المنبرالحر

"سانت ليغو" و حراك شبابي منتظر! / د. مهند البراك

فيما اسفرت الانتخابات المحلية ونتائجها عن فوز نسبي لـ(القوائم الصغيرة) (*) التي يرى فيها خبراء وسياسيون مجربون بأن الأهم في نتائجها ـ رغم نواقص وسلبيات ـ هو تزايد فوز وانحياز مكونات (التحالف الوطني) لصالح المطالب الشعبية وضد تعميق الطائفية . . حيث عبّرت وتعبّر تصريحات واعمال عدد واضح من وجوهها بأن سبب المشاكل القائمة هو المحاصصة التي صارت تهدد بانفراد رئيس الوزراء المالكي بالحكم.
الانتخابات التي تشكّل بتقدير مراقبين، بداية لتحوّل الصراع الاجتماعي في البلاد، من صراع طائفي فرضته المحاصصة . . الى صراع سياسي ـ اجتماعي تحت راية تآخي الطوائف، كما صار يرد على لسان عدد كبير من قادة (التحالف الوطني)، من خارج دولة القانون و حزب الدعوة. و كما يدلل الفوز النسبي لشخصيات من احزاب تأريخية مرموقة منحازة للجماهير وبالاخص الشبابية الكادحة منها، كحزب الجادرجي الوطني الديمقراطي، الحزب الشيوعي العراقي، الحركة الاشتراكية، والتيار الديمقراطي الذي يضم الاف الوطنيين والديمقراطيين ممن يحملون نزعات فكرية متنوعة، بضمنهم إسلاميون تحرروا من سر الأطر الطائفية والدينية المتزمتة، اضافة الى أطر مستقلة عديدة اخرى.
الأمر الذي تسبب لرئيس كتلة دولة القانون وزعيم "حزب الدعوة"، وفق مصادر محايدة، ردة فعل على نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي مُني فيها بفشل واضح . . ردّة فعل عبّر عنها بالدعوة لإلغاء قاعدة "سانت ليغو" الانتخابية المجرّبة عالمياً في نجاحها في تحقيق عدالة افضل من صيغة (القائمة المغلقة)، ومطالبة نواب من كتلته الصغيرة بالعودة إلى نظام القائمة المغلقة.
و يرى الكثيرون ان غضب رئيس الوزراء هذا، يأتي من اخفاقه في حصد اصوات ناخبي منافسيه في التحالف الوطني، وبالتالي من اخفاقه في محاولته هو لتمثيل المكوّن الشيعي في البلاد، وبالتالي في التهيئة للانقلاب على العملية السياسية، والانتقال الى (حكومة الأغلبية السياسية)، التي لا تعني عملياً في الظروف القائمة، الاّ الحكومة المرتهنة لإرادته الفردية المطلقة.
فيما تشدد اوساط تتسع، على ان المعاناة اليومية للشباب والشابات وعدم الاستجابة لمطالبهم في الامن، الفساد، البطالة، والفقر الذي يتضاعف في بلد من اغنى اغنياء العالم . . اضافة الى وقوف جهات مسؤولة بوجه منظمات المجتمع المدني الديمقراطية، و تعمد الاهمال والتعتيم على النشاطات الديمقراطية والشعبية و مطالباتها، كما حصل لمؤتمر التيار الديمقراطي الاخير . . هي التي تسبب الالم والاحتجاج وليس الهويات الفرعية القومية والدينية والطائفية.
وامام كل الوقائع التي ترتبت على انتخابات المحافظات وما اسفرت عنها من نتائج وردود افعال، يرى سياسيون ومتخصصون ضرورة ان تعمل جميع القوى التي انخرطت فيها، في التعبئة لفرض قانون " سانت ليغو"، وفي مقدمتها الفصائل الفائزة في التحالف الوطني، والمُستهدَفة من قبل زعيم دولة القانون، في التحرك لتعبئة القوى الحية في المجتمع وزجها في العمل السياسي الفعال في مواجهة المساعي الرامية الى العودة من جديد الى نظام (القائمة المغلقة) والغاء "سانت ليغو"!!
تعبئة القوى الحيّة المجتمعة سواء معاً اوعلى انفراد، لأن تستعين بقوى الشباب الخلاقة رجالاً ونساء، وان تستفيد من تجارب حركات الشباب في دول المنطقة واصدائها الاقليمية و العالمية، كتجربة "تنسيقيات تقسيم" في اسطنبول و كونها تجربة افرزتها ظروف المرحلة، بعد ان قررت القوى الحيّة هناك، التمرد على محاولات رئيس الوزراء التركي اردوغان، التدخل في تفاصيل وجزئيات الحياة والخيارات الشخصية للمواطن وفرض نمط يتعارض مع طبائع الحياة طيلة العقود المنصرمة في تركيا، وعلى جنوح الحزب الحاكم و زعيمه هناك الى مستويات عالية من الغرور المؤدي الى غلبة النزعات الفردية والتعجرف في العلاقة مع مصالح واحتياجات فئات كبيرة من المجتمع التركي وفي مقدمتها الشباب والنساء من كل القوميات و الاديان .
اضافة الى تجربة حركة "تمرد" الشبابية المصرية من كل المكوّنات الشعبية هناك . . والتي تبادر وتبتكر آلاف المبادرات في جميع المحافظات، سعياً وراء طموح تعبئة كل القواعد الشعبية المناصرة للعملية السياسية الديمقراطية والرافضة لسياسات الإقصاء والتهميش والانفراد والانفلات الأمني ونهب المال العام وتكريس فساد الضمير والذمة، لالحاق الهزيمة بهذه التوجه المتقاطع مع إرادتها . . التي وصلت الى مطالبة الرئيس المصري مرسي بالرحيل، الذي وصل للحكم باتفاقات اطراف متنفذة، في حالة لا تختلف عن مجئ المالكي للحكم.
بعد ان عبّأت القوى الحية في بلادنا من شبابها ونسائها و كهولها وصارت لها تجاربها، حين تمكنت من مواجهة الرصاص الحي الذي تسبب بجرح وسقوط العشرات من الشهداء في ساحة التحرير وتحت نصب الحرية في بغداد وفي ساحات بقية المدن العراقية، منذ اوائل عام 2011، والتي تتجدد اليوم في احتجاجات متقاعدي الناصرية واحتجاجات المحافظات الاربع من اجل الاصلاح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) بتعبير المتنفذين المسؤولين الاساسيين عمّا يدور في البلاد.