المنبرالحر

مرض الإدمان على السلطة / مرتضى عبد الحميد

في تصريح لزوجة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قبل بضع سنوات، تصف فيه حال الرئيس عندما خرج من قصر الاليزيه، ليجد نفسه بعيداً عن الأضواء والمسؤوليات والبرنامج اليومي المزدحم، فضلاً عن أبهة الرئاسة، بأنه فقد التوازن في شخصيته، وكان يتصرف في بعض الأحيان، بغرابة ولا عقلانية. ولم يستطع العودة إلى وضعه الطبيعي إلا بعد مرور سنة كاملة، وتشكيله جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان لما وراء البحار، انشغل فيها، وأخذت الكثير من وقته.
فإذا كان الحال هكذا في بلد متطور وعريق في الديمقراطية مثل فرنسا، ورئيس مثل جاك شيراك فكيف سيكون حالنا في العراق؟ لاسيما وان غالبية المسؤولين فيه، لا يأتون بسبب كفاءاتهم ونزاهتهم، ولا نتيجة انتخابات ديمقراطية خالية من الغش والخداع والتزوير، وإنما يثبون إلى السلطة في غفلة من الزمن، وعلى عربة مهترئة فيها من «البناجر» ما لا يحصى، هي عربة المحاصصة والطائفية السياسية.
ولهذا السبب تحديداً علينا أن نكون منصفين، ونعطيهم بعض الحق في تشبثهم بالسلطة حد الاستقتال، وفي إتباعهم لكل الوسائل والطرق الشريفة وغير الشريفة، فهم لم يصدقوا أنهم تربعوا على قمة الهرم السلطوي، وفي دولة من بين أغنى الدول في العالم، ولذالك فقدوا توازنهم على الصعيدين الشخصي والسياسي، وطاشت سهامهم وهم في السلطة، فكيف إذا خرجوا أو اخرجوا منها؟ وبما يعنيه هذا الخروج من فقدان للمكاسب والامتيازات، ولنهب للمال العام، ومن خسارة للنجومية في الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى.
أن أناساً من هذا الطراز، سيكون من الطبيعي تماماً، أن يتنكروا لكل الوعود المدافة بعسل الخداع، ولكل الشعارات البراقة التي يرفعونها عادة قبل كل انتخابات وأثنائها، لان المهم بالنسبة لهم، هو كيف يتفوق احدهم على الآخر، ويزيحه من طريقه، ليس ببرنامجه الانتخابي، ولا في خدمة المواطنين، آو في الأقل من يدعون تمثيلهم، سواء كانوا من الطائفة، أو القومية، أو العشيرة، أو المنطقة الجغرافية، وإنما بالتجييش الطائفي، وكل أنواع الاثارة والاستقطاب، التي تمزق الشارع العراقي، وتحوله إلى متاريس متقابلة، تسودها البغضاء والكراهية، وتمهد لحروب أهلية طاحنة.
وكما هو متوقع أيضا، فأن هؤلاء المتشبثين بالسلطة حد التهالك، والمدمنين عليها، سوف لا يتعففون عن استخدام أية وسيلة، لإفشال البديل عنهم، وان كان من بني جلدتهم، وهو ما يحصل الآن مع السيد «العبادي» فتارة يتنادون للقيام بتظاهرة تطالب باسقاطه، وإعادة البلد إلى الرفاه والاستقرار الذي كان يعيشهما ! وتارة يرحلون كل الأوضاع المأساوية والكوارث التي حصلت في الفترة السابقة إلى الحكومة الجديدة، رغم أنها تسلمت الدفة قبل شهر وبضعة أيام، بالإضافة إلى الدعايات المغرضة والإشاعات اللئيمة، وفبركة الأخبار والحوادث، ووضع العراقيل والمعوقات، بغية إفشال التغيير، وإجهاض الخطوات المحدودة التي تحققت، وما يأمله شعبنا من تعزيز وتطوير لها، علّها تصل بسفينة العراق إلى الشواطئ الآمنة، أو بالقرب منها.