المنبرالحر

لما يزل الأيزيديون في جبل سنجار وبقية مناطقهم مهددون بالمزيد من الموت..!!!/ ناظم ختاري

في الوقت الذي لازلنا نحاول جاهدين البحث عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى كارثة 3 آب وتداعياتها من قتل عام وذبح واختطاف وبيع نساء وتدمير بيوتهم وتهجير عام وظروف عيش غير طبيعية لضحاياها من النازحين والأمطار التي غزت مخيماتهم والتي فاقمت مشاكلهم وضاعفت من مآسيهم وهم قوم لا يتمتعون بأية حماية ، لا في ظل القوانين الوضعية للدولة العراقية ولا في ظل تطرف الأعراف الاجتماعية ، ولا كذلك عمل المجتمع الدولي كثيرا من أجل ذلك رغم ما يمكنه من الاستناد عليها من قوانين دولية تحمله مسؤولية حماية الأقليات من الإبادة والإنقراض.
فبعد مرور أكثر من شهرين من تلك ألاحداث نجد أنفسنا أمام إمكانية حدوث مخاطر كارثة أخرى في جبل سنجار الذي تحتمي فيه مئات العوائل، وعدد ا كبيرا من المقاتلين يتحصنون فيه انتظارا لخوض غمار معركة واسعة وشرسة تهدف إلى تحرر مدينة سنجار وضواحيها من مخالب تنظيم الدولة الإسلامية "داعش "، ولكن يبدو إن موازين القوى لم تتغير لصالح هؤلاء المقاتلين رغم كل ما يقال عن جدية التوجه نحو تحرير المناطق المحتلة بهذه القوات الغاشمة .
فإذا كانت الأسباب الرئيسية التي تستند عليها الأحزاب الكوردستانية في تبريراتها لانسحاب قوات البيشمه ركه من سنجار وغيرها من المناطق الكوردستانية هو الاختلال في موازين التسليح لدى الطرفين ( وجود سلاح متطور لدى داعش ودعم متواصل من دول عربية وإقليمية إلى جانب التمويل بالمال والمقاتلين والسلاح .. وبالمقابل عدم وجود هذا السلاح لدى القوات العراقية وقوات البيشمه ركه وعدم وجود دعم دولي ومقاتلين أشداء ) ، فإننا شاهدنا ونشاهد الآن كيف يتدفق السلاح إلى كوردستان وكيف يغطي الطيران الحربي للتحالف الدولي سماء العمليات العسكرية وكيف توجه ويتوجه الآلاف المؤلفة من المتطوعين إلى معسكرات التدريب والتحاق قسم كبير منهم حتى دون تدريب إلى جبهات القتال وهم مستعدون لاقتحام السماء من أجل عودة سنجار وبقية بلداتها ، علما إن السلاح الثقيل المستخدم من قبل داعش في عملياتها هو ذات السلاح الذي يعود إلى الجيش العراقي والذي استولت عليه عند احتلالها مدينتي الموصل وتكريت .
ولذلك اعتقد إن إمكانيات البدء بمعركة تحرير المدن المحتلة من قبل داعش من السلاح والغطاء الجوي والمقاتلين متوفرة حاليا لدى قوات الإقليم ولدى قوات الحكومة المركزية، وحققت قوات البيشمه ركه والجيش وقوات الحشد الشعبي انتصارات مهمة خلال الأيام القليلة الماضية ، ولكن يبدو هناك أسباب أخرى لم تتوضح ملامحها بالنسبة إلى الرأي العام تقف وراء عدم الإقدام على خوض معارك التحرير وخصوصا في سنجار التي يقرر مصيرها، مصير ووجود أبناء ديانة عريقة ، لهم دورهم المشرف في تاريخ العراق قديما وحديثا فهم امتداد لشعوبه الأصيلة .
ويراودني الشك في أن الاسباب الحقيقية التي كانت تقف وراء انسحاب البيشمه ركه وتركها لمواطني سنجار لكي يكونوا فريسة سهلة بين فكي الدواعش هي نفسها تقف وراء تفرج حكومة الإقليم على ما يجري في جبل سنجار، وليس عدم التكافىء في السلاح والمال والامكانات الأخرى، ولكن إلى جانب هذا يبدو هناك أسباب أخرى، وقد تكون أهمها.
-القوى الطائفية المتنفذة في حكم العراق استطاعت انتزاع الروح الوطنية من الجيش العراقي الذي كان يخضع في كل الأحول لإرادة الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة وكانت أداة قمع بيدها استخدمتها في الصراعات الداخلية ، فتارة كانت تقمع الحركة القومية الكوردية وأخرى الحركات الوطنية العراقية وثالثة الحركات الشيعية المعارضة، وإن إعادة بنائه بعد سقوط النظام الدكتاتوري خضعت لنهج المحاصصة الطائفية، ولذلك من الصعوبة بمكان أن تدافع القطعات العسكرية المشكلة من طائفة واحدة عن بقية أبناء الشعب العراقي وإبعاد الأخطار عنهم .
- منظومة البيشمه ركه عند تشكيلها بعد انسحاب إدارات الحكومة المركزية اثر انتفاضة آذار قبل سقوط النظام بأكثر من عقد من السنين، لم تخضع للمحاصصة الطائفية ولكنها خضعت للمحاصصة الحزبية، ولذلك لم تصبح قوة فاعلة في الدفاع عن كوردستان مثلما كان ينتظر منها، فبدلا عن ذلك زجت في الصراع الكوردستاني الداخلي بين الحزبين أوك وحدك وأحيانا مع الأحزاب الأخرى في الأجزاء الأخرى من كوردستان ، وهذه العملية دفعت بالحزبين إلى تعزيز هذه القوات بالكم على حساب الكيف، مما أدى إلى تسلل العناصر الضعيفة والغير كفوءة إلى قيادات هذه المنظومة، وبالتالي لم تبال بحدود الوطن وطموحات الشعب الكوردي في إقامة دولته، واهملت ثقة قياداته السياسية بما كانت تطرحه من شعارات وبرامج بهذا الاتجاه، فبدلا عن كل هذا أصبح الترهل صفتها العامة وأصبح الفساد ينخر كامل جسدها، وصارت قياداتها تتعامل حتى مع أشد الأعداء في صفقات تجارية مشبوهة. وربما يكون هذا أحد أهم الأسباب وراء ترك مواطني سنجار بين فكي الدواعش ، وللقضاء على هذه الوشائج والمصالح هنالك حاجة إلى وقت أطول وجهد نزية ومخلص .
- كان لكارثة سنجار رد فعل قوي من قبل الأيزيديين، بعدما تخلت عنهم قوات البيشمه ركه ، فقتل تنظيم الدولة الإسلامية الآلاف من المواطنين الأبرياء واختطف الآلاف من النساء، وعاملهن ببشاعة لا نظير لها من اعتداء جنسي وبيعهن في سوق النخاسة وما إلى ذلك، علاوة على الأوضاع المأساوية للنازحين في المدن الكوردستانية الذين يعيشون في الخيم والهياكل وتحت الأشجار وفي الطرقات ويتعرضون إلى الأمطار الغزيرة والبرد القارس والحرمان وغيرها، كل هذه الأمور توقف عندها الأيزيديون واتخذوا موقفا واضحا إزاءها ، عندما أعربوا عن تصورهم بان هذا التخلي عنهم جاء وفق دراسة وتخطيط مسبقين ، ولذلك تخلى الكثير منهم عن قناعاتهم السياسية ما قبل 3.8.2014 وابتعدوا عن انتمائهم الحزبي إلى حدك وبدأوا يبحثون عن بديل آخر، وخصوصا كانت هناك قوات قادمة من غرب كوردستان دافعت عنهم ببسالة واستطاعت إنقاذ غالبيتهم بشكل أسطوري من بين مخالب تنظيم الدولة الإسلامية ، حيث أصبحت أقرب إلى طموح الأيزيديين ووجدانهم ، ليس في سنجار لوحدها بل لدى عموم الأيزيديين ، وجراء هذا انتظمت فعاليات عديدة في الداخل والخارج أغاضت حدك، في الوقت الذي كان يحتفظ بأسباب كثيرة تدعم الخلافات القائمة بينه وبين تلك الجهة السياسية التي تنتمي إليها هذه القوة المنقذة، سواءا كانت امتداد لتلك الخلافات القديمة بين القوى السياسية الكوردية شمال كوردستان وجنوبها أو تلك التي نشأت بين غربها وجنوبها .
إلى جانب هذا نشطت المجموعات الأيزيدية في المهجر من أجل تلبية المجتمع الدولي لمطالب الأيزيدية بعيدا عن تأثيرات حكومة الإقليم التي تزعزعت ثقة الأيزيديين بها كثيرا، حيث اصطدمت مع توجهات حدك والعناصر الأيزيدية المصرة على تحقيق تلك المطالب تحت مظلة حدك ، وهذا أدى بالتالي إلى توسيع رقعة الخلاف في التوجهات والرؤى والإجراءات العملية ، فانحاز الأمير إلى جانب التحرك خارج تلك المظلة الأمر الذي أثار موجة قوية من الانتقادات وخصوصا من قبل الأيزيديين الموالين لحدك وحتى من أقرب الناس إليه جراء تصريحاته في برنامج نقطة نظام على قناة العربية ، ومن وجهة نظري فإن هذه التصريحات لم تكن سوى موقف سياسي لم تجر صياغته بشكل ملائم ، الأمر الذي وفر فرصة إضافية لإعادة النشاط إلى الطرف الثاني الذي كان محبطا أو محرجا بسبب أحداث 3 آب لبدء هجومهم الشرس بسبب هذا الموقف .
كل هذه التداعيات والمواقف الناشئة ما بعد 3 آب ربما تكون من بين أسباب التردد في التحرك إلى سنجار وتحريرها وبالتالي فإن تأخير ذلك يعتبر من وجهة نظري ضغطا إضافيا لإجبار عودة الأيزيديين إلى مظلتهم القديمة من غير شروط ، وكأن ما حدث من أهوال وفجائع هو خطأ تكتيكي ليس إلا .
- ورود العديد من التقارير الاستخبارية وردود الأفعال وكشف المستور عن الجهات التي تدعم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لم تأت من فراغ ، فالبعض من هذه التقارير أتهمت بشكل مباشر بعض تلك الجهات مثلما أعلن عنها وزير خارجية أميركا واتهامه الصريح للسعودية، وهكذا بالنسبة إلى الدور القطري، وإلى جانب هذا هناك العديد من التفاصيل والروايات الموثقة والقرائن حول الدور التركي في دعم داعش، وما مناوراتها في مسألة عدم الانضمام إلى التحالف الدولي ضد داعش وتماطلها الذي طال كثيرا بخصوص الموقف من معركة كوباني إلا دعما لتلك الحقيقة التي تتهم الحكومة التركية في تقديم المزيد من الدعم لداعش، واعتقد إن هذا الدعم التركي لم يكن محصورا في تأمين عبور الإرهابيين إلى الأراضي السورية والعراقية وتسهيل بعض مجالات عملها الأخرى ، بل أمتد إلى تأمين مصادر تمويلها لآماد بعيدة مقابل الأرباح طبعا، وتأمين قاعدة اقتصادية ثابته لها خصوصا بعد سيطرتها على مصادر استخراج النفط ، وبيعه كان الحلقة المشتركة بين الطرفين عبر وسطاء متنفذين في الإقليم، ربما يكون من الصعوبة بمكان الانسحاب من هذا الدور بسهولة إلا وفق شروط صعبة قد تكون سنجار من بينها .
رغم كل شيء تبقى حلقات الأجرام التي ينفدها تنظيم الدولة سببا مهما لأن يتخلى المتنفذون العراقيون والكوردستانيون عن مصالحهم الحزبية والفئوية الضيقة ، فالمرأة الأيزيدية المختطفة التي تتعرض إلى الاغتصاب لعشرات المرات في اليوم الواحد من قبل همج العصر، والعائلة الأيزيدية التي تموت جوعا في الجبل أو بردا تحت المطر في الخيم دون مأوى ، والمقاتل الأيزيدي في جبل سنجار أو بعشيقة الذي يخشى على رصاصاته من النفاذ، هي مسؤولية كل قادة الإقليم قبل الآخرين وثم قادة العراق و المجتمع الدولي، فكل يوم يمر على هؤلاء يزداد الاغتصاب وتزداد حالات الانتحار بين النساء المختطفات ويزداد عدد الوفيات بين الأطفال وكبار السن في المخيمات، ويزداد عدد الضحايا في الجبل .
وهؤلاء جميعهم بشر أيها القادة قبل أن يكونوا ايزيديين ..!!! ألا يستحقون التفاتة جدية منكم ..؟؟ فمن هو المسؤول عن مصيرهم ..؟!