المنبرالحر

التعذيب يلاحق اللاجئين حتى في بلدان المهجر؟ ألمانيا نموذجاً! / كاظم حبيب

تتفاقم الصراعات والنزاعات السياسية وتتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عدد متزايد من دول الشرق الأوسط على نحو خاص تليها في هذا المضمار الكثير من الدول الأفريقية. ويتعرض المزيد من سكان هذه الدول إلى شتى أنواع انتهاك حقوق الإنسان...

...لكل ذلك كان الهروب من تلك الأوضاع واسعاً جداً بحيث وصل عدد الهاربين إلى عدة ملايين نسمة.
وغالباً ما يتوجه اللاجئون إلى الدول المجاورة ومنها إلى أوروبا إما عبر الأمم المتحدة أو عبر عصابات الجريمة المنظمة التي تمارس تهريب الناس لقاء مبالغ طائلة وعبر وسائل نقل لا ضمان للنجاة فيها والوصول إلى الهدف المبتغى. وقد مات عبر هذه الأساليب من تهريب البشر على وفق تقارير الأمم المتحدة أكثر من 40 ألف إنسان خلال الفترة الواقعة بين 2000-2014. وهذا يعني أن معدل وفيات السنة الواحدة وصل إلى 2857 فرداً، وهو عدد كبير حقاً. والأرقام السوداء الفعلية أكثر من ذلك بكثير
تحتضن أوروبا الكثير جداً من اللاجئين السياسيين أو الهاربين من جحيم الحروب الداخلية والإرهاب والقمع السياسي والبطالة والجوع والحرمان، سواء أجاءوا من دول في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط، أم من دول أفريقية فقيرة أتى الاستعماريون القدامى والجدد على ثرواتها الأولية. ولكن ليس كل هؤلاء يحصلون على حق اللجوء في أوروبا، إذ غالباً ما يعاد الكثير منهم إلى أوطانهم. ومن يقبل منهم يوضع في دور خاصة مؤقتة طويلة الأمد إلى أن تحسم قضاياهم وأحياناً يوضعون في معسكرات واسعة لا تتوفر فيها الرعاية الضرورية. وهناك دول أوروبية تعاني أكثر من غيرها بسبب وقوعها ضمن حوض البحر الأبيض المتوسط مثل اليونان وإيطاليا التي يصلها اللاجئون عبر البحر ويموت الكثير منهم غرقاً بسبب نقلهم بسفن لا تمتلك مقومات حمولتها البشرية الكبيرة وهي غير مصانة من مخاطر البحر الذي يكون هائجاً أحياناً غير قليلة وأغلبها قديم وبالي وركوبها مغامرة كبيرة أدت إلى موت الكثير جداً من طالبي الهجرة واللجوء.
وخلال الأعوام المنصرمة تعرضت الكثير من دور اللاجئين المؤقتة إلى اعتداءات وتعذيب من جانب المسؤولين عنها. وقد كشف أخيراً عن ثلاث دور تابعة لشركة خاص منح لها مهمة العناية باللاجئين وبشكل خاصة ببورباخ بولاية نوردراينلاند ويستفاليا وظهرت صور التقطتها عدسة الحراس أنفسهم الذين مارسوا التعذيب والتي تقترب من صور التعذيب التي تعرض لها السجناء في سجن أبو غريب بالعراق على يد الحراس الأمريكيين في العام 2005 وكانت فضيحة كبرى حقاً وجريمة بشعة لا تقارن إلا بما كان يمارسه جلاوزة صدام حسين ونظامه بالعراق. ....
كما إن هناك معلومات تشير إلى أن هذه الحالة ليست مقتصرة على تلك الدور الثلاث التي حصلت فيهن هذه الاعتداءات المصورة بل توجد دور أخرى في ولاية ساكسن وغيرها من الولايات الألمانية التي يحصل فيها مثل هذه التجاوزات على حقوق الإنسان. كما يشار إلى وجود غرف خاصة في تلك الدور يمارس فيها التعذيب والعقوبات بحق اللاجئين ومنعهم من التبول والتغوط مما يجبرهم على التغوط على أنفسهم والتبول من الشبابيك. إنها السادية والجريمة بعينها بحق حقوق الإنسان في بلد يحترم الشرعية وحقوق الإنسان. والسؤال الذي يدور بالبال هو: هل هذه ظاهرة فردية في المجتمع الألماني، أم إنها تشير إلى واقع حال آخر لا بألمانيا فحسب بل وبالدول الأوروبية الأخرى؟
من يعيش بألمانيا ويتابع أحوال الأجانب واللاجئين السياسيين يدرك وجود ظاهرتين متباينتين (ألمانيا نموذجاً)، وهي تشمل بقية دول الاتحاد الأوروبي بما في ذلك بريطانيا:
الظاهرة الأول: تشير إلى احتضان الشعب الألماني لمزيد من اللاجئين سنوياً الذين يتمتعون بشكل عام بالاستقرار والراحة والدعم والقبول العام، وهي الأمور التي لم يتمتعوا بها في بلدانهم بأي حال، بل كانوا معرضين لشتى صنوف انتهاك حقوق الإنسان والمخاطر الجمة. وهي الظاهرة العامة والإيجابية لهؤلاء اللاجئين الذين حياتهم لا تكون في خطر.
الظاهرة الثانية: تشير إلى تنامي ظاهرة العداء للأجانب من سنة إلى أخرى منذ العقد التاسع من القرن الماضي بشكل خاص حتى الوقت الحاضر، إذ ارتفعت نسبة الخشية منهم أو الرغبة في عدم وجودهم بألمانيا والخلاص منهم بإبعادهم عن ألمانيا. وإذا كانت هذه الظاهرة عامة وليست بألمانيا وحدها بل بكل أوروبا، فأن حساسيتها بألمانيا أكبر بسبب اختلاطها مع معاداة السامية والتجاوزات المتزايدة على الأجانب وتاريخ ألمانيا. كما لا تزال التحقيقات جارية في تلك المجموعة النازية الجديدة أو المنظمة السرية التي قتلت 9 مواطنين من أصل تركي ويوناني إضافة إلى شرطية ألمانية بخلفية عنصرية ومعاداة للأجانب والتي لم ينته التحقيق بها حتى الآن وبروز معطيات ومعلومات جديدة تزيد من دائرة المشاركين في هذه الجريمة أو الذين سكتوا عنها. من يعيش بألمانيا يكون شاهد عيان على اتجاه يميني تنامى في السياسات الداخلية والخارجية لألمانيا والذي تجلى أيضاً في سياسات غالبية الأحزاب والتي يشعر بها المواطن أو المواطنة بشكل خاص أثناء الحملات الانتخابية المحلية والعامة حيث تبرز شعارات شعبوية لكسب اليمين موجهة ضد الأجانب أو المطالبة بتشديد شروط قبول اللاجئين أو تعقيد إمكانية حصولهم على عمل..الخ.
لا شك في أن كثرة اللاجئين يساعد في نشوء مثل هذه الأجواء غير الودية ولكنها ليست الظاهرة الأساسية في المجتمع الألماني، رغم تزايد تأثير ودعايات اليمين القومي المتشدد والقوى النازية الجديدة ضد الأجانب وضد وجودهم بألمانيا.
إن المشكلة بالأساس تكمن في غياب إستراتيجية ألمانية واضحة لاحتضان اللاجئين والأجانب عموماً رغم حاجة ألمانيا الماسة للأجانب الشباب الذين يساهمون في تجديد الهرم السكاني بألمانيا والذي يميل إلى تراجع سن الشباب وارتفاع نسبة كبار السن إلى مجموع السكان. إن الأجانب يساهمون سنوياً بنسبة عالية في زيادة عدد الشباب، إذ أن عدد الولادات في صفوف الأجانب أعلى كثيراً مما هي عليه في صفوف الشعب الألماني.
كما إن الأجانب القادمين من دول مختلفة يحملون معهم مأساة بلدانهم ومشكلاتها وظروفها وجهل الكثير منهم بعادات وتقاليد الشعب الألماني وعدم احترام البعض الكثير لتلك التقاليد والعادات والالتزام بالقوانين المرعية، إضافة إلى وجود كثرة نسبياً من المسلمين المتشددين الذين يسعون إلى كسب الناس لدينهم أو إقلاق راحة المسلمات بالدعاية لارتداء العباءة والحجاب الذي يقود إلى نشوء مشكلات أو إلى سوء تفاهم وتجلياتها ذلك في رفض وجود الأجانب كجزء من العوامل الفاعلة في هذا الصدد. ولا بد لنا من الإشارة الى أن 450 من الشباب المسلم المتطرف والمتشدد قد غادر ألمانيا ليساهم في تنظيم داعش الإجرامي بالعراق وسوريا وقد نشروا صوراً لهم وهم يتهددون الناس بالذبح بالسكين!!!
إن الواقع الذي مرت به ولاية نوردراينلاند ويستفاليا يجب أن لا يتكرر. ولكي لا يتكرر لا بد من وجود استراتيجية احتضان اللاجئين وتغيير أسس وأساليب العمل الجارية في دور اللاجئين إلى ألمانيا من خلال نظام العمل والقوى العاملة فيها وأساليب وأدوات العمل والرقابة الحكومية ومنظمات المجتمع المدني على هذه الدور ووجود جهات معينة يمكن تقديم الشكاوى إليها لمعالجة المشكلات التي تنشأ فيها. كما يفترض أن لا تكون هذه الدور محل جني أرباح من جانب الشركات الأجنبية على حساب اللاجئين التي تحقق اليوم أرباحاً كثيرة بسبب تقليصها للعاملين في هذه الدور وسوء المواد الغذائية التي تقدم وتعيين أناس لا شهادات لديهم ولا معرفة أو خبرة بأسس التعامل مع الأجانب، إضافة إلى كون بعضهم معروف بنزعته صوب العنف في تعامله مع الآخر.
إن الإدانة الشديدة من جانب الحكومة الألمانية والمسؤولين في الولاية وفي وسائل الإعلام يفترض أن يأتي أكله من خلال إجراء تغيير جذري في هذه الدور وهو أقل ما يمكن عمله، إضافة إلى ضرورة تقديم هؤلاء الذين مارسوا العنف وانتهاك كرامة الإنسان اللاجئ إلى المحاكمة لينالوا الجزاء العادل ليكونوا درساً رادعاً لغيرهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
"مقتطفات"