المنبرالحر

صوت الاحتجاج هتاف الثورة ومحركها / علي عرمش شوكت

ان منابع الاحتجاج تخرج من تحت ركام الظلم والتعسف، ومن البديهي ان تكون جارفة، وان صوت الغضب المكتوم حينما يجد فرصته للانطلاق عادة ما يغدو قادراً على اختراق حواجز الاستبداد، ويقلب المعادلة لصالح المستغيث المنتفض. وقد عرف عن صوت الاحتجاج تاريخيا بانه، هتاف الثورة ومحركها، ولكن هذا الصوت لا تطلقه الا الحناجر التي زهقت وبحت من كثرة مقارعة سياسة الاستعباد واستغلال الانسان لأخيه الانسان، الا ان الذي يكبح تأثيره على اسقاط الطغم المتسلطة الظالمة، هما الخنوع والخوف اللذان يتأتيان بفعل شدة القمع السلطوي والكبح الديني المسيس، رغم ان ذلك امراً نسبياً مقروناً بطبيعة القوى المحركة والقائدة.
اهتزت مشاعرنا حقاً ونقف اجلالاً اليوم لصوت الاحتجاج المنطلق من جماهير ميدان التحرير في القاهرة ، هذه الجماهير التي عودتنا على قدرتها لقهر الظلم واسقاط دهاقنته على مر التاريخ، مهما تغلف بالشرعية الانتقائية مزدوجة المعايير ، التي يتمشدق مدعوها بـ " الاكثرية الانتخابية "، ومن اليسير دحض هذا الادعاء، ففي تاريخ الشعوب العديد من امثلة قد سجلت صوراً صارخة لبؤس "الاكثرية" حينما تأتي بدكتاتور سرعان ما تسكره نشوة انتصاره ويغدو قصير البصر وفاقداً للبصيرة، ولا تبتعد رؤيته عن ظله من حاشيته المستفيدة تلك التي لا تتوانى عن الانقلاب حتى على اسيادها في اية لحظة سانحة.
ومن الملاحظ ان بعض من يفوز بالأكثرية في العملية الانتخابية في البلدان حديثة الممارسة الديمقراطية، يصيبه الوهم بانه باق الى ما لا نهاية، ومن هذا الفهم الخاطئ يركب رأسه ويتجاهل حتى على حقوق ناخبيه، ويتجلى ذلك الان بأقرب مثل في الوضع المصري، ولا يغيب عن بال احد بان من رجح كفة " محمد مرسي " للفوز برئاسة جمهورية مصر هم " الشباب " بعد ان رفضوا اعطاء اصواتهم الى " احمد شفيق " باعتباره ينتمي الى نظام مبارك، واختار اغلبهم منافسه، ولكن اول من نسي الشباب هم " الاخوان المسلمون "، فور استلامهم دفة السلطة، وقد جاء ذلك على لسان " محمد مرسي " في خطابه الاخير. ويقيناً ليس بمقدور احد انكار دور منظمات الشباب الرائد في تفجير ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، كما انتزعوها بالاشتراك مع القوى الوطنية الاخرى من حكم العسكر.
ان تجليات الوضع في مصر قد كشفت بكل وضوح منهج القوى المدنية في التمسك بالديمقراطية من جانب، والسلوك الحضاري السلمي في المعارضة في سبيل التغيير من جانب اخر. وهو انعكاس لمستوى الوعي والثقافة السياسية لدى الشعب المصري، ولابد من الاشارة هنا الى ما يقابل ذلك من سلوك القوى الاسلاموية التي لا تجد غير اساليب الفرض والتسلط بالقوة، واذا ما شاركت بالعملية الديمقراطية راحت تقتصرها بحدود استلامها للسلطة، التي غالباً ما تحصل عليها من خلال التجييش الديني واستغلال بساطة الناس الهامشيين، لكن هذا المنهج لن يطيل البقاء في ظل الفشل في مناهج الاسلام السياسي التي لا يجمعها جامع مع مصالح عامة الناس، مما يثير الحس الحقوقي والمصيري لدى الجماهير.
الفشل الذريع لدى قوى الاسلام السياسي في مصر هو الذي دفع الى الاحتجاج وانخرطت فيه حتى الجماهير التي اعطت اصواتها لهذه القوى. واذا ما كان فشل حصيلة عام واحد قد اجج الوضع في مصر. فماذا يقول شعبنا العراقي وهو يأكل ويشرب وينام على وسادة الفشل لمدة عشر سنوات. هذا وناهيك عن الفساد ونهب ثروات البلد الذي ليس احد عوامل الانتفاضة الجماهيرية في مصر. اذن ثمة سر في خفوت صوت المعارضة وغياب ملامح الانتفاضة رغم وجود وتراكم عوامل انفجارها. فاين يكمن سر السكون في الحركة الاحتجاجية في العراق ..؟ هذه التي لم نلمسها منذ ما قام به شباب الخامس والعشرين من شباط في ساحة التحرير.