المنبرالحر

هل يمكن مكافحة آفة الفساد؟ / د. يوسف شيت

الفساد مرض اجتماعي موجود في كل المجتمعات، ولكن بنسب متفاوتة جدا. وللفساد أوجه مختلفة، قد يكون في مقدمتها سرقة الأموال العامة والخاصة سواء بالالتفاف على القوانين أو بدون ذلك، اللجوء إلى المحسوبية والمنسوبية لوضع أشخاص في أماكن عمل غير مؤهّلين لها، استغلال المنصب لمصلحة شخصية كالابتزاز المالي أو الجنسي وغيرها. لم يكن الفساد جديدا على المجتمع العراقي، إلاّ أنّه أخذ بالانتشار منذ الاحتلال عام 2003 ، ورغم تشخيصه ومدى خطورته في وقت مبكّر من قبل شخصيات ومنظمات وأحزاب وطنية، إلاّ أنّه لم تتخذ أية خطوة لوضع حدّ له، بل بالعكس، أخذ يتفاقم ويتجذّر بمرور الزمن مرافقا بذلك تفاقم الإرهاب وتنوع مصادره المالية والبشرية وأساليب عمله. والسبب الرئيسي لهذا التفاقم هو مسك زمام السلطة من قبل الأحزاب الطائفية والقومية التي أخذت تعمل لزيادة نفوذها عن طريق الحشد الطائفي والقومي والعشائري باستخدام المال العام، والأخير أخذ مناحي خطيرة، مثل توزيع هدايا نقدية وأسلحة وتوزيع أراضي وتعيينات غير مجدية، وتسليح الميليشيات التي تقوم بابتزاز المواطنين وإرهابهم.
الفساد هو أحد أخطر الملفّات التي خلّفتها إدارة المالكي السابقة، لأنّه انتشر مثل النار في الهشيم، خاصة بعد أن أعلن المالكي بأنّ "عام 2008 سيكون عام القضاء على الفساد"! حتى تربّع العراق على عرش قائمة الفساد في العالم.
بعد نجاح السيد حيدر العبادي في تشكيل الوزارة والمصادقة عليها من قبل مجلس النوّاب أثار في أحاديثه الكثير من المشاكل التي تركتها حكومة المالكي الفاشلة، وأهمّها تفاقم الفساد والإرهاب، كما أنه لم يتراجع عن إمكانية حل هذه المشاكل، وهذا ما يريد أن يراه كل مواطن عراقي عانى ويعاني مرارة سياسات الحكومة السابقة. وفي الحادي عشر من تشرين الثاني الحالي أصدر مكتب السيد العبادي بيانا قال فيه :"إنّ الدكتور حيدر العبادي ماض باجراءاته الاصلاحية لمكافحة الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة...هناك اجراءات اتّخذت للحدّ من هذه الظاهرة التي باتت تشكّل خطرا كبيرا على البلد وثرواته ولا تقلّ خطورة على الارهاب...حيث إننا لن نتوانى في كشف المفسدين وإقالتهم بعد التحقيق معهم وتقديمهم للمحاكم لآنّ ثروة البلد ملك للشعب ونحن أمناء عليها..." . نفهم من صيغة البيان بأنّ هناك إجراءات تتخذ للحد من الفساد، ولكن ما لا نعرفه هو ماهية الإجراءات المتّخذة وعلى أية مستويات، وهل تشمل مثلا، توزيع أراضي وتقديم "هدايا" مالية وعينية كالبطّانيات والمعلبّات وأسلحة؟ هل تشمل المساءلة على مليارات الدولارات التي أنفقت على مشاريع وهمية أو مشاريع فاشلة أو لم تكتمل كالكهرباء مثلا، أو كما يروّج حاليا وعلى بعض الفضائيات عن بيع أسلحة وصلت إلى منظمات إرهابية مثل "داعش"؟ هل تُكشف التعيينات الوهمية التي تذهب رواتبها إلى جيوب المسؤولين وخاصة في وزارتي الدفاع والداخلية؟ الملف شائك، وقبل كل شيئ بحاجة إلى تفكيكه وتبويبه وثمّ تقديمه إلى مختّصين مهنيين مستقلّين للنظر فيه لينتهي إلى قضاء مستقل بعيدا عن تسييس أي قضيّة.
نحن لا نشكّ في محاولات السيد رئيس مجلس الوزراء في الحدّ من الفساد ثمّ القضاء عليه، ولكن هل من السهولة القيام بهذا العمل الشاق، وهل الطريق معبّد للسير بسلاسة فيه؟ الجواب أعطاه بيان السيد العبادي عندما يعلن للمواطنين بأنّ الفساد بات يشكّل خطرا كبيرا على البلد وثرواته. أي، يؤكّد مدى عقدة هذه الآفة. ونشير هنا إلى قضية سرقة أموال الدولة من قبل مسؤولين خلال عشرة سنوات الأخيرة والتي بلغت 700 مليار دولار حسب مصادر من شخصيات أمريكية معنية بقضايا اقتصادية. لم يُكذّب الخبر من قبل مسؤولين عراقيين، لكن البعض في قيادة حزب الدعوة الإسلامية قالوا بأنّ الرقم مبالغ فيه، أي الاعتراف بأنّ الأموال سرقت، ولكن الرقم خطأ! إذا كانت نفس الأحزاب تدير شؤون البلد لمدة عشر سنوات ولحدّ الآن، وفشلت في إدارة الشؤون الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية وكانت السبب في تفاقم الفساد والإرهاب لأنّها كانت معنية بحصد الامتيازات، فمع من يتعاون السيد العبادي، أو من يتعاون معه لتطبيق بيان مكتبه، مع العلم بأنّ البرلمان لم يتغيّر إلا قليلا جدّا بدخول عدة أعضاء من التيّار الديمقراطي الذي هو الآخر أكدّ قبل وبعد دخوله البرلمان على فتح ملفّات الفساد والفاسدين، ونحن لا نشكّ بدعمه للسيد العبادي في هذه المهمة الوطنية المعقّدة، كما أنّ الوزراء تمّ اختيارهم وفق نظام المحاصصة وصادق عليهم البرلمان بالتوافق. ونسأل مرة أخرى، هل يستطيع السيد العبادي مكافحة آفة الفساد ونظام المحاصصة هو الذي يسود؟ ومن من رؤساء الكتل أو الخط الأوّل من القادة يقبل بفتح ملفاته؟ إذن على من يعتمد السيد العبادي؟ حل المشكلة بدون تخطيط وبرنامج سيؤدي إلى توقفها وحلّها سيكون بطريقة براغماتية لا جدوى منها لأنّ أسباب إفشال هذه العملية قائمة. لذلك سيكون الاعتماد الأساسي على الجماهير وبمساندة المرجعية الدينية التي نادت وتنادي بضرورة القضاء على آفة الفساد. وكما اندفعت الجماهير لمحاربة إرهاب "داعش" ستندفع لمحاربة الفساد لأنّ القضيّة تعنيها، وليس هناك ما تخسره سوى أوهام الطائفية والقومية والعشائرية التي يزرعها المحاصصون.