحرب الطائفية، والقضاء على جذور الكراهية والبغضاء التي زرعت خلال السنوات الفائتة بين أبناء الشعب الواحد، وهم الذين عاشوا مئات السنين بحب ومودة وانسجام وتكافل اجتماعي يدعو إلى الإعجاب، قبل أن ترتفع رايات الطائفيين السوداء، التي أساءت إلى أصحابها قبل غيرهم، وأكملت ما بدأه «صدام حسين» من تمزيق للنسيج الوطني والاجتماعي لشعبنا العراقي.
قد لا يختلف اثنان بأن أول شيء يجب الالتفات إليه من قبل الفائزين، هو ترويض أنفسهم على الاعتراف بالأخر، واحترام التعددية الفكرية والسياسية والاجتماعية حقاً، والتخلي عن الاستهانة والاستخفاف بعقل المواطن العراقي، والشروع بالأتفاق على إستراتيجية وطنية واضحة وتكتيكات صائبة لفترة السنوات الأربع القادمة، فلم يعد مقبولاً أن دولة بحجم ومكانة العراق لا وجود لرؤية إستراتيجية فيها لا في السياسية، ولا في الاقتصاد أو الثقافة، ولا في كل المجالات والقطاعات الأخرى، إما التكتيك فيبدو انه رفع من القاموس السياسي وألقى به في جب التفرد والاستئثار والسعي لتقزيم الآخرين.
صحيح أن نظامنا السياسي الفريد من نوعه هو نظام إدارة للازمات وليس لحلها، وان المحاصصات المقيتة على اختلاف تلاوينها، تولد الأزمات تباعاً، فلا نكاد ننتهي من واحدة، إلا وأطلت الثانية برأسها،