المنبرالحر

هل يتبادل الإنسان الأدوار مع الحيوان/ د. ناهدة محمد علي

حينما نتصفح تأريخ الجنس البشري والحيواني نجد تشابهاً وتنافراً أحياناً بين الطباع والغرائز وفي بعض الإحتياجات أيضاً ، ويحتاج الحيوان الى التواصل الإجتماعي لكنه يتعامل مع كل هذه الإحتياجات بطريقة مختلفة فهو يأخذ ما يحتاجه فقط ، لا يحب التخمة ولا الشراهة ، ولا يؤمن بتخزين الغذاء إلا بعض الحشرات وبعض الطيور ، لا يعترف بالملكية الخاصة أو ملكيات المواقع ، فله كل شيء ولا شيء له لا في الأرض ولا في السماء . حينما قرأت عن طِباع الوحوش وجدت أنها لا تقتل إلا إذا جاعت ، وإذا ما جاعت لا تأكل أطفال جنسها، ولم تتسبب يوماً في حريق الغابات الرائعة في العالم بل جعلتها محمياتها الطبيعية وجعلها الإنسان مصدراً لوقوده و آثاثه ، يحرق هيكتارات منها بعود ثقاب واحد. لا يمتلك الحيوان ما يقاتل به سوى جسده ، إلا أن الإنسان بتفوقه العقلي إستطاع أن يحول الموارد الطبيعية الى أسلحة فتاكة حتى إستعمل الغذاء والماء والهواء كأسلحة دمار شامل . يصنع هذا الإنسان قنابل الفناء من بضعة كيلوغرامات من ( البلوتينيوم ) . شاهدت قديماً مشاهد للفيديو عن قنبلة ( هيروشيما ) وأعدت مشاهدته مرات ومرات ورسخ في ذاكرتي مشهد الأجساد المحترقة والرذاذ الذري المتناثر في الجو والذي قد خُطط له من قِبل علماء الجيش الأمريكي ، وكلما كانت نسبة الخراب أشد كلما كان الهدف أكثر إصابة ونجاحاً. كان هناك طفلاً بين الركام الذري وربما كان في الثانية من عمره تلون وجهه بلون الرذاذ الدخاني وكان جسده الصغير مرتجفاً كل جزء منه يرتجف بإتجاه مختلف ، كانت عيناه مفتوحتين بفزع ولم يكن يفهم شيأ مما يدور من حوله وأجزم أن في رأسه الصغير كانت تدور أسئلة كثيرة تبدأ كلها بكلمة ( لماذا ) ، كانت الأشلاء منتشرة من حوله وهو حتماً ينتظر دوره في الموت. وضعت هذه الصورة الى جانب صور كثيرة جمعتها عن بعض الحيوانات المفترسة وهي ترعى صغار الحيوانات الأخرى أو تراقبهم ولا تؤذيهم الى جانب صور الحيوانات العملاقة كالفيل والغوريلا والحصان والجمل والتي تكتفي بالعشب الأخضر واليابس أحياناً ، ومن الغريب في الأمر إن الأرض تمتلئ بالطيور لكنها لا تزاحم البشر لا في أرضهم ولا في سمائهم حتى يخطر بالبال بأن المنطقة خالية من الطيور لكنها وببساطة أكثر أدباً منا .
إن الفطرة التي فُطر عليها الحيوان هي فطرة سليمة لو إتبعها الإنسان لعاش سليماً معافى. ومن خلال إطلاعي على إحصاءات ثروات الشعوب وجدت أنه لا توجد دولة فقيرة في العالم ، والخلل الوحيد الموجود هو في توزيع الثروات وفي الإحتكارات المحلية والعالمية، ولو طبق الإنسان مبدأ الإكتفاء الذاتي أي أن يزرع ليأكل ويُنتج ليوفر ما يحتاج لا ليحتكر أو يرفع أسعار الغذاء حتى لو إضطر الى أن يرميه في البحر أو يخزنه ليملأه بالمواد الحافظة لكي يرفع سعره، ولو لم يفعل هذا الإنسان لوصل الطعام الى كل فم ، ولما تواجد الملايين من الجائعين في الدول المنتجة للذهب الخام ، يجمعه المنتجون من أرضها وجبالها وأنهارها ولا يسد المنقبون بالدولارات القليلة رمقهم كذلك يجوع جامعو الملح ، وجامعو الكلس من الجبال الكلسية ومعظمهم من صغار السن والذين يصابون بأمراض تنفسية كثيرة قد تقضي عليهم .
أنا لا أدعو هنا الى أن يترك الإنسان حضارته ويعود الى مرحلة جمع القوت ، لكني أتمنى لو يعود الإنسان الى فطرته وكلما إبتعدنا عنها إقتربنا من نموذج ( الإنسان الوحش ) . إن الإرث الثقافي الذي يتعلمه الأطفال منا هو أن من يجمع النقاط لأكثر الضربات إصابة هو الفائز ، ومن يملك إحتياطي الذهب في العالم هو من يُسيِّر سياسات العالم وهو من يُسخر علماء الطبيعة لتخريبها ونعلمهم أيضاً كيف نتبادل الأدوار مع الحيوان لنهبط نحن وليرتفع هو ولا ينقصنا في هذا سوى أن تنبت لنا ذيولاً وأنياب .