المنبرالحر

"ن" والمسيحيون / ابراهيم الخياط

رغم أن مسيحيي العراق يشكلون 3% من السكان، الا ان المسيحية هي ثاني أكبر الديانات بالعراق، وفيه أكبر كنيسة بالشرق الأوسط في «بغديدا» وهي كنيسة «الطاهرة الكبرى»، وما تزال آثار أقدم كنائس وأديرة العالم موجودة بكربلاء قرب «عين تمر»، واحتفظت المسيحية بالعراق بخلاف الدول العربية بطابعها الأصيل، فلم تتعرب كما في بلاد الشام ومصر، وإن كان المسيحيون يجيدون العربية حاليا كلغة تخاطب يومي.
واتخذت الأنظمة الحاكمة سياسة تعريب بلغت ذروتها في السبعينيات الماضية عندما تم تصنيف جميع المسيحيين على أنهم عرب، كما سنّ نظام صدام عقوبة على الرافضين تسجيلهم عربا في الإحصاءات الرسمية وقام بترحيل قرى بأكملها من مناطق سكناها.
وتعود هجرة مسيحيي العراق إلى بداية القرن العشرين بعد مجزرة (سميل) التي اجبرت عشرات الآلاف على النزوح لسوريا، وهي مذبحة حكومية بحق الآشوريين في تصفية منظمة اقترفتها حكومة رشيد عالي الكيلاني في آب 1933. وقد شملت المذبحة 63 قرية آشورية فقتل 600 مواطن بحسب مصادر بريطانية، فيما يرتفع الرقم عند مصادر أخرى الى 3000 آشوري. وهي بامتياز (جينو سايد) أي «إبادة منظمة لشعب».
تاريخيًا لعب مسيحيو العراق دورا مهما، فعندما فتحت الجيوش العربية الإسلامية العراق، وجدت أمامها سبعة ملايين عراقي، لغتهم الثقافية والدينية هي السريانية، فرحب هؤلاء بالفاتحين المسلمين، إذ كان للصراع الدائر بين الروم والفرس تأثير سلبي كبير عليهم ما أدى إلى بغضهم ويأسهم من الدولتين الظالمتين كلتيهما.
وقد استعان العرب المسلمون بالسريان في ترتيب أمور الدولة وتنظيم الأجهزة الإدارية وتنظيم الحياة الاجتماعية والثقافية والعلمية، فأداروا بيت الحكمة، وكان أطباء الخلفاء دائما منهم، وفي الثقافة العراقية الشعبية ظهرت شخصيات مسيحية فلكلورية اسطورية في القصص والأشعار ومنها «ألف ليلة وليلة» التي تحتوي شخصيات أدبية مسيحية خيالية مشهورة منها السمسار القبطي والخطاط السرياني وحكاية الأميرة شيرين ورهبان عمورية وتتكرر شخصية الطبيب والتاجر المسيحي بكثرة.
ومن مشاهير المسيحيين بالعراق الحديث: أنستاس الكرملي، الرفيق فهد، هرمز رسام عالم الآشوريات الذي اليه يعزى اكتشاف ملحمة كلكامش، روفائيل بطي، أدمون صبري، ألفريد سمعان، جميل بشير، منير بشير، دوني جورج عالم الآثار، شدراك يوسف، آزادوهي صموئيل، عمو بابا، البطل توما توماس.
بعد 2003 بدأ مسلسل تفجير الكنائس ولم يتوقف بل استمر وتفاقم حتى أن نصف المسيحيين قد فرّوا للخارج، وبعد 10 حزيران الماضي سقطت نينوى بأيدي داعش لتبدأ أكبر هجرة لهم منذ الحرب العالمية الأولى، وأصبحت مدينة الموصل خالية من المسيحيين لأول مرة في تاريخها!
وقد يكون هذا ردّا للجميل المسيحي قبل 1400 سنة، فعندما قام العرب المسلمون بطرد البيزنطينيين من سوريا، أكرمهم مسيحيو دمشق بمنح نصف مساحة أقدس الكنائس، كنيسة «مار يوحنا الحبيب» للمسلمين ليبنوا جامعا لاداء صلواتهم، ثم جاء الخليفة الوليد بن عبد الملك (جدّ الخليفة أبو بكر البغدادي) وانتزع النصف المتبقي من الكنيسة ليبني الجامع الاموي الكبير على رفات حواري المسيح.