المنبرالحر

من سيقتل الخليفة ؟ / قيس قاسم العجرش

مع أن تنظيم داعش إرتكب أفظع ما وثـّقته الكاميرا لغاية الآن من وحشية الإنسان عبر التاريخ، ومع أن العالم كله تقريباً يظهر العداء للتنظيم الإرهابي الذي اتسع ليدعي الدولة، فاننا لم نجد الى الآن اي خطاب سياسي (يعارض) فكرة وجود (خليفة حاكم)! حتى في خضم اقوى حرب إعلامية يواجهها التنظيم الإرهابي المــُـتبني للفكرة!
كتبنا المدرسية فيها عشرة آلاف ذكر لكلمة خليفة. مُسلسلات رمضان التلفزيونية فيها من الخلفاء ما لا يحصى.. شارع الخلفاء وجامع الخلفاء وساحة الخلفاء واسماء الخلفاء، عباسيين أو أمويين ..عثمانيين ام صفويين .هي اشياء موجودة تتحرك بوصفها حقائق يمكن ان تعود لو قبلنا بعودتها عبر آلة الزمن.
أي طفل مشرقي بإمكانه شخبطة شكل تصويري متخيل للخليفة، رجل لا يضحك، عليه إمارات المهابة وبملابس تاريخية وعمامة ويتكلم الفصحى.
الدراما والتاريخ تعاضدان إنتاجه في المخيلة.
ومع هذا نصطدم في المشرق كله بانتخابات وديمقراطيات وجمهوريات وملكيات واحزاب من كل نوع وملّة، كلها لا تخشى ولا ترفض الفكرة نفسها (فكرة وجود خليفة حاكم)..إنما تقول إن ابو بكر البغدادي "ليس هو الخليفة !" ولم يقل احد اننا لم نعد بحاجة الى حُكم الخليفة .
إحدى مولدات الإرهاب وعوامله المساعدة هي تلك الكلمات والجمل المنثورة في المناهج الدراسية وبين المرويات الشفاهية التراثية، التي تمجد بشكل او بآخر حكم الفرد طالما كان مُسدداً من السماء بمظنة متوفرة.
إذن نحن بانتظار عملية جريئة لقتل الخليفة، قتل القصّة المتخيلة وليس فقط الإرهابي، الذي ادعى انه خليفة ونزل في الناس ذبحاً وتقتيلاً.
هذه العملية، عملية قتله في وجوده خارج حِمى تنظيم داعش، تستلزم انقلابا مفاهيمياً أكبر بكثير مما توفره أجواء النكوص الحالية .
ولو كان التنوير ممكناً لما خرج شخص يدعي أنه الخليفة، ويجتمع من حوله جمع عظيم من القوى الاجرامية علانية والمخابراتية سراً.
لكن التجذر أعمق مما تصورنا في بادئ الأمر، وانه قد حفر عميقاً في الذاكرة بما جعله جزءاً اصيلاً من ثقافة مبنية ابتداء على الشكل الموروث للسلطة والموصوف في التراث.
الخليفة الذي ظهر في الموصل هزم فكرة الدولة في النفوس، فصار يسيراً عليه هزيمة الناس عن الدولة.
لا بديل عن دولة ديمقراطية. هذه هي حروف السر التي على الجميع أن يدينوا بها أولاً، لأنها هي الحقيقة الدستورية الأولى. ولا بديل عن الدستور لأنه هو الثابت المكتوب الوحيد. أما قصص الخلفاء والسلاطين فلا طريق لها كي تخرج من مسلسلات رمضان لتصبح واقعاً على رؤوسنا. والجميع مدينون بهذا الإقرار بلا استثناء.