المنبرالحر

الوضع الأمني مستقر! / ئاشتي

أحدق في الفراغ مليا، وأنتشل بقايا فرحي من قائمة الممنوعات، فما عاد في الجو ما يجعل المرء بعيدا عن الخوف على المساوئ، لا سيما والدخان المتصاعد من عربات القطارات يجعل لون الفضاء ابيضا، ههههههههه هل هي حقا القطارات؟ أم هي العبوات الناسفة والسيارات المفخخة التي ما مر يومD في عراقنا إلا وتصدرت نشرات أخبار كل الفضائيات، وليس لنا غير أن نحصي عدد شهدائنا وجرحانا، والمضحك المبكي تصريحات حكامنا عن استقرار الوضع الأمني..يا للبؤس، ربما يعتقد حكامنا أن معيار استقرار الوضع الأمني هو بحجم عدد الشهداء، فعندما يكون عدد الشهداء أقل من ألف يوميا يعني ذلك أن الوضع الأمني مستقر، وأكثر من ذلك يكون العكس.
أحدق في الفراغ مليا، وأنصب خيمة للعزاء على غرسات الأمل في روحي، فما عاد ينفع معها كل اسمدة التفاؤل، مثلما لم يعد ينفعها فرح القصائد والتغني بمستقبل تتفتح فيه الأزهار كل صباح وتزقزق فيه صغار العصافير، السنوات تهرول مسرعة نحو حافة الهرم، فقد مرت عشر منها على انتهاء نظام القمع والتسلط والقتل ولما يزل قتل العراقيين أرخص من قتل بعوضة تائهة، ولكثرة القتلى ننسى عددهم وقد ننسى أسماءهم ربما، ويبدو أن الاخرين معنيون أكثر من حكامنا بعدد قتلانا فقد تضمن تقرير الأمم المتحدة هذه العبارة ( عدت الأمم المتحدة أن أوضاع حقوق الإنسان في العراق شهدت تراجعا مثيرا للقلق سنة 2012 المنصرمة بعد تزايد أعمال العنف التي اوقعت 14 ألف ضحية في هذا العام لوحده)، فهل يوضح لنا حكامنا ماهية استقرار الوضع الأمني؟
أحدق في الفراغ مليا، فتمتلئ كفي بالريح وهي مستقرة على صدري، وكأنني اسمع صراخ اليتامى والأرامل يأتي من البعيد البعيد، حيث ماكنة القتل اليومي يطغي ضجيجها على كل شيء، بدءاً من صراخ اليتامى والأرامل واستغاثة الجرحى وانتهاءً بتصريحات حكامنا عن استقرار الوضع الأمني، فقد نشرت بعثة الأمم المتحدة (يونامي) تقريرها عن شهر حزيران هذا العام وهو يوضح أن عدد القتلى من العراقيين في هذا الشهر 700 شخص فقط.! أما عدد الجرحى فهو 1771 وأيضا فقط! يا لهذه الفقط كم هي كبيرة أمام عيون التاريخ؟ وكم هي صغيرة أمام عيون حكامنا؟
أحدق في الفراغ وأنا استقر بكل ثقل حزني عند حافات نيتشه حيث يقول :
(العالم من برونز
ثور هائج أصم تــُجاه الصرخات،
يومض السكين وجعي يكتب
« في دماغي
ليس للعالم قلبٌ
وجنون على ذلك أن نعاتبه» )