المنبرالحر

متى ينعم العراقي بثرواته / زهير كاظم عبود

يري بعض ان يشعل شمعة ويصر على إبقائها متوقدة حتى لو احترقت روحه من اجل المساهمة في انارة طريق الناس ، فطريق اهل العراق امتلأ بالظلام والأحزان والدماء ، ولابد ان يكون مضيئاً ومعبداً وآمنا ، تحقيقا لما ورد في الدعاء المستمد من الآية القرآنية (( رب أجعل هذا البلد آمنا )) ، لكن مفخخات وسكاكين وقذائف وصواريخ وملثمين يريدون أن يبقى الدرب مظلما وحزينا، ولأن بشراً من لحم ودم هاجسهم ان يستحوذوا على مال اليتامى والمعوزين والمحرومين من اهل العراق بطرق غاية في الخسة والنذالة صاروا مسؤولين وقياديين ، مستغلين ظروف زحام العراق ، منهم من يعتبر المركز الوظيفي والمنصب الحكومي هاجسه الأساس في الموقف الربح المادي في العراق الجديد ، ومنهم من يريد ان يقلب الموازين فيعيد الحال الى ما كان عليه ليسلم العراقيين بأمرهم ، منهم من يريد قتل الحلم في عيون الأطفال وينشر اليأس والقنوط بين الناس ويمسح كل اثر للمستقبل في عقولهم ، هؤلاء هم من يريدون ان يطفئوا شموع العراق .
لم يزل من يفتعل قضية الكهرباء فيزيد المناطق الفقيرة معاناة وعذاب ، ويتعمد عذابات الناس ويزيدها ويمعن في رؤيته لهم وهم يتعذبون كل هذا الزمن القاسي ، في حين يتنعم المسؤول ولن تنقطع الكهرباء عنه وعن عياله مرة واحدة ، معتقدا انه يعيش في مأمن من أرادة الله .
لم تزل البصرة تشرب الماء المالح ولم يزل اهل العراق يشترون المياه من بلدان ليس لها انهار .

حين تهاوى الصنم في التاسع من نيسان 2003 ، وتقطعت اصابع الدكتاتور تلوذ بالجحور تتساقط تباعاً ، ظن اهل العراق ان معاناتهم وعذاباتهم بدأت بالنهاية .
غير ان عذابا جديداً ومعاناة أطول حلت عليهم ، فصارت قضية الكهرباء يلعب بها المسؤولين مثل لعبة الحية والدرج ، وصارت الوعود تملأ الكتب والأحلام لاتتسع لها سماء العراق ، وتشكلت لجان وحل مدراء ومختصون وجاء وزراء وأقيل وزراء وأحيلت العديد من الاسماء الى اللجان التحقيقية ، والتي لم نتعرف على نتائجها ، ولم نتعرف على الأحكام الصادرة بحق المقصرين او المذنبين ، واختفت أسماء مثلما اختفت قضايا وطمرت اتهامات ، وهربت اموال ، والعراقي ينتظروينظر لكل هذا ليس فقط بعيون الترقب الممتلئة بالدموع ، وإنما بعيون ممتلئة بالدهشة ممن يأتي ويروح دون أن يسأله احد ماذا عملت وماذا اخذت والى اين تذهب ؟؟
ولم نتعرف على مسؤول واحد تمت ادانته بتهمة التقصير!! ولم نتعرف على احد من الوزراء الذين تعاقدوا وقبض بعضهم النسب قد اعتذر من اهلـنا ، المشكلة تكمن ان عشرة سنوات مرت على العراق لم تزل مشكلة الكهرباء كما تركها البائد صدام ، ثلاثة ألاف وستمائة وأربعون يوما مرت على العراق ولم تستطع الحكومات التي حلت ان تحل مشكلة الكهرباء ، فكيف ستحل المشاكل الأصعب التي حلت بالعراق ؟؟
وصارت قضية الماء غير الصالح للشرب القضية الخيالية لشعب يجري فوق ارضه ثلاثة انهار من المسلمات التي استسلم لها شعب العراق ، حين عاد لشرب الماء بالطرق البدائية من الأنهار دون تعقيم .
اختلاسات ورشاوى وسرقات في وضح النهار ، واتهامات وفساد وتبادل ادوار ولا من متهم تمت ادانته ، ولا من مسؤول أقر بتقصيره وفشلة في الأداء الرسمي ، ولا احد يستطيع ان يشخص الخلل ، وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
وبيوت عراقية تأوي القتلة وتطعم المجرمين وتمد الأرهابيين بكل الأدوات التي تقتل أخوتهم ، وضمائر عراقية ممسوحة وظفت نفسها لخدمة الأرهاب تتلذذ بالدم العراقي وتفرح لأستباحة الشرف العراقي من قبل الغرباء ، وغرف مظلمة في بيوت قصية تقدم العون والطعام والملاذ لكل من ينتهك الدم والشرف في العراق ، انتقاماً ليس للسلطة البائدة ، وانما لقصور في العقل وغباء في التفكير ، حين يصير العراقي نصيراً لقتلة العراقيين .
الغاز مفقود في بلد الغاز ، والبنزين شحيح ونشتريه من الدول التي نصدر لها النفط الخام ، نستجدي نفوطنا ومنتجاتنا النفطية ، ونقف بالطوابير تحـت الشمس من اجل أن تعيش الحكومة ، وابتكرنا طرق بدائية في طبخ الطعام ، بعد ان عزت علينا الحصة التموينية ، وصار السوق التجاري الحر يسيطر عليها ويتحكم فيها ، نرفع ايادينا ندعو الله ان ينصرنا على الظالمين العابثين بحرمة وطننا وكرامتنا وندعو الله أن يلتفت الى دموعنا وأوجاعنا ولا من مجيب .
نشتري السلاح قبل ان نشتري الطعام ، ونخزن الأطلاقات والمفخخات قبل ان نخزن المواد الغذائية ، ونحرص على السكاكين وكواتم الصوت بدلاً من الأدوية الضرورية ، ونتوجس الخيفة من كل سيارة واقفة أو متحركة ، لا المحتل أحتلنا مثل باقي البلدان ولا حكوماتنا المؤقتة وفرت لنا لقمة العيش بكرامة ولا احزابنا الوطنية التفتت الى اوجاعنا وضرورياتنا .
معارك طاحنة على الكراسي ولم يتعرفوا ان هذه الكراسي لاتقف دون مساند وأرجل ، وابناء العراق هم مساندها ، ودونهم لن تستطيع الوقوف ، شهداء لم يعد يستذكرهم احد الا في المناسبات ، وعراقيين قدموا ما قدموا ليس لهم قيمة أو مكان بين المتبارين على السلطة .
الرصاص اللغة التي حلت بديلاً في التفاهم ، والنحر وسيلة للتعبير عن اختلافنا وكراهيتنا لبعض، صيرنا بيوت الله مشاجب للسلاح ومقرات حزبية لا علاقة للرب بها ، وصارت الطائفية ملاذا يتبرقع بها الجميع .
صارت جهات منبوذة ترفع لواء التعارض مع شعب العراق بزعم محاربة الاحتلال ، وصار البعض من رجال الدين يشكلون عصابات مسلحة لتنفيذ مآرب وأغراض دنيوية ، خطف وقتل واغتيالات يقوم بها مجهولين ، اتصالات سرية واجتماعات في غرف مغلقة ، تقاطرت البهائم المفخخة من بلدانها ليحثوا على ذبح العراق .
دم يسيل كل يوم قربانا ً لخلاص من سلطان لم تزل اصابعه تعبث بجسد العراق الطاهر حتى بعد رحيله غير مأسوف عليه ، جثامين من الأبرياء لم تزل تدفع ارواحها الطاهرة عربونا للخلاص من براثن الدكتاتورية ، وذيول للطاغية تلونت وتغيرت وتبرقعت حتى صار لها وجــه كوجه العراقيين ونبتت لها لحى ولبست عمائم ، غير ان في دواخلها ارواح حيوانية هائمة لا قرار لها الا بشرب الدم .
ولم يزل العراقي يفكر وسط محنته بسقف يأويه وبلقمة يأكلها دون معاناة ودموع !
لم يزل العراقي حتى اللحظة ينتظر تطبيق امين لدستوره الذي رافقه حلماً سرياً !!
حين يفتح المسلم بكل مذاهبه كلتا يديه لأحتضان أخوته المسيحيين والأيزيديين والمندائيين ويضموا الى صدورهم اخوهم اليهودي العراقي المضطهد والمظلوم والمسلوب الحقوق ، حين يكون العراق السقف والخيمة والدستور ، وتتعاضد هذه القوى المكونة للعراق لصد الأرهاب الوافد او النابت كدمامل الجسد ، وحين يتوحد الناس حول العراق وتنسجم النيات ويتقدم من يريد خدمة العراقيين على الصفوف ، نتخلص من كل هذا ونقرأ دستورنا بصوت عالي .