المنبرالحر

نظام المحاصصة مدمر للوطن ومنتج للاسلام السياسي الامريكي/ فلاح علي

في البدء لا بد من الاجابة على السؤال التالي من هو الاسلام السياسي الامريكي ومن يصنعة ؟ ان المقصود بالاسلام السياسي الامريكي هو كل التنظيمات الاسلامية المتطرفة التي تخدم المصالح الامريكية في العراق والمنطقة , والذي تمثلة الآن على ارض الواقع داعش وأخواتها من كل جماعات الاسلام السياسي المتطرف وبغض النظر عن طائفتها , وحتى التنظيمات التي تطلق عليها صفة الاعتدال ,من الاسلام السياسي عندما تلتقي مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة الامريكية , او مع مصالح الاسلام السياسي الاقليمي مثل ( السعودية وقطر وتركيا وايران ) نجد عندها ان هذه التنظييات تففقد صفة الاعتدال , لأنها تبدأ بتنفيذ أجندات مقايل الحصول على دعم خارجي متواصل لأجل الوثوب الى السلطة والتمسك , كما حصل مع حركة الاخوان المسلمين في مصر وتونس وتركيا وسورية ... الخ .

السؤال الثاني من صنع داعش في منطقة الشرق الاوسط وبالذات في العراق وسورية ؟ الاجابة على هذا السؤال من وجهة نظري , وما تؤكده المعطيات على الارض ان مصالح الولايات المتحدة الامريكية في العراق والمنطقة هي التي فرضت عليها صناعة سلاح فكري متطرف اسمه داعش. كيف تم ذلك بلا شك من خلال أدوات عربية وشرق اوسطية. من هذه الادوات العربية والشرق اوسطية التي أسهمت بشكل مباشر بصناعة داعش؟ ما تؤكده الوقائع التأريخية ان هذه الادوات تكمن في : دور كل من السعودية وقطر وتركيا حيث أوكل لهذه الدول الثلاث دور مباشر في تقديم الدعم المالي والدعم اللوجستي من التسليح والتدريب والنقل والدعم الاعلامي .... الخ. وهذه الدول ما كان بمقدورها ان تخطو هذه الخطوة لولا الضوء الاخضر القادم من الولايات المتحدة الامريكية . فللولايات المتحدة الامريكية دور غير مباشر في صناعة داعش. والمشكلة تكمن في ان الدبلوماسية الامريكية هي أصبحت دائمة الارتباك والتخبط وان امريكا تعتقد الى الآن ان الاسلام السياسي من خلال تقديم الدعم له والتحالف معه انه سيخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة , ولم تستفد الولايات المتحدة الامريكية من تجاربها الفاشله في دعمها وتحالفاتها مع الاسلام السياسي , سواء لجماعات الاخوان المسلمين او لتنظيم القاعدة الارهابي. حيث لعبت الولايات المتحدة دوراً كبيراً في عام 1980 بصناعة تنظيم القاعدة وقدمت الدعم اللوجستي للتنظيم في افغانستان وزودته بالمال والسلاح , وساعدها نفس ادواتها المعروفة تأريخياً في المنطقة السعودية وقطر وعدد من البلدان العربية والاقليمية. يلاحظ بعد تغيير الموازين في الوضع الدولي والاقليمي , اصبحت الدبلوماسية الامريكية اكثر ارتباكاً , لهذا فأنها لا تزال تعتقد انها تستفاد من صناعتها لحركات الاسلام السياسي والتحالف معها . لتعزيز نفوذها في هذه المنطقة او تلك وخدمة مصالحها . أما على الصعيد الداخلي بما يتعلق بصناعة داعش في العراق , فنجد ان نظام المحاصصة الطائفية والقومية لعب دورا غير مباشر في مساعدة تنظيم داعش وكل التنظيمات المتطرفة على النمو والتوسع والانتشار ..

كيف أسهم الطائفيون في المساعدة على نمو التطرف والارهاب في العراق :

الطائفيون من خلال طبيعة نظام المحاصصة, وما أكدته تجربة العراق طيلة عقد من السنيين ,ان نظام المحاصصة الطائفية والقومية ليس فقط انه كان ولا يزال سبب في كل أزمات البلد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية, وانما ما أكدته التجربة ايضاً ان طبيعة هكذا نظام يهيئ الارضية الفكرية والسياسية والاجتماعية لنمو التطرف الفكري في العراق. وبهذا فأن طبيعة نظام المحاصصة أصبح عامل من العوامل الداخلية التي توفر ارضية مناسبة لنمو و انتشار الجماعات المتطرفة من الاسلام السياسي من كلا الطائفتين مثل داعش وأخواتها. فهو يعتبر عامل مساعد , ليس فقط في صناعة التنظيمات المتطرفة وانما في نموها وانتشارها وتمددها . ان أزمات نظام المحاصصة الطائفية الضارة والمدمرة لمصالح الوطن هي كثيرة, وان الكتابة عنها تسع لعشرات الصفحات ولا يمكن ان تغطيها هذه المقالة , وهي ازمات سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية وثقافية. ولكن في هذه المقالة أتوقف في ذكر مثالين من المظاهر الضارة بالوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي العراقي:

المثال الاول : يتعلق بالاعلام وبالخطاب السياسي : حيث يلاحظ خطاب كتل الاسلام السياسي المتحاصصة في العراق قائم على الشحن والتعبئة والتخندق والعداء الطائفي , وهذا يمكن ملاحظته في كل القنوات التلفزيونية لكتل الاسلام السياسي من كلا الطائفتين , والطائفيون بهذا الخطاب البعيد عن مصالح الوطن, أضروا كثيراً بالنسبج الاجتماعي العراقي وبالوحدة الوطنية , وأشاعوا الثقافة الطائفية في المجتمع.

والمثال الثاني : يكمن في سوء ادارة ملفات الازمات السياسية , سواء من قبل البرلمان او من قبل السلطة التنفيذية , وسوء الادارة هذا دفعهم للتجاوز على الدستور والمضايقة على الحقوق والحريات. والمثال على ذلك حيث جاء في المادة (38) من الباب الثاني في الدستور الآتي :

تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب :

اولاً : حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل ..

ثالثاً : حرية الاجتماع والتظاهر السلمي , وتنظم بقانون .

وعندما بدأت التجمعات الجماهيرية الواسعة في مدينة الرمادي و كانت في بدايتها سلمية تطالب بحقوقها . لكن الذي حصل ان السلطة التنفيذية لم تستمع اليهم , ورغم مرور عدة أشهر واصلت التجمعات الجماهيرية في الرمادي بالمحافظة على سلميتها , إلا ان السلطة لم تستمع الى مطاليبهم ووضعت هذا التحرك الجماهيري في خانة المؤامرة الخارجية . الى ان تهيأت فرصة لتدخل القاعدة وداعش في التجمعات الجماهيرية, ورفعوا شعاراتهم عنوة في التظاهرات لتوظيف التظاهرات لصالحها , عندها تعاملت السلطة التنفيذية مع التظاهرات بطريقة تتعارض مع الدستور . فأقدمت السلطة التنفيذية على زج الجيش لمواجهة المتطرفون من القاعدة وداعش , وعندما ارسلت الوحدات العسكرية الى الرمادي , لمحاربة القاعدة وداعش . حينها اطلق السيد رئيس الوزراء شعارات طائفية أججت المشاعر لدى المعتصميين ولدى اهل الانبار حيث ما قاله بما معناه : ( ان المعركة هي بين اتباع الامام الحسين واتباع يزيد ). هذا الموقف الطائفي يؤكد على سوء ادارة الأزمة . ما علاقة يزيد بحقوق متظاهرين والتاريخ الاسلامي يؤكد ان الامام الحسين عندما ثار لم تكن ثورته بسبب طائفة او مذهب . وانما ثار من اجل العدل واحقاق الحق ونصرة المظلومين واصلاح الانحراف في تطبيق مبادئ الاسلام . والمتظاهرون خرجوا للتظاهر لأن لديهم حقوق مشروعة يطالبون فيها , والدستور يحميهم ويلبي حقوقهم . وبهذا التصعيد بدأت المواجهات العسكرية في الرمادي والفلوجة واستغلتها داعش والقاعدة في توسيع حاضنتهما الاجتماعية وايجاد حلفاء لهما, وصورت داعش والقاعدة ومعهم بقايا البعث لأهل الرمادي والمناطق المجاورة ان هذا الصراع هو صراع طائفي , لغرض تعبئة اكبر عدد من اهل الرمادي والفلوجه للقتال معهم .والغريب ان بعض رؤساء العشائر الذين حاربوا القاعدة وطردوها من مناطقهم واصبحوا قادة للصحوات بعضهم انضم مع الارهابيين لمقاتلة الجيش , وهذا سببه سوء في ادارة الازمات السياسية من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولو عدنا قليلاً الى الوراء وبالتحديد عندما بدأت الوقفات الجماهيرية في ساحة التحرير في بغداد في يوم 25-2-2011 , لم يكن موجود مع المتظاهرين أحد من داعش , الا انه لاحظ جميع العراقيين كيف ان السلطة التنفيذية ومعها بعض من برلمانيها استخدمت القوة لفك وانهاء التجمعات الجناهيرية السلمية وقامت بالاعتقالات والاعتداء على المتظاهرين واخذ تعهدات من البعض , وهذا خلاف لما جاء في المادة (38) من الدستور. لنعود الى عنوان الموضوع وتمدد داعش وسيطرتها بساعات على مدينة الموصل .

من هم حلفاء داعش وكيف تمت السيطرة على الموصل بساعات :

ان حلفاء داعش الذين هم بحق اعداء للوطن والشعب وحسب ما تؤكده الوقائع انهم يتمثلون في جماعة النقشبندية وبقايا البعث بما فيهم عسكريون سابقون وهيئة علماء المسلمين / جماعة حارث الضاري , ولديهم تشكيلات عسكرية باسم كتائب الحسين , والجيش الاسلامي , وتنظيم القاعدة وبعض رؤساء عشائر تم تضليلهم وتعبئتهم طائفياً , وهؤلاء رؤساء العشائر الذين تم توريطهم , سيكتشفون عاجلاً ام آجلاً ما خبأ لهم من عمل معادي لمصالح الوطن . وسوف يتراجعوا ويندموا لفعلهم الشنيع هذا وسيعلنون ثانية حربهم على داعش . ان سقوط مدينة الموصل بساعات محدودة ليس هو بسبب كثرة أعداد مقاتلي داعش او نتيجة ضخامة امكانياتهم العسكرية . صحيح انهم اقاموا تحالفا واسعا , لكن بلا شك على الصعيد العسكري حصل انسحاب للقادة العسكريين وهذا غير مبرر , ان التحقيق معهم سيكشف الخبايا والخيانات , وعلى الصعيد السياسي نظام المحاصصة الطائفية يتحمل المسؤولية في سقوط الموصل ومدن أخرى.

الاستنتاجات :

1-ان سقوط مدينة الموصل بساعات وسقوط مدن اخرى له وقفة و تقييم ودروس من الناحية العسكرية والوطنية , لمعرفة الخبايا والخيانات العسكرية . ولكن المهم ايضاً استيعاب الدرس في الجانب السياسي , والتي تكمن في طبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة والمغذي للنعرات والممارسات الطائفية الضارة بالوحدة الوطنية والمشجع للارهاب, ويمارس التهميش والاقصاء. وأن هذا النظام الطائفي جعل الهوية الوطنية والوحدة الوطنية معلولتان ومشلولتان . و بهذا أضر بالثوابت الوطنية , وبرز وشجع الهويات الثانوية الضارة والصراع الطائفي وثقافته المدمرة لمصالح الوطن .

2- لهذا ان التغيير المطلوب الذي ينتظره الشعب هو التغيير في بنية النظام السياسي , لأنه لا معنى لأي عملية سياسية , ان لم تكن قادرة على ضمان الوحدة الوطنية وصيانة مصالح الوطن والشعب , لهذا ان التغيير يكمن في انهاء نظام المحاصصة الطائفية , واشراك كل التيارات السياسية والديمقراطية والفكرية في العملية السياسية وعدم تهميشها , وتعزيز الديمقراطية في الدولة والمجتمع , وعدم اعتماد الحلول الامنية والعسكرية فقط وانما استخدام الوسائل السياسية السلمية الديمقراطية الدستورية في حل الازمات .

3- يتحمل البرلمان الجديد مسؤولية وطنية كبرى في وضع حد في خذخ الدورة لنظام المحاصصة الطائفية , المهمة الوطنية الاولى تبرز في اعادة بناء مؤسسات الدولة على اسس وطنية ديمقراطية , وان تكون هذه المؤسسات ضامنة لحقوق وحريات المواطنين , بعيداً عن الانتماء الطائفي او القومي او الحزبي .

4- ان داعش هويته عابرة للحدود والقارات , فهذا يتطلب تعاونا اقليميا دوليا لمواجهة تطرف وارهاب داعش وايقاف تمدده والقضاء عليه ..

5- بلا شك بتضافر الجهد الوطني , وتعزيز الوحدة الوطنية ,ودعم قواتنا العسكرية سيتم تحرير المحافظات العراقية من داعش , ولكن الخشية هو من ان يكون القادم أسوء في حالة بقاء نظام المحاصصة الطائفية والقومية , لأن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية , تفرض عليها تنفيذ نظرية الفوضى الخلاقة , وتفكيك العراق ودول المنطقة عندما تسنح لها الفرصة . ومشروع بايدن هو جاهز وطرح على الكتل منذ سنوات وهذا المشروع يدخل ضمن هذه الاستراتيجية الامريكية , الخشية على مصالح الوطن والشعب ببقاء نظام المحاصصة , لأن هذه الكتل تعميها مصالحها , فقد تدفعها مصالحها اللاوطنية الفئوية الذاتية بالقبول بمشروع بايدن لتقسيم العراق , بذرائع وحجج . رغم ان مشروع بايدن يواجهة ضغط شعبي جماهيري واسع وسيفشله , لكن البديل لحل أزمات الوطن وضمان مصالحة ومصالح الشعب وانهاء الارهاب هو يكمن في انهاء نظام المحاصصة الطائفية والقومية , وتشكيل حكومة انقاذ وطني , تلبي مطالب الجماهير وتضمن حقوقها وحرياتها , وتنهي داعش وارهابها وكل ارهاب آخر وتهيئ لبناء دولة المواطنة ومؤسساتها وقوانينها الديمقراطية ..