المنبرالحر

سني التقاعد.. في خريف العمر.. القسم السابع والأخير/ د. علي الخالدي

لا زال قانون التقاعد الموحد ينتظر فيزة خروجه من دهاليز البرلمان وشورى الدولة ، إسوة ببقية القوانين ذات الطابع الخلافي السياسي بين ممثلي الكتل واﻷحزاب في البرلمان ، وممثلي الطوائف في الحكومة ،ومهما أبحر المراقبون في استعراض خلفيات ومبررات حجب النور عن هذه القوانين التي تخص مصالح الناس ومنها قانون التقاعد ، فلن يجدوا ، ما يبرر ذلك سوى أن هذه القوانين لا تصدر إلا بعد توافقات تسبق عملية انتخابية ، أو مساومة على موقع سيادي في الحكومة ، مما ولد إجماعا لدى عامة الناس بعدم تصديق الوعود التي يصرح بها البعض من المسؤولين ، وبصورة خاصة ما يتعرضون اليه من تحسين مفردات البطاقة التموينية (ورمضان على اﻷبواب ) ، أو وبزيادة ساعات وصول الكهرباء والماء الصالح للشرب الى البيوت في شهر تموز ( اللي يبخر الماي في الكوز ) ، فلا زالا من اﻷحلام البعيدة المنال ،ملوا من سؤال المسؤولين عنها ، تواصلا مع ما اعتبروه من تصريحات ذوي الشأن باستتباب اﻷمن نكتة آخر زمن ، تدحضها الارقام الشهرية التي تصدرها اﻷمم المتحدة في نهاية كل شهر بتزايد مستمر عن ما قبله من قتلى وجرحى لا يريد البعض تصديقها ، أما الفساد والمرشتين وخارقي الدستور، فلا وجود لهم في دولة القانون والنظام ، ﻷنهم هُربوا الى الخارج بما نهبوا ، أو عادوا الى المكان الذي جلبوا منه ، ظانين أنهم سلموا من مساءلة الشعب لهم ، بقانون من اين لك هذا الذي سوف يلاحقهم ،حتى لو تحصنوا خلف جنسياتهم الثانية ، فما ضاع حق وراءه مطالب.

لقد استبشرت شريحة المتقاعدين ، شأنهم شأن جماهير شعبنا بالتغيير، سيما وأنهم عاصروا الدكتاتورية وحروبها العبثية ومآسي الحصار ، ولم يدر بخلدهم أن موروثات الدكتاتورية وبعض قوانينها الخاصة بالحد من الحريات اﻷجتماعية ستبقى تلاحقهم في الكثير من الميادين اﻷجتماعية واﻹقتصادية والثقافية . لكن كل ما يخشوه أنهم قد لا يروا الزمن الذي تندثر فيه تناقضات المصالح اﻷجتماعية والطبقية المتباينة للفئات الحاكمة ، التي كانت وراء إعتماد أساليب لا تخدم الديمقراطية وإستتباب اﻷمن والسلم اﻷجتماعي ، وأبعدتهم عن التفكير بتوسيع دائرة القرار ، في إدارة شؤون البلاد ، بعيدا عن التوافقات ذات المغزى الطائفي ، وعلى أسس يضعها الحس الوطني العام ألآخذ بنظر اﻷعتبار تعددية مجتمعنا العراقي الدينية والقومية والسياسية ، المستنكرة لنية اﻷستقواء بالميليشيات ودول الجوار ، ولجعل الوطنية تعويذة يرددها البعض منهم ( المسؤولين ) عند تصاعد المد اﻷرهابي الطائفي . فالمتقاعدون يتطلعون الى أن تُبذر حبوب الروح الوطنية في الجيل الحالي ،بدلا من تصعيد التجييش الطائفي ، وزرع اﻷحقاد المذهبية ، التي لم يعرفوها في شبابهم ، بينما صارت واقعا في شيخوختهم يتصدر نشاطات اﻷحزاب اﻷسلامية ، بإبراز مراسيم اﻷحتفال بها بشكل يُستنهض به الحقد والكراهية بين مكونات مجتمعنا العراقي ، ويجعلوا منها تقليدا سنويا تتواصله اﻷجيال القادمة ، فهل للكلمات التي تنطق من فم تعدى حافة السبعين من عمره ، بعد أعوام تسكب في قصة تسلي اﻷجيال القادمة ، وتحزنهم المعاناة التي مروا به بنفس الوقت .
لقد إستدلت عامة الناس ، وبصورة خاصة شريحة المتقاعدون والأرامل والعاطلون عن العمل ،على طريق إحقاق حقوقهم ، بأن تصعيد النضال المطلبي السلمي ومواصلته ،إن كان عبر ثقلهم اﻷنتخابي أو التظاهر السلمي هي أنجع الطرق التي خبرها شعبنا لتحقيق مطاليبه الشعبية وفرض إرادته الوطنية فبممارستها ، أسقطت معاهدات جائرة ،وعُضدت خطوات الحكم الوطنية . وإذ يلجأوا لهذا النضال ،حتى يتم اﻷفراج عن أستحقاقاتهم الخدمية ، التي أفنوا خلالها زهرة شبابهم , ( منهم قضى سنين من عمره في سجون الدكتاتورية) ، ومع هذا يتم تسويفها من قبل البعض ممن أزدحمت العبارات الوطنية في أفواههم ، وإطمأنوا ، لضمان حقوقهم التقاعدية، التي ، لا تتماهى مع سني خدماتهم ، وكفاءاتهم ،وما قدموه للشعب من إنجازات على الصعيد الوطني واﻷصلاحي . وهذا ما قادهم (المتقاعدين ) وهم في خريف عمرهم الى فقدان الشعور باﻷستقرار والسكينة ، وضياع أمانيهم بمرتب تقاعدي ، يساعدهم وبشكل بسيط على مواجهة متطلبات سني تقاعدهم . فالمتقاعدون يريدون في خريف عمرهم ، أن يفرحوا كل صباح وهم يسمعوا زقزقة الطيور ، يريدون أن يطيروا فرحا بيوم يمر عليهم دون أن يسمعوا أصوات اﻷنفجارات ، ويروا سحب الدخان تغطي سماء مدينتهم ، يريدون أن يروا اﻷبتسامة على وجوه اليتامى والثكالى ،يريدون أن يرو التلاميذ والطلبة يهرعون باطمئنان الى مقاعدهم الدراسية بشغف لقاء المحبين ،لا يريدوا أن يسمعوا اﻷعلام الرسمي يكرر سمفونية استتباب اﻷمن وإستقراره والوعود البالونية ( وتطيير الفيلة )، يريدون أن يلمسوا حلاوة الجو العائلي ، و يحسون برحيق الحياة يجري في عروقهم ،وبإلهام يفعم وجدانهم , يريدون التحصن وراء الذكريات الحلوة والمرة , ويدركوا انه ليس بالطعام والشراب فقط تسير ماكنة حياتهم , يريدوا أن يتذوقوا كل شيء ، حتى ىسحب الشتاء ، وبرودته , ويريدون الجو الذي يطربهم بتراث شعبهم الفني والغنائي ، لا يريدوا زعل وسماع أصوات التنابز والشتم ، بين القائمين على الحكم ، يريدوا أن يهزؤوا من عزرائيل الذي إعتاد زيارة أقرانهم ، وهم في مرحلة الشباب التقاعدية ، لانهم لا يملكون ثمن أجرة الطبيب والوصفة التي علمة المجتمع كتابتها مجاننا ، يريدون أن يحتفلوا بعيد ميلادهم السبعيني في خريف عمرهم ، و بأعياد ميلادهم في شتاء العمر ، بين أحفادهم بكل طمأنينة وفرح ، كما إحتفل كاتب حلقات سني التقاعد بعيد ميلاده السبعين مع عائلته و صينية بقلاوة الحاج محمود الخاكي ، وبيده الطبعة الجديدة لديوان شاعر العرب اﻷكبر الجواهري اﻷعمال الكاملة (1_7) تحمل ريحة العراق ، على طاولة تجملت بالأكلات العراقية ،وبتمر نخيله ،وهو يستعرض غربته عن الوطن، وعن أحبائه التي لا تعوضها زيارات قصيرة ، شاكرا الرب على نعمته في كل شروق وغروب شمس.