المنبرالحر

فهم ثورات 2011 : ضعف الأنظمة المستبدة في الشرق لأوسط * / ترجمة د. هاشم نعمة

تحمل موجة الثورات( ) التي تجتاح الشرق الأوسط تشابها ملحوظا مع الزلازل السياسية التي حدثت في الماضي، مثل ما حدث في أوروبا عام 1848. إن ارتفاع اسعار المواد الغذائية وارتفاع معدلات البطالة اشعلا احتجاجات شعبية امتدت من المغرب إلى عُمان. وكما حدث في أوروبا الشرقية والإتحاد السوفيتي عام 1989! فإنه نتيجة خيبة الأمل، وانتشار الفساد في ظل أنظمة سياسية لا تستجيب لمطالب الجماهير قادت هذه الأوضاع إلى حدوث انشقاق وسط النخب وسقوط أنظمة قوية في تونس ومصر وربما في ليبيا. لم يكن عاما 1848 و1989 هما المقياس الدقيق لأحداث الشتاء الماضي. حيث أن ثورات عام 1848 سعت لإسقاط الأنظمة الملكية التقليدية، وتلك التي حدثت عام 1989 كان هدفها الاطاحة بالحكومات الأشتراكية. في حين تقاتل ثورات عام 2011 شيئا مختلفا تماما يتمثل بدكتاتوريات "سلطانية". رغم أن هذه الأنظمة تبدو وطيدة، في الغالب، لكنها في الحقيقة تكون شديدة التأثر، بسبب من أن الاستراتيجيات التي تستخدما للبقاء في السلطة جعلتها هشة، وغير مرنة. وليس من قبيل الصدفة أنه رغم الاحتجاجات الشعبية التي هزت الكثير من بلدان الشرق الأوسط، إلا أن الثورتين اللتين نجحتا حتى الآن – تلك التي اندلعت في تونس ومصر- كانتا ضد أنظمة سلطانية حديثة.

من أجل أن تنجح الثورة يجب أن تجتمع مجموعة من العوامل تمهد لذلك النجاح: توفر قناعة بأن الحكومة ظالمة وأن لا سبيل لمعالجة ذلك الوضع إلى حد بعيد، وأن استمرار وجودها بات ينظر له على نطاق واسع بأنه يهدد مستقبل البلاد؛ ابتعاد النخب (خصوصا من العسكر) عن الدولة وأن تكون غير مستعدة للدفاع عنها؛ استياء القاعدة العريضة من السكان، وجود توتر اثني وديني بين المجموعات السكانية ( )! ضرورة أن تعبأ الطبقات الاجتماعية-الاقتصادية طاقاتها؛ وعلى القوى الدولية إما أن ترفض التدخل للدفاع عن الحكومة أو تقيدها عن استخدام اقصى قوتها للدفاع عن نفسها.

من النادر أن تنتصر الثورات لأنه نادرا ما تتزامن مثل هذه الشروط. تنطبق هذه الحالة خصوصا على النظام الملكي التقليدي والدول ذات نظام الحزب الواحد، والتي يسعى قادتها في الغالب للحفاظ على الدعم الشعبي من خلال المناشدة لاحترام التقاليد الملكية أو القومية. إن النخب التي كثيرا ما اثرت من هذه الحكومات، سوف تتخلى عنها فقط إذا تغيرت ظروفها أو تغيرت أيديولوجية الحكام بدرجة كبيرة. و في جميع الحالات، تقريبا، من الصعب تحقيق تعبئة شعبية ذات قاعدة عريضة لأن ذلك يتطلب ردم الهوة التي تتمثل في تباين المصالح بين فقراء المدن والريف، والطبقة الوسطى، والطلاب، والمهنيين، والمجموعات الإثنية والدينية المختلفة. التاريخ حافل بالحركات الطلابية، والاضرابات العمالية والانتفاضات الفلاحية التي قمعت بسهولة وذلك لأنها ظلت تمثل ثورة لمجموعة واحدة، بدلا من تمثيلها لتحالف واسع. أخيرا، هناك دول أخرى غالبا ما تدخلت لدعم الحكام المحاصرين من أجل استقرار النظام الدولي.( )

إضافة إلى ذلك هناك نوع آخر من الدكتاتورية التي غالبا ما تثبت بأنها أكثر عرضة للسقوط وتتمثل بالنظام السلطاني. مثل هذه الحكومات تنشأ عندما يوسع القائد القومي من سلطاته الشخصية على حساب المؤسسات الرسمية. ولا تتبنى الدكتاتوريات السلطانية ايديولوجية معينة وليس لها هدف أخر سوى الاحتفاظ بسلطاتها الشخصية. ويمكنها أن تبقي على بعض النواحي الرسمية للديمقراطية – مثل الانتخابات، الأحزاب السياسية، الجمعية الوطنية، أو الدستور- لكنها تحكم فوق كل هذه المؤسسات بواسطة تنصيب أشخاص داعمين مذعنين لها في المواقع الرئيسية، وفي بعض الأوقات بواسطة اعلان حالة الطوارئ، حيث تبرر ذلك بالخوف من الأعداء في داخل البلاد أو خارجها.

من وراء الكواليس، يمتلك مثل هؤلاء الدكتاتوريين بشكل عام ثروات ضخمة، والتي يستخدمونها لشراء ولاء المؤيدين ومعاقبة المعارضين. ولأنهم بحاجة للموارد لتغذية ماكنة المحسوبية العائدة لهم، فإنهم يعززون عادة التنمية الاقتصادية، من خلال التوسع في التصنيع، السلع، الصادرات، والتعليم. وهم يسعون أيضا لإقامة العلاقات مع الدول الأجنبية، بحثا عن الاستقرار الموعود في التبادل الخارجي وما يجلبه من المساعدات والاستثمار. على أية حال معظم الثروة التي تأتي إلى البلاد، تتسرب إلى السلطان والمقربين منه.

يسيطر السلاطين الجدد على النخب العسكرية في بلدانهم من خلال إبقائها مقسمة. عادة، تنقسم قوات الأمن إلى العديد من القيادات (الجيش، القوة الجوية، الشرطة، المخابرات) وتقوم قيادات كل هذه الأقسام بتقديم تقاريرها مباشرة إلى الرئيس. ويتحكم الرئيس بالاتصالات التي تجري بين هذه القيادات، وبين الجيش والمدنيين، ويتحكم بالعلاقات مع الحكومات الأجنبية، عمليا هذه الإجراءات تجعل السلاطين هم الأساس في التنسيق بين القوات الأمنية وتوجيه المساعدات الأجنبية والاستثمارات. ولتعزيز المخاوف من أن المساعدات الخارجية والتنسيق السياسي سيتوقفان في حالة غيابهم، فإن السلاطين عادة ما يتحاشون تحديد الخلفاء الذي من الممكن أن يخلفوهم.

ومن أجل إبقاء الجماهير غير مسيسة وغير منظمة، يتحكم السلاطين بالانتخابات والأحزاب السياسية ويقدمون المساعدات للسكان في ما يخص السلع الأساسية مثل الكهرباء، الغازولين، والمواد الغذائية. وعندما يترافق هذا الأسلوب مع الإشراف على الإعلام واستخدام الإرهاب، تضمن هذه الممارسات بشكل عام بقاء المواطنين معزولين وفي موقف سلبي.

ومن خلال اتباع هذا الأسلوب، تمكن السلاطين سياسيا وببراعة من مراكمة ثروات هائلة في جميع انحاء العالم وتركيز السلطة بأيديهم بدرجة كبيرة. وكان من بين الحالات الأكثر شهرة في التاريخ الحديث حالة بورفيريو دياز في المكسيك، ومحمد رضا شاه بهلوي في إيران، وأسرة سوموزا الحاكمة في نيكاراكوا، وأسرة دوفالييه الحاكمة في هاييتي، وفرديناند ماركوس في الفلبين، وسوهارتو في اندونيسيا.

ولكن مثل ما تعلم جميع هؤلاء السلاطين، كذلك وجد الجيل الجديد من السلاطين في الشرق الأوسط – بضمنهم بشار الأسد في سوريا، وعمر البشير في السودان، وزين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وعلي عبد الله صالح في اليمن- بأن السلطة عندما تكون متمركزة جدا يمكن أن يكون من الصعب المحافظة عليها.

نمور من ورق

ورغم كل محاولات الدكتاتوريات السلطانية لدعم وضعها، إلا أن لديها نقاط ضعف كامنة تزيد فقط مع مرور الوقت. ويجب أن يقيم السلاطين توازنا دقيقا بين إثراء أنفسهم ومكافأة النخبة: فإذا كافأ الحاكم نفسه وأهمل النخبة، فإن حافزها الرئيسي لدعم النظام سيزول. ولكن عندما يشعر السلاطين بأن وضعهم أصبح أكثر رسوخا ولا يمكن الاستغناء عنهم، يصبح فسادهم في كثير من الأحيان وقحا ويتركز وسط دائرة داخلية صغيرة. وعندما يحتكر السلطان المساعدات الخارجية والاستثمار أو يصبح مقربا جدا من حكومات أجنبية لا تحظى بشعبية، يمكن له في هذه الحالة أن يفرط بالنخبة والمجموعات الشعبية إلى أبعد حد.

في الوقت الذي ينمو فيه الاقتصاد ويتوسع التعليم في ظل حكم الدكتاتور، يزداد عدد الأشخاص الذين لديهم تطلعات أكبر ويصبحون أكثر تعبيرا تجاه حساسية التدخلات المتمثلة بسياسة الهيمنة وإساءة استعمال السلطة. وإذ ينمو عدد السكان الكلي بسرعة، تستأثر النخبة بحصة الأسد من المكاسب الاقتصادية، في نفس الوقت يزداد التفاوت والبطالة. ومع ارتفاع نفقات المساعدات والبرامج الأخرى التي يستخدمها النظام لاسترضاء المواطنين، والحفاظ على الجماهير غير مسيسة فإن ذلك يضع المزيد من الضغط على النظام. وعندما تبدأ الاحتجاجات، قد يقدم السلاطين على إجراء اصلاحات أو يوسعون من المنافع المادية أو منافع الرعاية – كما عمل ماركوس في الفلبين عام 1984 لتجنب تصاعد الغضب الشعبي. لكن ماركوس فهم عام 1986، أن هذه الإجراءات عادة ما تكون غير فعالة بمجرد أن يبدأ الناس بالمطالبة بإصرار بنهاية حكم السلطان.

تتفاقم نقاط ضعف الأنظمة السلطانية مع تقدم عمر الزعيم، حيث تصبح مسألة خلافته أكثر حدة. في بعض الأوقات، يكون الحكام السلاطين قادرين على تسليم القيادة إلى أعضاء من عائلاتهم من الشباب. هذا ممكن فقط عندما تعمل الحكومة بفعالية ولديها نخبة تدعمها (كما حصل في سوريا عام 2000، عندما سلم الرئيس الأسد السلطة إلى أبنه بشار) أو في حالة وجود بلد آخر يدعم النظام (مثل ما حصل في إيران عام 1941، عندما ساعدت أو روجت الحكومات الغربية لخلافة رضا شاه من قبل أبنه محمد رضا بهلوي). وفي حالة تسبب فساد النظام بنفور نخبة البلد منه فعليا، فإنها في هذه الحالة قد تتحول عنه وتحاول منع انتقال الخلافة إلى العائلة، وتسعى لاستعادة السيطرة على الدولة (كما حدث في اندونيسيا أواخر التسعينات، عندما وجهت الأزمة المالية الآسيوية ضربة إلى آلية المحسوبية التي كان النظام يتبعها).

هناك شيء أساسي جدا يعمل ضد رغبة السلطان في الانتقال السلس للسلطة، يتمثل في أن معظم الوزراء والموظفين الكبار الآخرين يعملون بالتطابق جدا مع رئيسهم التنفيذي من أجل بقائه في السلطة وعدم سقوطه. على سبيل المثال، حاول الشاه عام 1978 تفادي الثورة بواسطة استبدال رئيس وزرائه، شاهبور بختيار، وتعيين نفسه رئيسا للوزراء لكن هذا الإجراء لم ينجح؛ حيث سقط النظام بالكامل في السنة التالية. في النهاية، مثل هذه التحركات لا ترضي مطالب الجماهير المعبأة التي تبحث عن تغييرات اقتصادية وسياسية رئيسية، ولا ترضي كذلك طموحات الفئات الحضرية والمهنية التي تنزل إلى الشارع للمطالبة بالمشاركة بحكم الدولة.

علاوة على ذلك، هناك قوات الأمن. وبواسطة تقسيم بنيتها القيادية يمكن أن يقلل السلطان من التهديد الذي تشكله. لكن هذه الاستراتيجية أيضا تجعل قوات الأمن أكثر عرضه للانشقاق في حالة اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية. إذ أن عدم وجود قيادة موحدة يؤدي إلى حدوث انقسامات داخل الأجهزة الأمنية؛ ثم أن النظام في الحقيقة لا يستند إلى أي ايديولوجية جذابة وهو غير مدعوم من قبل مؤسسات مستقلة تضمن بأن الجيش لديه دافع أقل لإخماد الاحتجاجات. ويمكن أن يقرر الكثير من أفراد الجيش بأن خدمة مصالح البلاد ستكون افضل في حالة تغيير النظام. وإذا تخلى قسم من القوات المسلحة عن النظام – كما حدث تحت حكم دياز، وشاه إيران، وماركوس، وسوهارتو- فإنه يمكن أن تنهار الحكومة بسرعة مذهلة. في النهاية، في الوقت الذي يظل فيه الحاكم مرتبكا، مقتنعا بأنه لا يمكن الاستغناء عنه وأنه في حصانة، يجد نفسه وبشكل مفاجئ معزولا وبلا سلطة.

غالبا ما تظهر مؤشرات ضعف السلطان فقط في وقت لاحق. رغم أنه من السهولة تحديد انتشار حالات الفساد، والبطالة، وأسلوب الحكم الفردي، لكن إلى أي مدى تعارض النخب النظام، الاحتمال الأقوى، بانشقاق الجيش غالبا ما يصبح واضحا فقط عندما تندلع الاحتجاجات على نطاق واسع. وبعد كل ذلك، لدى النخب والقادة العسكريين كل الأسباب لإخفاء مشاعرهم الحقيقية حتى تنشأ اللحظة الحاسمة، ومن المتعذر معرفة أي استفزاز سيؤدي إلى تحرك شامل للجماهير، بدلا من التحرك على المستوى المحلي. وبالتالي سيكون انهيار الأنظمة السلطانية سريعا وغالبا ما يشكل صدمة.

طبعا، في بعض الحالات، لا ينشق الجيش على الفور على الرغم من بدء التمرد. على سبيل المثال، ما حدث في نيكاراغوا في أوائل السبعينات من القرن الماضي، حيث كان اناستاسيو سوموزا قادرا على استخدام القوات الموالية له في الحرس الوطني لإخماد التمرد ضده. لكن حتى في حالة توفر الفرصة للنظام للاعتماد على القطعات الموالية في الجيش، فإنه نادرا ما يتمكن من البقاء. ببساطة يبدأ النظام بالتفكك بوتيرة أبطأ، مع نشوء حالة خطيرة من سفك الدماء أو حتى نشوب حرب أهلية تنتج من السير في هذا الطريق. لكن نجاح سوموزا عام 1975 لم يدم طويلا؛ حيث نتج عن تزايد قسوته وانتشار الفساد تمرد أوسع في السنوات التالية. وبعد حدوث بعض المعارك الضارية، بدأت حتى القوات الموالية له سابقا بالتخلي عنه، وفي النهاية هرب سوموزا من البلاد عام 1979.

أيضا، يمكن للضغط الدولي أن يحول الموقف. فقد تمثلت الضربة النهائية لحكم ماركوس بسحب الولايات المتحدة بشكل كامل دعمها له بعد ادعاء ماركوس بالفوز في الانتخابات الرئاسية المشكوك في نتائجها والتي نظمت عام 1986.

صخرة القصبة

تمثل الثورات التي تنتشر في الشرق الأوسط انهيارا للأنظمة السلطانية الفاسدة على نحو متزايد. وبالرغم من نمو اقتصاديات المنطقة في السنوات الأخيرة، إلا أن المكاسب لم تستفد منها غالبية الجماهير، وبدلا من ذلك، تكدست الثروات بيد عدد قليل من الأثرياء. وقد ذكر أن مبارك وعائلته أنشأوا ثروة تتراوح ما بين 40 إلى 70 مليار دولار، ويزعم بأن 39 من الموظفين ورجال الأعمال المقربين من جمال بن مبارك (نجل الرئيس المصري محمد حسني مبارك- المحرر) قد جمعوا ثروات تبلغ في المتوسط أكثر من مليار دولار لكل واحد منهم. وفي تونس، اشارت برقية دبلوماسية أمريكية تعود لعام 2008 نشرها موقع ويكيليكس إلى حالة انتشار الفساد، وحذرت بأن عائلة ابن علي أصبحت ذات سلوك لصوصي إلى حد بعيد وبأن الاستثمارات الجديدة وخلق فرص العمل يجري التضييق عليهما وأن تباهي عائلته قد أثار غضبا واسع النطاق.

وقد تضرر السكان الحضر الذين أرتفع عددهم بسرعة في الشرق الأوسط من تدني الأجور ومن اسعار المواد الغذائية التي ارتفعت بنسبة 32% في السنة الأخيرة لوحدها، استنادا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. لكن ليس من البساطة القول أن مثل ارتفاع الأسعار هذا، أو نقص النمو، يشعل هكذا ثورات؛ لكن استمرار الفقر على نطاق واسع وغير المخفف عنه وسط تزايد الثراء الفاحش ساهم في اندلاع الثورات.

كما أن هناك سخطا ناجما عن ارتفاع معدلات البطالة، التي تنتج جزئيا من ارتفاع نسبة السكان من فئة الشباب في العالم العربي. فقد تراوحت نسبة الشباب البالغين الذين تتراوح اعمارهم بين 15-29 سنة من مجموع السكان البالغة اعمارهم أكثر من 15 سنة بين 38% في البحرين وتونس وأكثر من 50% في اليمن (مقارنة مع 26% في الولايات المتحدة الأمريكية). لم تكن نسبة الشباب في الشرق الأوسط مرتفعة بصورة ملحوظة فقط، لكن نمت اعدادهم بسرعة خلال فترة قصيرة. فمنذ العام 1990، ارتفع عدد السكان الشباب في الفئة العمرية 15-19 سنة بنسبة 50% في ليبيا وتونس، و65% في مصر، و125% في اليمن.

نتيجة سياسات التحديث التي تبنتها الحكومات السلطانية، تمكن الكثير من هؤلاء الشباب من الالتحاق بالجامعات، خصوصا في السنوات الأخيرة. ففي الواقع، ارتفعت نسبة الالتحاق بالجامعات في المنطقة في السنوات الأخيرة، بأكثر من ثلاثة اضعاف في تونس، وأربعة اضعاف في مصر، وعشرة اضعاف في ليبيا.

سيكون من الصعب، إن لم يكن مستحيلا، لأي حكومة أن توفر فرص عمل كافية لمواكبة هذا الطلب المتزايد على العمل. و كانت المشكلة من الصعب السيطرة عليها، خصوصا، في الأنظمة السلطانية. وكجزء من استراتيجية الرعاية، فقد قدم ابن علي ومبارك الدعم الحكومي لفترة طويلة للعمال والعائلات من خلال برامج مثل صندوق العمل الوطني في تونس – الذي يدرب العمال، ويوفر فرص العمل ويمنح القروض- وفي مصر تمثلت بسياسة ضمان توفير فرص العمل لخريجي الجامعات. لكن شبكات الأمان هذه انخفضت نفقاتها تدريجيا في العقد الأخير. علاوة على ذلك، كان التدريب المهني ضعيفا، وقد تمت السيطرة بإحكام على وسائل الحصول على فرص العمل في القطاع العام والخاص من قبل الفئة المرتبطة بالنظام. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع البطالة وسط الشباب بشكل لا يصدق في الشرق الأوسط: حيث وصل معدلها إلى 23%، وهو ضعف المعدل العالمي، عام 2009. إضافة إلى ذلك، كانت البطالة وسط المتعلمين أسوأ من ذلك: ففي مصر، يزداد احتمال عدم حصول خريجي الجامعات على وظائف إلى عشرة اضعاف مقارنة بأولئك الذين يتمتعون بمستوى التعليم الابتدائي فقط.

في الكثير من الاقتصاديات النامية، يوفر القطاع غير الرسمي متنفسا للبطالة. مع ذلك، جعل السلاطين في الشرق الأوسط حتى هذه النشاطات صعبة المنال. بعد كل هذا، اندلعت الاحتجاجات بعد أن ضحى الشاب التونسي محمد بو عزيزي بنفسه وهو بعمر 26 سنة والذي لم يتمكن من الحصول على عمل رسمي، وكانت عربته التي يبيع بها الفواكه قد صودرت من قبل الشرطة. وكان الشباب المتعلم والعمال في تونس ومصر قد نظموا احتجاجات وإضرابات محلية لسنوات من أجل جلب الانتباه إلى البطالة المرتفعة، وانخفاض الأجور، ومضايقات الشرطة والفساد الحكومي. لكن في هذا الوقت، باتت احتجاجاتهم مشتركة وامتدت إلى الفئات السكانية الأخرى.

إن استحواذ هذه الأنظمة على الثروة والتمادي في الفساد أساءا بشكل متزايد لجيوشها. لأن كل من ابن علي ومبارك قدما من المؤسسة العسكرية؛ وفي الواقع، مصر حكمت من قبل ضباط سابقين منذ عام 1952. وفي كلا البلدين، كان الجيش ينظر إلى مكانته بأنها في تراجع. وقد سيطر قادة الجيش في مصر على بعض الأعمال التجارية المحلية، لكنهم كانوا مستاءين بشدة من جمال مبارك، الذي كان ولي عهد حسني مبارك. وهو كمصرفي، فضل بناء نفوذه من خلال الأعمال التجارية والسياسيين المقربين بدلا من بنائه من خلال الجيش، وقد كسب أولئك المرتبطون به أرباحا ضخمة من الاحتكارات الحكومية ومن التعامل مع المستثمرين الأجانب. وفي تونس، أبقى أبن علي الجيش على مبعدة لضمان أن لا تكون له طموحات سياسية. وقد سمح لزوجته وأقربائها أن يبتزوا أموالا بطريقة غير مشروعة من رجال الأعمال التونسيين وبناء القصور على شواطئ البحر. نتيجة استياء الجيش، في البلدين، كان هناك احتمال قليل بقيامه بقمع الاحتجاجات الجماهيرية؛ حيث لا يريد الضباط والجنود قتل أبناء بلدهم فقط من أجل بقاء ابن علي ومبارك وعائلاتهم ومفضليهم في السلطة.

وقد حدث تخل مماثل عن النظام من قبل أقسام من الجيش الليبي، وأدى ذلك إلى فقدان القذافي وبسرعة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد. وحتى كتابة هذه السطور، استخدم القذافي المرتزقة وسخر الولاءات القبلية التي أخرت سقوطه. وفي اليمن، ظل صالح واقفا على قدميه، بالكاد، نتيجة المساعدات الأمريكية المقدمة له لدعم مناهضته للإرهابيين الإسلاميين وبسبب الانقسامات القبلية والمناطقية وسط معارضيه. ومع ذلك، إذا توحدت المعارضة، يبدو أنها تفعل ذلك، وإذا احجمت الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم نظامه القمعي على نحو متزايد، فإن صالح يمكن أن يكون السلطان القادم الذي سيطاح به.

حدود الثورات

حتى كتابة هذه السطور، لم تشهد السودان وسوريا والأنظمة السلطانية الأخرى في المنطقة، احتجاجات شعبية واسعة. ومع ذلك، فإن فساد البشير وتركز الثروة في الخرطوم بات يواجه بتحد. إن أحدى المبررات التاريخية لحكمه – إبقاء كل السودان تحت سيطرة الشمال- وقد تلاشت هذه السيطرة مؤخرا مع تصويت جنوب البلاد في كانون الثاني| يناير 2011 لصالح الاستقلال. وفي سوريا، احتفظ الأسد حتى الآن بدعم وطني بسبب سياساته المتشددة تجاه إسرائيل ولبنان. أنه لا يزال يحتفظ ببرامج عمل حكومية كبيرة والتي ابقت السوريين في موقف سلبي لعقود، لكنه لا يملك قاعدة اجتماعية كبيرة لدعم حكمه وهو يعتمد على نخبة قليلة، والتي بسبب فسادها على نحو متزايد باتت معروفة بسوء سمعتها. وعلى الرغم، من الصعب القول كيف أن صمود النخبة والجيش يمكن أن يدعما البشير والأسد، لكن من المرجح أن كلا النظامين هما اضعف مما يبدوان عليه ويمكن أن يتدهور وضعهما بسرعة في مواجهة احتجاجات ذات قاعدة جماهيرية واسعة.

من المرجح أكثر أن تبقى الأنظمة الملكية في المنطقة في السلطة. هذا ليس بسبب عدم مواجهتها مطالبات بالتغيير. ففي الواقع، تواجه بلدان المغرب، والأردن، وعُمان، والأنظمة الملكية في الخليج العربي نفس تحديات البنية السكانية، والتعليمية، والاقتصادية التي تواجهها الأنظمة السلطانية، ويجب عليها تنفيذ اصلاحات لمواجهة ذلك. غير أن الأنظمة الملكية تتوافر على ميزة مهمة: تتمثل في مرونة بناها السياسية. حيث يمكن للملكيات الحديثة أن تحتفظ بسلطة تنفيذية مهمة، في حين تتنازل عن السلطة التشريعية إلى برلمانات منتخبة. وفي اوقات الاضطرابات، من المرجح أكثر أن تطالب احتجاجات الجماهير بتغييرات تشريعية بدل المطالبة بالتخلي عن النظام الملكي. وهذا يعطي الملكيات مجالا أكبر للمناورة لتهدئة الناس. فعلى سبيل المثال، في مواجهة الاحتجاجات عام 1848، وسّعت الملكيات في ألمانيا وإيطاليا، دساتيرها، وقللت من سلطة الملك المطلقة، ووافقت على إجراء انتخابات المجالس التشريعية كثمن لتفادي مزيد من المحاولات لتصعيد الثورة.

علاوة على ذلك، في الأنظمة الملكية، يمكن في ظل النظام الوراثي أن يتم التغيير والإصلاح بدل هدم كامل النظام. وبما أن الوراثة العائلية تتوفر على شرعية وبالتالي قد يكون مرحبا بها بدلا من سيادة الخوف، كما في الدولة السلطانية النموذجية. فعلى سبيل المثال، في المغرب عام 1999، استحسن الجمهور تولي الملك محمد السادس العرش مع أمال كبيرة بالتغيير. وفي الواقع، حقق محمد السادس في بعض الانتهاكات القانونية للنظام السابق وعمل على تعزيز حقوق المرأة بعض الشيء. وقد هدأ من الاحتجاجات الأخيرة في المغرب بالوعد بأجراء اصلاحات دستورية رئيسية.( ) من المرجح أن يتمكن الحكام من البقاء في السلطة في البحرين، والأردن، والكويت، والمغرب، وعُمان، والسعودية، إذا رغبوا بتقاسم السلطة مع مسؤولين منتخبين أو أن يقوموا بتسليم زمام الأمور إلى أحد أعضاء العائلة من الشباب الذي يباشر اجراء إصلاحات مهمة.

على الأرجح، النظام الذي يتفادى حدوث تغيير هام في بنيته في المدى القريب يتمثل في النظام الإيراني. رغم أن إيران ينطبق عليها مفهوم النظام السلطاني أيضا، إلا أنها تختلف في العديد من النواحي: فهي لا تشبه أي نظام آخر في المنطقة، حيث أن تبني آيات الله ايديولوجية شيعية معادية للغرب وتبني القومية الفارسية قد لاقتا دعما كبيرا من الناس العاديين. وهذا ما يجعل من إيران أكثر شبها بدولة الحزب الواحد مع تمتع النظام بدعم قاعدة جماهيرية. أيضا تقاد إيران من قبل مجموعة تضم العديد من القادة الأقوياء، وليس من قبل قائد واحد فقط: المرشد الأعلى علي خامنئي، الرئيس محمود أحمدي نجادي، ورئيس البرلمان علي لاريجاني. وبالتالي لا يوجد سلطان واحد فاسد أو غير كفوء تتركز عليه نقمة المعارضة. أخيرا، يتمتع النظام الإيراني بدعم الباسيج، وهي ميليشيا ملتزمة ايديولوجيا، والحرس الثوري، الذي يتشابك بعمق مع الحكومة. لذلك، تتوفر فرصة قليلة بتخلى هذه القوى عن النظام في مواجهة احتجاجات واسعة.

ما بعد الثورات

من المرجح أن يصاب أولئك الذين يأملون في تحقيق انتقال سريع نحو ديمقراطية مستقرة في تونس ومصر بخيبة أمل. حيث أن الثورات ليست سوى بداية لعملية طويلة. وحتى بعد الثورة السلمية، فهي تأخذ بشكل عام نصف عقد لتعزيز أي نوع من أنواع الأنظمة المستقرة. وفي حالة نشوب حرب أهلية أو ثورة مضادة، فإن إعادة بناء الدولة تظل بحاجة إلى وقت أطول.

بشكل عام، بعد أن تنتهي فترة شهر عسل ما بعد الثورة، تبدأ الانقسامات تظهر إلى السطح في صفوف المعارضة. وعلى الرغم من أن تنظيم انتخابات جديدة يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن الحملات الانتخابية ومن ثم القرارات التي تتخذ من قبل المشرعين الجدد سوف تفتح النقاش حول الضريبة ونفقات الدولة، والفساد، والسياسة الخارجية، ودور الجيش، وسلطات الرئيس، والسياسة الرسمية تجاه الشريعة وعلاقتها بالممارسة العملية، وحقوق الأقليات وهكذا. وبما أن المحافظين، والشعبويين، والإسلاميين، والمصلحين الذين يتبنون التحديث يتنافسون بشراسة من أجل الوصول للسلطة في تونس، ومصر، وربما في ليبيا، فمن المحتمل أن تواجه هذه الدول لفترات طويلة تغيرات سريعة ومفاجئة في الحكومات وانتكاسات سياسية – بشكل يشبه ما حدث في الفلبين والكثير من دول أوروبا الشرقية بعد حدوث ثوراتها.

لقد دعمت بعض الحكومات الغربية لفترة طويلة ابن علي ومبارك كحصون للوقوف في وجه المد المتصاعد للإسلام المتطرف، والآن يخشى من أن تتمكن المجموعات الإسلامية من تولي المسؤولية. الأخوان المسلمون في مصر هم أفضل المجموعات المعارضة تنظيما، وهم سيكسبون في الانتخابات العامة، خصوصا إذا نظمت بوقت مبكر، قبل أن تتأسس أحزاب أخرى. وبعد الحدث التاريخي للثورات في الأنظمة السلطانية ينبغي التخفيف من هذه المخاوف إلى حد ما. حيث لا يوجد مؤشر بأن سقوط أي سلطان في الثلاثين سنة الأخيرة – يشمل هايتي، والفلبين، ورومانيا، وزائير، وأندونيسيا، وجورجيا، وقيرغيزستان- قد أدى إلى صعود أيديولوجيا أو حكومة متطرفة. وبدلا من ذلك، وفي كل حالة، كانت النتيجة النهائية ديمقراطية ناقصة– في كثير من الأحيان فاسدة وعرضة للتوجهات الاستبدادية، لكنها غير عدائية أو متطرفة.

ما حدث يمثل تحولا كبيرا في التاريخ العالمي. بين عامي 1949 و1979، كل ثورة قامت ضد نظام سلطاني – في الصين، وكوبا، وفيتنام، وكومبوديا، وإيران ونيكاراغوا- نتج عنها حكومة شيوعية أو إسلامية. وفي ذلك الوقت، فضل معظم المثقفين في الدول النامية النموذج الشيوعي للثورة ضد الدول الرأسمالية. وفي إيران كانت هناك رغبة في تفادي النموذج الرأسمالي والشيوعي وبسبب تزايد شعبية السلطة التقليدية لرجال الدين الشيعة أدى ذلك إلى صعود حكومة إسلامية للحكم. ومنذ الثمانينات لا النموذج الشيوعي ولا النموذج الإسلامي اجتذبا الكثير من الناس. حيث بات كلاهما ينظر لهما على نطاق واسع بفشلهما في تحقيق النمو الاقتصادي وإقامة نظام للمساءلة الشعبية. كلا هذين الهدفين الرئيسيين يتم تبنيهما من قبل جميع الثورات الأخيرة التي اندلعت ضد الأنظمة السلطانية.

لا شيء يحفز على تغيير النظام مع ارتفاع معدلات البطالة، وقد دعا البعض في الولايات المتحدة الأمريكية لتبني مشرع ماريشال في الشرق الأوسط لدعم استقرار المنطقة. لكن في عام 1945، كان لأوروبا تاريخ من الأنظمة الديمقراطية قبل ذلك الوقت، وكان تدمير البنية التحتية المادية بحاجة لإعادة البناء. في حين أن اقتصاديات تونس ومصر غير مصابة بأذى وقد سجلت حديثا نموا ممتازا، لكنهما بحاجة لبناء مؤسسات ديمقراطية جديدة. وتوجيه الأموال إلى هذه الدول قبل أن تشكل حكومات عرضة للمساءلة سيشعل فقط الفساد ويقوض تقدمها نحو الديمقراطية.

ما هو أكثر من ذلك، إن الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى تتمتع بمصداقية قليلة في الشرق الأوسط لأنها دعمت ولفترة طويلة الدكتاتوريات السلطانية. وأي جهود لتوظيف المساعدة لدعم مجموعات معينة أو التأثير في النتائج الانتخابية من المرجح أن تثير شكوكا. ما يحتاجه الثائرون من الخارج هو الدعم الصريح للعملية الديمقراطية، والرغبة في قبول جميع المجموعات التي تمارس العمل وفق القواعد الديمقراطية، والاستجابة الإيجابية لأي طلبات لتقديم المساعدة التقنية في بناء المؤسسات.

إن أكبر خطر تواجهه تونس ومصر الآن يمثل بمحاولات تحرك الثورة المضادة والمتمثلة بالقوى المحافظة في الجيش، وهي مجموعة غالبا ما سعت للمطالبة بالسلطة عقب زوال السلطان. حدث هذا في المكسيك بعد الإطاحة بدياز، وفي هايتي بعد رحيل جان كلود دوفالييه، وفي الفلبين بعد سقوط ماركوس. وبعد أن أجبر سوهارتو على مغادرة السلطة في اندونيسيا، استعمل الجيش قوته في اتخاذ إجراءات صارمة ضد الحركات المطالبة بالاستقلال في تيمور الشرقية، التي احتلتها اندونيسيا منذ عام 1975.

في العقود الأخيرة القليلة، انتهت محاولات الثورات المضادة (كما في الفلبين في 1987-1988 وهايتي عام 2004) نهاية غير مرضية بدرجة كبيرة. فلم تتمكن من عكس المكاسب الديمقراطية أو قيادة الأنظمة التي اعقبت الأنظمة السلطانية لتكون في احضان المتطرفين – المتدينين أو غيرهم.

مع ذلك، فإن مثل هذه المحاولات تضعف الديمقراطيات الجديدة وتشغلها عن القيام بالاصلاحات التي تشتد الحاجة إليها. وهي يمكن أن تدفعها إلى اتخاذ ردود فعل متشددة أيضا. إذا حاول الجيش في تونس ومصر المطالبة بالسلطة أو أعاق الإسلاميين من المشاركة في النظام الجديد، أو سعت الملكيات في المنطقة للمحافظة على أنظمتها مغلقة من خلال ممارسة القمع بدلا من انفتاحها من خلال تنفيذ الاصلاحات، في هذه الحالة، فإن القوى المتشددة فقط هي التي ستعزز من قوتها. وعلى سبيل المثال، كانت المعارضة في البحرين تسعى من أجل إجراء اصلاحات دستورية، لكن كان رد فعلها تجاه الإجراء السعودي لقمع محتجيها هو المطالبة بالإطاحة بالملكية في البحرين بدلا من إصلاحها.

يتمثل التهديد الرئيسي الأخر للديمقراطيات في الشرق الأوسط بالحرب. تاريخيا، تتصلب الأنظمة الثورية في مواقفها وتصبح أكثر تطرفا استجابة لحالة الصراع أو النزاع الدولي. فلم يكن سقوط الباستيل بل كانت الحرب مع النمسا هي التي سمحت لليعاقبة المتطرفين بالوصول إلى السلطة خلال الثورة الفرنسية. وبشكل مشابه، كانت الحرب العراقية-الإيرانية قد اعطت آية الله روح الله الخميني الفرصة للتخلص من العلمانيين المعتدلين في إيران. في الواقع، يمكن لحالة واحدة أن تجعل المتطرفين يخطفون ثورات الشرق الأوسط وهي إذا زاد توتر النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين فسيؤدي ذلك إلى تصعيد العداء بين مصر وإسرائيل، وسيقود إلى تجدد الحرب.

على الرغم مما ذكر آنفا، لا يزال هناك سبب للتفاؤل. قبل عام 2011، كان الشرق الأوسط يبرز على الخارطة باعتباره المنطقة الوحيدة المتبقية في العالم الخالية تقريبا من الديمقراطية. يبدو أن ثورتي الياسمين والنيل قد بدأتا بمهمة تغيير كل ذلك الوضع. ومهما كانت النتيجة النهائية، فإنه يمكن قول الكثير: بأن حكم السلاطين قد وصل إلى نهايته.

المقالة بقلم جاك غولدستون وهو عالم أمريكي في علم الاجتماع والسياسة، متخصص في الحركات الاجتماعية، والثورات والسياسات العامة، نشر تسعة كتب تأليفا أو إعدادا وحوالي مائة مقالة بحثية، ويعمل حاليا أستاذا في مدرسة السياسات العامة في جامعة جورج ماسون.

الترجمة عن مجلة: Foreign Affairs, Volume 90, Number 3, May\June 2011
_________________

هوامش المترجم:
- ما حدث يمثل انتفاضات شعبية واسعة ضمت قوى اجتماعية عريضة ولم تكن لها قيادة موحدة وبرنامج متفق عليه وهذا ما جعل الفترة التي اعقبت سقوط قيادات الأنظمة وما اصطلح عليها بالفترة الانتقالية تمر بمخاضات عسيرة نتيجة الصراع الذي اشتعل حول شكل بناء الدولة الجديدة، وهذا يختلف عن الثورات بالمفهوم المتعارف عليه والتي تتوفر على قيادة موحدة وبرنامج سياسي- اجتماعي- اقتصادي يتسم بالعمق تسعى لتطبيقه بعد سقوط النظام.
- لم يكن وجود التوتر الاثني والديني شرطا دائما من شروط الثورة، فقد نجحت ثورات في مجتمعات لم تشهد مثل هذا التوتر.
- في الواقع وكما يشهد التاريخ، من أجل تأمين مصالح هذه الدول التي يهددها نجاح الثورات، كما حدث عندما تدخلت الدول الأوروبية عسكريا ضد ثورة أكتوبر 1917 في روسيا.
- تم اجراء استفتاء شعبي على الدستور الجديد في 1 تموز| يوليو 2011 والذي أقر بغالبية كبيرة ونص على اختيار رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات ويتمتع بصلاحيات أوسع من السابق بعد أن رحلت بعض من صلاحيات الملك له رغم أن الأخير ظل يتمتع بصلاحيات هامة، علما أن هذه الانتخابات قاطعتها حركة 20 يناير التي انبثقت في سياق اندلاع الانتفاضات في البلدان العربية ورفعت شعار "الشعب يريد اسقاط الفساد" وفي الفترة الأخيرة تراجعت نشاطاتها بشكل ملحوظ.

* نشرت في مجلة الثقافة الجديدة العدد 357-358 نيسان- أبريل 2013.