المنبرالحر

أزمة المواطن العراقي/ خضر عواد الخزاعي

أزمة العراق السياسية في جزء كبير منها هي أزمة مواطن حين يكون هذا المواطن هو الفيصل في اختيار النائب الذي سوف يمثله خلال دورة برلمانية تستمر لأربع سنوات يتم فيها إقرار القوانين المهمة التي تساهم في بناء وتطوير البلاد بالإضافة إلى الدور الرقابي ومن خلال أكثر من ثلاث دورات انتخابية تشريعية في الأعوام ( 2005 – 2010 – 2014 ) واقتراعين كان الأول منهما لانتخاب مجلس تأسيسي مؤقت لكتابة الدستور ومن ثم التصويت على هذا الدستور في دورة اقتراعية لاحقة في العام 2005 بدا الناخب أو المقترع العراقي أنه لم يكن بمستوى المشروع الديمقراطي الذي كان يٌؤسس له في العراق بعد حقبة طويلة من الحكم الديكتاتوري الشوفيني العنصري البغيض الذي ابتدأ منذ إنقلاب شباط في العام 1963 لينتهي عند سقوط هذا النظام في العام 2003 .
ربما كان من أسباب التقاطع الذي حصل لدى المواطن بين الرغبة في التحرر وبين انخراطه في المشروع الطائفي التقسيمي للأحزب السياسية ربما يكون أحد أسبابه التغيير الذي حصل في حينها والطريقة التي حدث بها وما خلفه من فراغ دستوري وأمني والذي ربما يكون سابقاً لوقته وكان من المفترض أن يسبق ذلك التغير المفاجيء مرحلة إنتقالية متكاملة الجوانب الدستورية لكن كل ذلك لم يحصل وحصل التغيير بطريقة مغايرة وكما أرادته أمريكا أما حدث بعد ذلك وإن كان في شكله العام إطاراً لنظام وتجربة ديمقراطية لكنه طبق ونفذ بطريقة بعيدة كل البعد عن روح الديمقراطية فالديمقراطية ليست صناديق اقتراع وانتخابات ومرشحين ومجالس منتخبة بل هو في صميمه ثقافة شخصية ومجتمعية وإرادة حقيقية في إحادث التغيير والإنقلاب على الأضاع الشاذة والفاسدة لكن الساحة العراقية وبعقلية المواطن والنخب التي تعودت خلال عقود من السنين على أن تكون المتفرج على مايحدث حولها من إنقلابات ومؤمرات كانت تطيح بالرؤساء والقادة وتاتي بغيرهم ظل المواطن أسير لتلك الحالة السلبية وكانت الساحة العراقية وقتها مهيئة تماماً لأحزاب الإسلام السياسي لتكون البديل عن أحزاب اليسار التي عجزت وخلال كل تلك السنوات من قيادة ثورة حقيقية تطيح بالطاغية وحزبه أما الأحزاب الدينية سواءاً كانت سنية أو شيعية فإنها لم تستطع أن تحرر نفسها من انتمائها العقائدي الذي تشكلت فيه وبالتالي فإنها لم تستطع أن تتخلى عن موروثاتها العقائدية التي كانت في جانب منها محددات طائفية لوجهة انتمائها وديمومتها لذلك فأن ما وقع بعد التغيير وما طرح من برامج انتخابية وحزبية من خلال ماتبنته تلك الإحزاب والنخب السياسية والإجتماعية وما تخللها من أحدث لم يكن له أدنى علاقة بالنظام الديمقراطي فلقد كان الشغل الشاغل لهذه الشرائح السياسية هو التركيز على تقاسم الثروات الهائلة للعراق بشتى الطرق والوسائل وحتى الغير مشروعة منها بالإضافة إلى قيامها بالخطوة الأخطر في تاريخ العراق وهي التحشيد الجماهيري الذي بني على أسس طائفية وعنصرية رسخ الإنتماء الأثني والقومي وأبعد عن روح المواطن مفهوم الإنتماء الوطني وجعل الهوية الوطنية بالدرجة الثانية من اهتمامات المواطن وهذا ما شجع الكثير من الأحزاب العراقية على خلق اصطفافات جديدة في الساحة العراقية أساسها الدين والطائفة والقومية وبنى عليها كل استحقاقته الإنتخابية فحدث الفرز الطائفي والحديث عن أغلبية سياسية تمسك بمقاليد الحكم وأقلية حاولت أن تبدو أمام العالم والمحيط الإقليمي بأنها أقلية مهمشة مستلبة الحقوق وقومية عنصرية في شمال العراق كانت تحاول أن تضمن كل ما يتاح لها من فرص لتقوية نفوذها .
إن أي نظام ديمقراطي في العالم لايمكن له أن يتأسس وينمو في ظل سيادة تامة للأحزاب الدينية على الشارع فالديمقراطية نظام علماني تحرري يقوم على مبدأ الحرية الفردية مجردة من كل القيود التي تربط مصيرها بأي فكر تقوم على منهج الإستعباد والإنتماء خارج حدود الهوية الوطنية ومشكلة الأحزاب العراقية التي انعكست بصورة سلبية على المواطن العراقي هي أنها في مجملها كانت أحزاب دينية الهوية والإنتماء حيث الهوية العالمية والأممية للدين الإسلامي وإذا حاولت هذه الأحزاب أن تبحث لها عن إنتماء أكثر تحديداً فإنها ستسقط في فخ الطائفية كما حدث مع حين حاولت هذه الأحزاب أن تتحرر من سطوة الإنتماء الأرحب للدين فلم تجد أمامها غير الطائفة التي من خلالها ستحاول أن تحشد ما تستطيع من جمهور وجد في ظل هذا التحشيد الخطير للأحزاب الدينية في الطائفة الملاذ الآمن لتحقيق طموحاته وأمنه .
لقد استطاعت الأحزاب العراقية وبطريقة ماكرة من توظيف الدين والطائفة لتثبت من وجودها ومساحة نفوذها وتجعل من المواطن أسير هذه السياسات التي مع مرور الوقت أصبحت الدستور الغير معلن الذي تقوم عليه السياسة العراقية وبالتالي فإن هذه الأحزاب نجحت في إنها جعلت من المواطن مطية لأهوائها وسياساتها ودخل العراق في معترك تكرار دائم لأزمات ليست لها حلول وتحول التغيير إلى حلم يراود مخيلة الكثيرين لتتحول أزمات العراق المزمنة إلى أزمة مواطن وقع ضحية إنتقال حاد في أوضاع غير طبيعية وشاذة من نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي كانت الراعية له دولة أعطت الشرعية منذ الأيام الأولى لكل من يحمل السلاح ضدها تحت عنوان ( المقاومة) لتحول نفسها من دولة أدعت انها جاءت مٌحررة إلى دولة احتلال مما عمق الشرخ في البناء الهش للدولة العراقية التي وجدت نفسها منذ الأيام الأولى مجردة من أهم مؤسساتها الأمنية وهو الجيش العراقي حيث أصبحت الفوضى السمة المميزة للواقع العراقي حينما لم تجد من يوقفها ويفرض النظام ويردع من أثارها في عملية كان المخطط لها أن تقوم بتدمير كل ما تبقى من بنى تحتية .
أن أزمات العراق وعلى مختلف المستويات السياسية والأمنية والخدمية والبنيوية ستبقى مرتبطة وعلى الدوام بأزمة المواطن الذي عليه إذا أراد أن يحدث أي تغيير أن يبدأ بنفسه ويقوم بتغيير الأسس والولاءات المغلوطة التي اعتمدها خلال السنوات الماضية .