المنبرالحر

الأخطر من ذلك! / يوسف أبو الفوز

نتابع بقلق معركة شعبنا وقواه المسلحة ضد قوى الارهاب والظلام، التي تحاول نشر سلطانها على أجزاء من ربوع وطننا لتحكم بقوانين العصور المظلمة، وتقتل الابرياء وتخرب المدن والتراث الحضاري لشعبنا باسم الدين والدين منها براء، منفذة مخططات وأجندة اقليمية ودولية للسيطرة على عموم المنطقة من خلال أغراقها بالصراعات المذهبية والقومية. ونتابع تعليقات وتحليلات أهل العقل الداعين الى ضرورة عدم الركون فقط الى الحل العسكري لحسم المعركة ضد قوى الارهاب، مطالبين القوى السياسية بتفعيل دورها في إيجاد حلول سياسية للأزمة.
ولم يكن لأبي سكينة، في الايام الاخيرة، أي مزاج للحديث بأي موضوع آخر. لم أره بهذا المزاج العكر من فترة طويلة. كلما سمع خبرا عن سقوط ضحايا جدد وتقدم معين لقوى الظلام في منطقة ما، حتى تبدأ اصابعه ترتجف وهو يتحدث غاضبا، صابا جام غضبه على «البلاء الاكبر» في البلاد، مكررا بأن الاحتلال الامريكي زرعه في بلادنا وغذته دول اقليمية بتدخلاتها السافرة، وهو يقصد نظام المحاصصة الطائفية الاثنية، الذي بنيت عليه العملية السياسية الحالية في العراق.
ورغم أننا حاولنا من خلال متابعة مباريات كأس العالم لكرة القدم، ان نخلق اجواء اعتيادية في بيوتنا، الا اننا لم ننجح بذلك في بيت أبو سكينة. كان يجلس منطويا على نفسه، حزينا، مترقبا نشرات الاخبار، وكان أبو جليل يشاركه الصمت والحزن، ويتبادلان النظرات بصمت وعيونهما تحكي لبعضهما البعض اشياء لم تغب عنا. وزاد من توتر الاجواء التشنج بين جليل وزوجته، الذي لمسه الحاضرون من خلال النقاش الحاد والاتهامات المتبادلة بينهما. حاولت سكينة ان تشيع جوا من التفاؤل بتعليقات ما، الا ان جليل قطع كلامها، بنبرة متشنجة :»لتخبرك صاحبتك لماذا أنا غاضب وزعلان، اسأليها .. أيعقل ان سيدة مثلها، تجدين مطبخ بيتها يملأه النمل من كل لون؟ «
فصاحت زوجته محتجة :» عملت منها قصة وفضيحة، كل الامر أن الاطفال، تركوا علبة المربى مفتوحة، فتجمع النمل، هل هذا يستحق كل هذا التشنج والتنظيرات، وكان الأجدر ان تلوم نفسك لأن في فترة بعد الظهر تكون متابعة الاطفال من حصتك وأنا حصتي غسل الملابس؟»
وفجأة سعل ابو سكينة بصوت مفتعل، فسكت الجميع. إعتدل ابو جليل في جلسته. ووقفت أم سكينة في طريقها لدخول المطبخ ، لتصغي لما قاله أبو سكينة بغضب: « الدنيا وين وأنتم وين، الدنيا تحترق وأنتم اللي احسبكم متعلمين ومتحضرين، خصامكم حول هذا حصتي وهذا حصتك، أولا واخيرا أنتو اصحاب البيت وشركاء في الحياة فيه، ومسؤوليتكم مشتركة عن نظافة بيتكم وادارة شؤونه، والله ... والله اذا بقى حالكم ، بهذا الشكل، كل واحد منكم يجر طول وعرض، فأبشروا راح بيتكم تكثر بيه الصراصير والفئران وحتى الجريذية !»