المنبرالحر

مجلس الامن الدولي يرفع من شأن التنظيمات الارهابية الى مستوى الدول ذات السيادة / هادي عزيز علي

(قرار جورج بوش بالحرب على الارهاب خطأ" جديا على المستويين المعياري والبراغماتي , فعلى الصعيد المعياري يكون قد رفع من شأن هؤلاء المجرمين الى مصاف اعداء الحرب , وعلى الصعيد البراغماتي , لا نستطيع ان نقول حربا اذا كان مصطلح "الحرب" لا يزال يحتفظ بمعنى معين) - يورغن هابر ماس (1) .
بيّن مجلس الامن الدولي بقراره المرقم 2170 في 15 / آب / 2014 انه (يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة), واعاد الكرة في قراره الاخير المرقم 2178 في 24 / ايلول / 2014 بالمضمون السابق نفسه، ولما كانت نصوص الفصل السابع خاصة وميثاق الامم المتحدة عامة قد وضعت لاعتبارات دولية متجسدة برؤية المنظمة الاممية في ايجاد نظام قانوني يحفظ السلم والامن الدوليين على اثر انتهاء الحرب العالمية الثانية والاثار المترتبة عليها، فضلا عن التشريعات اللاحقة التي رافقت الحرب الباردة, ولم تكن من ضمن تلك النصوص احكام مختصة?بالتعامل مع الارهاب لكون الاخير لم تكن يومها قد ظهر على مسرح الاحداث
، ولم يدر في خلد المشرع الدولي انذاك ما سيقع مستقبلا من الممارسات الارهابية، وباختصار ان ميثاق الامم المتحدة خلا من نصوص تتعامل مع مثل هذه النشاطات، وكان يجدر بالمشرع الدولي بعد بروز ملامح الارهاب ان يتخذ ما يلزم من اجراءات تشريعية لمواجهة الخطر القادم، ولا يكتفي بالاحكام الواردة في ميثاق الامم المتحدة التي اصابها التقادم جراء التحولات الكثيرة في العلاقات الدولية، ليتفاجأ بالارهاب وقد رمى بثقله على الساحة الدولية كاشفاً عن تقادم احكام القانون الدولي الكلاسيكي بشكل عام وليجعل العالم في مواجهة عوز تشريعي ف?لي.
فميثاق الامم المتحدة يتعامل مع الدول ذات السيادة باعتبارها الاشخاص الدولية الاساسية للقانون الدولي العام وهي المقصودة بميثاقها, لذا فان الاخير حرص على (مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الاعضاء) المادة (الثانية / 1) من الميثاق, اي ان الميثاق يخاطب الدول المستقلة ذات السيادة وهي الاشخاص الدولية المشمولة بنطاق سريانه.
ففي اي نزاع يهدد السلم والامن الدوليين فان الميثاق رسم الآلية القانونية للتعامل مع ذلك التهديد، اذ تبدأ الخطوة الاولى باحكام الفصل السادس الذي الزمت نصوصهالاطراف الدولية, المتنازعة ان يلتمسوا حله بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، المادة (الثالثة والثلاثون) من الميثاق. وفي حالة الاخفاق وانغلاق كل سبل الحل تتم معالجة الامر على وفق احكام المادة (السابعة والثلاثون) من الميثاق التي تنص على: (اذا اخفقت (الدول) التي يقوم بينها نزاع من النوع المشار اليه في المادة الثالثة والثلا?ين، في حله بالوسائل المبينة في تلك المادة وجب عرضه على مجلس الامن) - ونحن هنا لم نزل في احكام الفصل السادس - وان مجلس الامن الدولي اذا وجد ان احكام الفصل السادس لم تجد نفعا مع استمرارية النزاع الذي يشكل خطرا على السلم والامن الدوليين فيتصرف والحالة هذه على وفق احكام الفصل السابع من الميثاق.
مما تقدم من نصوص تضمنها ميثاق الامم المتحدة يمكننا ان نستنتج امرين:
الاول لا يجوز الذهاب الى احكام الفصل السابع والتصرف بموجبه الا بعد استنفاد الاجراءات المطلوبة في احكام الفصل السادس من مفاوضة اووساطة اوتحكيم وسواها من وسائل التسوية، ولما كانت المنظمات الارهابية لا تصلح ان تكون محلا للتفاوض او الوساطة او التحكيم او التوفيق وغيرها، لانها ليست من اشخاص القانون الدولي, ونظراً لعدم وجود مرجعية قانونية دولية للتعامل معها سواء في ميثاق الامم المتحدة او في اي نص آخر يعود للاحكام العامة للقانون الدولي العام ، لذا فهي مستبعدة اصلا من احكام هذا الفصل، وعليه فان التصرف على وفق ا?كام الفصل السابع المشار اليه في القرارين المنوه بهما في اعلاه يعد قفزا على النصوص القانونية الدولية فضلا عن كونها عملية لَي عنق تلك النصوص لكي تتماهى مع الاحداث الارهابية. وسلوك مجلس الامن هذا يعبر عن فشل المؤسسة الدولية للتعامل مع الارهاب من الوجهة القانونية،وهذا ما أكده الرئيس الاميركي (اوباما) في خطابة الاخير في الامم المتحدة بتاريخ 24 / ايلول / 2014 اذ قال بالحرف الواحد :(فشل مبادىء الامم المتحدة في التصدي للارهاب).
الثاني ان النصوص الواردة في احكام الفصل السابع والنصوص الاخرى كافة التي تضمنها ميثاق الامم المتحدة تتطلب ان تكون اطراف النزاع "دولا"، وان تكون دول ذات سيادة على وجه التحديد، وليست دولا تحت الوصاية او الانتداب. وبذلك فلا وجود قانوني للتنظيمات الارهابية في نصوص الفصل السابع، اذ انهم مجرد مسلحين لا توصيف قانوني لهم على وفق النصوص المذكورة، اي ان ميثاق الامم المتحدة وضع للتعامل مع الدول وان احكام الفصل السابع تطبق على دول ذات سيادة ومن الامثلة التي تعامل بها مجلس الامن مع الدول على وفق احكام الفصل السابع ?ي, العراق بعد غزوه للكويت آب / 1990 او المحكمة الدولية المشكلة لمحاكمة قتلة رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق او التدخل في يوغسلافيا السابقة وسواها من الحالات الاخرى، اذ لا يجوز قانونا اضفاء وصف على الارهاب من دون مرجعية قانونية، ولما كانت التنظيمات الارهابية ليست دولا مستقلة وليست من اشخاص القانون الدولي العام فلا يصح والحالة هذه شمولها باحكام الفصل السابع من الميثاق لعدم وجود السند القانوني لذلك. اي لا يجوز الصعود بقوى مجهولة الى مصاف الدول وهنا يقول جاك دريدا : (من الآن فصاعداً لن ياتي التهديد من دو?ة بل من قوى مجهولة...) (2).
ومع ذلك فاننا امام حالة تهدد السلم والامن الدوليين وبشكل خطير وغير مسبوق وبنتائج كارثية فهل نقف مكتوفي الايدي عند غياب النصوص الدولية التي تتصدى لذلك الخطر وعجز المنظومة التشريعية للامم المتحدة عن معالجتها؟ من الوجهة القانونية، الجواب كلا بالطبع فعلى الامم المتحدة ان تفكر جديا في هذا الموضوع وان تعيد النظر بجميع نصوص القانون الدولي الكلاسيكي التي اصابها التقادم، وان تتعامل بجدية امام جميع المتغيرات في العلاقات الدولية ولا بأس ان تعد قرارات مجلس الامن المتعلقة بالارهاب التالية مبادرة اولية للتعامل مع الارها? وهي: 1267 لسنة 1999 و1373 لسنة 2001 و1618 لسنة 2005 و1624 لسنة 2005 و2983 لسنة 2012 و2129 لسنة 2013 و2133 لسنة 2014 و2161 لسنة 2014 و2170 لسنة 2014 واخيرا وليس اخرا القرار 2178 لسنة 2014 الذي صدر قبل ايام. اذ هذه القرارات رغم عددها المذكور لا تلزم الدول الاعضاء باصدار قوانين لمكافحة الارهاب فقد بقي القسم الغالب من تلك الدول تتعامل مع الارهاب وفقا لقوانين العقوبات العادية لديها اي ان الجريمة الارهابية في احكام تلك القوانين مناظرة لجريمة القتل التي يرتكبها الرجل دفاعا عن عشيقته.
القرارات تلك التي اصدرها مجلس الامن الدولي لا تتناسب وحجم الضرر الذي يلحقه الارهاب بالمواطنين, وان الحشد الدولي الذي التأم اخيرا لمكافحة الارهاب كان تحت المظلة الدبلوماسية اكثر مما هو تحت المظلة التشريعية، وعلى المنظمة الدولية ان لاتكتفي بذلك بل يجب ان تبادر وعلى وجه السرعة بايجاد نظام تشريعي فاعل وملزم للجميع مصحوباً بجهاز تنفيذي قادر على ان يضع القرارات الدولية موضع التنفيذ وبالجبر اذا لزم الامر، وان يتصدر التشريع مبدأ جديداً ينص على: (الارهابي مدان حتى تثبت براءته).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) و (2) – كتاب- الفلسفة في زمن الارهاب – حوارات مع يورغن هابر ماس وجاك دريدا - الباحثة الامريكية – جيوفانا بورادوري – ترجمة – خلدون النبواني – بيروت 2013