المنبرالحر

عند اﻹنتخابات تكلم المال وصمت الفقر/ د. علي الخالدي

تعلقت آمال الجماهير، وأحلام الفقراء بما ستأتي به انتخابات الشهر الفارط، بصعود من عانى وقاسى وإياهم سنوات الحصار وشاطرهم شظف العيش، وهم يناضلون ضد الدكتاتورية، في كهوف ووديان كوردستان وأهوار الجنوب، الى قبة البرلمان، لتتحقق أمنيتهم بتغيير حقيقي، ينقذهم من متبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية، الذي أبعد المال عن مستحقيه وأهدر ثروات الشعب فأفقره، و واصل تنفيذ أجندات ومصالح الطامعين بثروات البلد. لكن اﻹنتخابات جاءت بما لا يشتهيه مستحقو مردودات اسقاط الدكتاتورية من الوطنيين والجماهير الفقيرة
فكما كان متوقعا عادت لقبة البرلمان أغلب الوجوه القديمة، التي تبرجزت في الزمن الضائع من عمر العراقيين، ومن جيء بهم بعد السقوط من ذوي الجنسيات المزدوجة، ومن أمتلك مفاتيح خزنة المال والنفط، ليتشبثوا بموقع القرار، المشترى بالسحت الحرام. حيث نجحوا في تهميش كل وطني قاسم شعبه المعاناة، وفي وضع من لا يملك الكفاءة والدراية في مواقع القرار، كي تقع بين أيديهم حرية تمرير قوانين تخدم مصالحهم، كقانون التقاعد للرئاسات الثلاث، ويعرقلوا تنفيذ قوانين تعالج مصالح الناس وتطور البلد. فخلال ما يقرب من عقدين من الزمن، إنهمكوا بالتخطيط المبرمج، لتكوين أصطفاف إقتصادي طبقي قوامه عائلي وعشائري، وعلى أسس طائفية، قابلته الجماهير بإعتراضات إستندت على استحقاقها الدستوري، بما فيه التظاهر الذي أرعب القائمين على الحكم، وعم مدن العراق. ومع ان سقف مطاليب المتظاهرين لم يتعد المطاليب العادلة، إلا ان السلطات الحاكمة قمعتها بإستعمال القوة المفرطة، سقط فيها العديد من القتلى والجرحى، وشنوا حملات بوليسية لملاحقة المثقفين ومخططي التظاهر من حاملي اﻷفكار الوطنية (كامل شياع، هادي المهدي )، ولم يُتخذ ما يفيد تحقيق أي مطلب من مطاليب الشعب ، بل سعوا ﻹيجاد ضمانات للإفلات من المسائلة والملاحقة على ما فعلوه من سيئات بحق الشعب، وقاموا بتمرير قانون سانت ليغو المعدل لسرقة اﻷصوات بشكل أخف عن اﻹنتخابات السابقة، لذر الرماد في العيون من جهة، وخداع الرأي العام الداخلي والخارجي من جهة أخرى، ممهدين بذلك الطريق أمام تدافع حاذقي أكل الكتوف والتزوير، لدعم حملاتهم اﻷنتخابية ماليا ولوجستيا، ليتواصل تحكمهم بمسار اﻷقتصاد العراقي، فبطرق غير تقليدية، تواصل تنسيق الجهود فبما بينهم ، في سرقة المال العام، عبر عقود مع شركات وهمية شملت كافة قطاعات البنية التحتية ﻷقتصادية واﻷمنية، مكنهم من القفز الى صفوف الرأسماليين، تحت يافطة نصرة مظلومية الطائفة والمذهب، دون مساءلة من أين جاءت هذه اﻷموال المنقولة وغير المنقولة في الداخل والمهربة للخارج ، ومما زاد الطين بلة هو التعمد من كل اﻷطراف التي جيرت مردودات أسقاط النظام لصالحها ( بعيدا عن الشعب ) ، بإعاقة إنعاش الصناعة والزراعة، فتوقف اﻹنتاج فيهما ليُفسح المجال أمام البضائع البايرة لدول الجوار القريبة والبعيدة، مما أدى الى هجرة سكان الريف الى أطراف المدن لينافسوا سكنتها في رخص اﻷيدي العاملة، فتضاعف اعداد من يعيش تحت خط الفقر، وكنتيجة موضوعية، لتدنى المستوى المعاشي والثقافي، إنتشرت في أوساطهم الخرافات والشعوذة، التي شجع على إنتشارها، من أصطف في اﻷصطفاف الطبقي الجديد، فهيمنوا على مراكز الثقافة والتعليم، مستغلين صمت من إدعى نشر الديمقراطية وصيانة حقوق اﻷنسان، فقامت بحذف الموسيقى والمسرح من الحياة اليومية للشعب، ويتواصل حاليا بذل كل ما من شأنه شرعنة قانون الجعفري، ومما ساعد على تعضيد هذا النهج إنتشار اﻷمية ومحاربة الشخصيات الثقافية واﻷعلامية، والمطالبين بإعتماد الكفاءات والدراية في اﻹدارة، وعند تشكيل القوات اﻷمنية والجيش، مما أدى الى إنحراف هذه المؤسسات عن الثقافة الوطنية التي تخاطب العقل وتغرس الروح الوطنية في إنجاز المهام.
كل ما فات قد شخص للناخب، من يتبنى نصرة مظلومية الطوائف، ويتناسى مظلومية الشعب، حتى لو أدى ذلك الى تفتيت المجتمع العراقي طائفيا وإثنيا وجغرافيا، وتوضح أمامه الصالح من الطالح، لكن ذاكرة الناخب توقفت أمام إستحقاقاته الوطنية، ونشطت أمام نصرة الطائفة والمذهب، وتحت ضغط الحاجة أنحازت اﻷغلبية من الناخبين لبريق المال ( عند البطون تعمى العيون ) و
لقد إستغل المستولون على المال العام، الحالة اﻷقتصادية المزرية للجماهير الفقيرة، و أظهروا حاتميتهم في حملاتهم اﻷنتخابية ، فأوقعوا أعداد غفيرة من عاشقي المال في دهاليز اﻷغراءات المالية ، فمدوا ايديهم لما قدم لهم، من دسم على صحون البرجوازية البراقة، بائعين أصواتهم. لمالكي المال والسلاح والسلطة، ، الذين نجحوا، بشراء الذمم، وبالضغط على الناخبين إقتصاديا ونفسيا، عبر توزيع المغانم والتعينات الموعودة ، وإستمارات تمليك اﻷراضي، محدثين تداخلا بين مساعدة الفقراء ووعودهم اللفظية بالتغيير، فتولدت حيرة و تشظي في موقف الناخب، سيما وإن الصالح لم يملك ما يقدمه للناخب في حملته اﻹنتخابية الفقيرة، غير برنامجه المؤدي الى تحقيق العدالة اﻹجتماعية.
وهكذا بقي مفهومهم التغيير مرتبطا بتغيير بعض الوجوه، وبغياب البرنامج الذي يؤدي الى تحقيقه. وما دامت مصالح الفقراء ضائعة، وما دام المال والرشا يلعب دوره وبشكل علني، حتى بعد نتائج اﻹنتخابات لتشكيل الوزارة، ولا يثير حفيظة الشرفاء، ولطالما أستمر إعتماد سانت ليغو في حساب اﻷصوات ليسهل سرقتها، فسيستمر الكذب المنمق، وسيستمر صوت المال صاخبا ليسكت صوت الفقراء عن الكلام المباح مستقبلا أيضا.