المنبرالحر

مؤثرات التشدد اﻷسلامي على الشخصية الفردية والمجتمعية (القسم الأول) / د. علي الخالدي

بعد الهجمة اﻷخوانية في المنطقة وسيطرة الإسلام السياسي على مقادير المرحلة الإنتقالية وتحويلها من ربيع عربي الى شتاء قاري، بفرض أساليب متنوعة تركت بصماتها على الشخصية الفردية والمجتمعية لشعوب المنطقة ، خصوصا بين الفقراء من عامة الناس عن طريق إستغلال عامل الفقر والحاجة اﻷقتصادية ، التي إستجابت لها ا القدرة المالية لهذه اﻷحزاب بما تلقته من مساعدات مالية هائلة من السلفية السعودية والقطرية ،والدعم المادي واللوجستي من دول مبدعي العولمة ، فمنذ الوهلة اﻷولى لتغيير المسار الديمقراطي للمرحلة اﻷنتقالية لشعوب المنطقة، سعى اﻷخوان المسلمون ،وأﻷسلام المتشدد، ومن في دائرتهم في منطقة الشرق اﻷوسط ، سعوا الى تقزيم الديمقراطية وتفصيلها على مقاسات اﻷخونة والتشدد اﻷسلامي ،اللذين لا يستوعبا منطق توسيع دائرة القرار، ويضيق صدرهما من حج الآخرين ، فيعملا على الانفراد بإدارة البلاد بعيدا عن التوافق الوطني العام وتعددية مجتمعه القومي والديني والطائفي والسياسي ، معتبرين أن التضاد معهم لا يقبل المهادنة ، وخصوصا مع العلمانيين والفنانين والمثقفين ،وإن جوهر الصراع الدائر معهم ليس التناقض الجوهري بين ما يطرحونه للإعلام وبين ما يقومون به من ممارسات عملية على الصعيد الوطني والمجتمعي ،من تحَشيد كل ما من شأنه تقوية مواقعهم السياسية واﻷقتصادية ،باسم الديمقراطية ،بعد أن كانوا يتفرجون على الحراك الشعبي ،من على أرصفة الشوارع ، وبالعمل على تجييش صفوف ،المداحين والمتملقين بإستعمال مفردات ،ومفاهيم تزدحم بها حناجرهم في خطب الجمع تٌشابه ما كان يورده ما أطيحَ بهم من دكتاتوريين قبل اﻷنتفاضات الشعبية ،فارضين على الملايين من الناس طقوس عباداتهم ، وفي أفضل الحالات ،العمل على تليين عقولهم ليبذروا فيها حبوب التشنج الديني والطائفي والمللي ،كي تتقبل ،فرض ضريبة الجهاد اﻷرهابي ، لمكاسب آخروية وهمية على حساب ما يمليه الواجب الديني الحقيقي ، من فروض دنيوية لصالح الناس جمعيا ، حتى لو كُلفوا بقتل النفس التي حرم الله قتلها ، كما كانت تقوم به اﻷنظمة الدكتاتورية ، تطبيقا لمقولة أجمعوا عليها ،وهي ،من يرمينا بحجر نرمية بقنبلة داخل بيته ،ولا حرية ،ولا ديمقراطية بل لا حياة بيننا لمن يختار مكانا خارج النظام وقيمه وممارساته ،ويمكن القول أن كل مواطن معرض الى أنتزاع الحياة منه إذا ما عارض مثل هذه الخصوصية ، وتجاه هذه اﻷصرار في نشر الفكر الديني المتشدد يُتَخذ الصمت ممن يطالب بتطبيق حقوق اﻷنسان ،ومن يحرص على تصدير الديمقراطية للشعوب ،ويتعاطف بهذا الشكل أو ذاك ، مع سياسة التشدد اﻷسلامي ، فلولا دعمهم ،ﻷهتزت كراسيهم ، فهم لا يسمعوا ولا يروا ما يقوم به المتشددون اﻷسلاميون من خرق لحقوق اﻷنسان وبصورة خاصة المراءة ، معتبريها عورة تعيق ما يطمحون لبناءة في بلدهم وحتى في العالم ،
فاﻷسلاميون الجدد يخططون للسيطرة على ثلاث حقول هي اﻷقتصاد والأمن والتعليم ، لتتسارع مقدرتهم بشكل تدريجي للإستيلاء على بقية الحقول ، ويضعوا إستراتيجية بإسم الديمقراطية النسبية للإستحواذ على مقاليد التعليم اﻷولي والعالي ليكون مطاوعا لنهجهم وﻷفكارهم ،التي لا تؤمن بخطاب يحاجج العقل والفكر ، خطاب لا يتقرب من ديمقراطية التعليم ،ويبتعد عن الديمقراطية اﻷجتماعية ، خطاب يضع في الصدارة محاربة الثقافة والفن والسينما والموسيقى والمسرح ، وكل من يضطلع بها ويعمل على تطويرها ،حتى لو تطلب ذلك تصفيته جسديا كما حصل ويحصل حاليا في العراق ،بغية زرع الخوف والفزع في الشخصية الفردية والمجتمعية ،وتشويه تقاليدها ، وبالتالي تشظي النسيج اﻹجتماعي المتجانس لشعوب المنطقة ، والعمل على إحلال قيم غريبة ، غير متعارف عليها في تلك المجتمعات كما نراه في العراق ومصر وشمال أفريقيا وما يجري عن طريق إسالة الدماء في سوريا على أساس ديني ومذهبي و ميللي.
لقد أدركت الشعوب منذ القدم أن هناك ثلاثة عوامل تساهم في بناء الشخصية الفردية والمجتمعية ، هي العائلة والمدرسة ونهج الحكم بما يفرضه من قوانين خاصة وعامة فإذا كانت المدرسة هي من يصقل ، وتُطور عقلية الطفل ، فإن العائلة مسؤولة عن تهيأة مستلزمات إدامة الدوام فيها ،تزامننا مع ما تقدمه الحكومة . إلا أن في هذه الدول ، هناك الكثير من العوائل تعجز بسبب ضيق الحال اﻷقتصادي (الذي يستغله التطرف الديني) من توفير ذلك ، فتُخرج أطفالها من المدارس ليدخلوا سوق العمالة توفيرا للقمة العيش ، لتستغل ، ويدخلون عالم اﻷمية ، ومن، يبقى في المدرسة يقع تحت رحمة عقول المتشددين اﻷسلامين ،زارعين مفاهيم التشدد الديني ، في المناهج التعليمية ،فيُحجب التعليم المتنور ، والمختلط ( تعزل اﻷناث عن الذكور منذ التعليم اﻷولي) بينما في دول أخرى يٌحَرم اﻷناث من التعلم ،
يدرك عامة الناس إن اﻷطفال ليني العقل والفكر تجاه تقبل مختلف اﻷفكار ،وهم كالطينة بيد العائلة والمجتمع والنظام ،الذين تقع عليهم مسؤولية بناء تكوينهم الشخصي ليصبح ذات شواهد بارزة ، كما تفعل أيادي النحات من أية مادة ،فتحولها الى شيء جميل أو قبيح , هكذا تفعل العائلة والمدرسة فهما من يزرعا قيم التواضع والقناعة ، بينما يسعى التشدد اﻷسلامي الى خلق الإنسان ليكون شخص غريب حتى عن نفسه في تواصله الإنساني ، فيتحول الى إنسان لا يكترث ﻷي شيء في الحياة ، ولا يعطيها قيمتها، وجوهرها , إلا من خلال طبيعة ما يتعلمه من قواعد دينية محدودة اﻷفاق ، تستنكر قوانين الطبيعة والتراث والحضارات القديمة لشعوبها ، وبما إن مجتمعات المنطقة متعددة اﻷديان والطوائف والملل ، فمن الطبيعي أن يؤثر ذلك على شخصية الأطفال ، إذا لم تحصنه العائلة والمدرسة بالروح الوطنية ،وبحرية التبحر في ثقافات ما حوله , فسيتطاوع وينقاد لممارسة ما يُفرض عليه من طقوس مذهبية ، التي هي بحد ذاتها عامل زرع ،وإستنهاض التحدي والحقد بين الطوائف والمذاهب , فيتحول الى عدو لنفسه ولمحيطه ، يقوده الى اﻷقتناع بتنفيذ ما يوكل اليه من عمليات إرهابية .