المنبرالحر

ازمات اقتصادية / محمد شريف ابو ميسم

تتوالد الأزمات في بلدنا بأكثر طرق التكاثر غرابة.. فقد تولد أزمة من رحم ازمة حتى لكأن القائمين على صناعة هذه الازمات متخصصين في توليدها ورعايتها وفي انسحاب تأثيرات ولادتها على الناس والاقتصاد وعلى السلم الاجتماعي ..وان شرعنا في عرض سلسلة هذه الازمات منذ أن تبلورت التشكيلة السياسية التي كرست ملامح الانقسام الطائفي والاثني والقومي فاننا لن ننتهي بمقال او اثنين ..ولكن خلاصة هذه الازمات تمثلت أخيرا باضرار اقتصادية كبيرة على البلاد والعباد بعد أن تبلورت مخرجاتها في توقيت واحد .
فحركة التجارة من والى الاردن ومنها الى ميناء العقبة تأثرت بفعل تداعيات ازمة الانبار ، وانسحبت تاثيراتها على حركة السوق ناهيك عن الاضرار المادية والبشرية الناجمة عن الصراع المسلح الذي اجتهد صنّاع الازمات في اشعاله .. وكان لازمة تعطيل قانون الموازنة انعكاسات كبيرة تجاوزت حدود ( أضرار الشح في السيولة النقدية والغرامات المالية بالنسبة للمشاريع القائمة والمشاريع الجديدة) لتمتد الى قوى العمل ( حيث استوعبت المشاريع المقامة وتلك المعدّة للشروع اعداداً كبيرة من العاملين في المهن والحرف اليدوية بجانب 60 ألف درجة وظيفية تم تعطيلها) ما يؤشر لولادات جديدة في ردهة أزمات البطالة والسكن وقطاعات الخدمات والقطاعات الحقيقية، وتفاقم آلامها.. ثم جاءت ازمة تصدير النفط من اقليم كردستان دون موافقة حكومة المركز لتفك اللجام عن فم الفرس منذرة بانطلاقة عشوائية لولادة أزمات جديدة سيترتب عليها أزمة حقيقية بشان تشكيل الحكومة الجديدة أولا، ما يعني تكريس أزمة اقرار الموازنة ، لان عدم الاتفاق على حكومة اغلبية يكون الكرد فيها رقما مهما ،او عدم التوافق على حكومة الشراكة بوجود الكرد ايضا سيعني تاخير عقد الجلسة الاولى في وقتها القانوني والبالغ خمسة عشر يوما بعد المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية ، ما يعني احتمال اعادة حدوتة الجلسة المفتوحة (وان فتحت هذه الجلسة فالله أعلم بموعد غلقها) وستظهر على السطح تداعيات الازمات التي أشرنا اليها لان نتائجها ومخلفاتها ستتراكم مع الوقت منذرة بولادات جديدة لازمات اقتصادية أخرى .
ان ما تتعرض له بلادنا من ازمات اقتصادية لايشبه بأي شكل من الاشكال الأزمات الاقتصادية التي تشهدها البلاد الاخرى ..لان الازمات الاقتصادية في تلك البلدان التي تشهد استقرارا سياسيا مردها اقتصادي صرف ، فهي وان اختلفت في اسبابها الا انها لا تخرج عن الشأن الاقتصادي القطاعي أو انها جزء من دورة الاقتصاد الكلي(فالازمة المالية الامريكية عام 2007 كانت بسبب انهيار قطاع العقارات) (والازمة الاقتصادية في اليونان كان مردها الفساد وتخلف الادارة المالية والمضاربات) وحتى ازمة النمور السبعة (آسيان) في منتصف التسعينيات من القرن الماضي كان مردها اقتصادي صرف بعد سحب الاستثمارات الاجنبية بشكل مفاجىء.. الا اننا في العراق ونحن نعيش أطول مرحلة انتقالية شهدها التاريخ الحديث للانتقال من شكل نظام شمولي الى نظام تعددي ، فان اقتصادنا الذي يحاول النهوض من كبوته عرضة لامزجة هذا وذاك من الساسة، وهو رهينة لقرارات هذه الفئة أو تلك التي تصنع الازمات، وظل اقتصاده عرضة لكل من هب ودب من الساسة الذين لا يكترثون بمقدراته، وباتت الازمات الاقتصادية بمثابة ردات فعل لامزجة الساسة وبات مستقبل هذا الوطن وشعبه رهينة التجاذبات والمجاملات السياسية.