المنبرالحر

الرعاية الاجتماعية / زهير كاظم عبود

جاء في نص الفقرة ( أولا ) من المادة ( 30 ) من الدستور كفالة الدولة للفرد وللأسرة ، وبخاصة المرأة والطفل الضمان الصحي والاجتماعي والمقومات الأساسية للعيش في حياة كريمة تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم . ، وفي الفقرة ( ثانيا من نفس المادة جاء فيه :
تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أوالمرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم او البطالة ، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة ، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم ، وينظم ذلك بقانون . هذا النص الدستوري ملزم لدولة تحترم انسانية مواطنيها فتدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها ، كما تدرك ايضا وضع العراق الاجتماعي والاقتصادي ، وتضع الخطط العلمية والعملية المدروسة لتطبيق تلك النصوص على الواقع العملي الفعلي دون ان تبقيها نصوصا وشعارات لاقيمة لها.
البطالة والفقر والمرض والعجز والشيخوخة تكفل الدولة لهم الضمان الاجتماعي والصحي ، مما يعني ازاء مساواة العراقيين في الحقوق والواجبات ، ان الدولة معنية بشكل مباشر بكفالة الضمان الاجتماعي لكل مواطن عراقي اذا كان دون عمل ، او كان عاجزا عن العمل ، أو كان يتيما أو متشردا ، هذه الكفالة ليست منة من الدولة ولإعطاء سخي من المسؤول انما هو حق دستوري وقانوني مقرر للمواطن .
وفكرة الرعاية الأجتماعية فكرة قديمة يضمنها المجتمع من خلال مبدأ التضامن الأجتماعي والمشاركة المتساوية بين المواطنين ، الرعاية الاجتماعية يجب ان تضمن كرامة المواطن وتحفظ له انسانيته ، ويجب ان تفهم الدولة فكرة الرعاية الاجتماعية ، ولها ان تدرس تجارب البلدان التي قامت بتطبيقها ، ومن الجدير بالذكر ان العديد من المسؤولين ممن عاشوا في بلدان تعتمد الرعاية الأجتماعية في تطبيقها على مواطنيها ، دون ان يكون ذلك حافزا وسببا يدعوهم لحسن تطبيق هذا الجانب ، علما بأن العراق من البلدان الغنية ، ويمتلك الإمكانيات التي تؤهله أن يقوم بتطبيق قوانين الرعاية الأجتماعية خلال سنوات قليلة ، وان يحارب الفقر بكل الوسائل حتى يمكن تطبيق النصوص الذي تؤكد على رعاية الدولة للعاطل عن العمل والعاجز عن اداء العمل والفقير المعدم والمريض مرضا يمنعه من تحصيل قوته وقوت عياله والشيخ الكبير الذي انهكته السنين وهده العمر .
ولهذا أكد العهد الدولي في مواده على الحقوق الأجتماعية والسياسية والثقافية للإفراد بأن توفر لهم حكوماتهم ظروفا معيشية تضمن لهم الغذاء والسكن والملبس ، وقد تم تطبيق تلك السياسة ضمن شبكات الرعاية الأجتماعية بشكل واضح وأكيد في بلدان أوربا .
فالسياسة الأجتماعية تعني الخطط المدروسة بناء على واقع ملموس ومعطيات جدية لمعرفة الأسباب والنتائج وتحديد مسارات الخطة وتوقعات نجاحها في المستقبل حتى يمكن تفادي ظاهرة الفقر ومعالجة حالة البطالة ضمن ظروف المجتمع العراقي الذي لم يزل يعاني من هذه الافات المنهكة والمعرقلة للحياة الأجتماعية ، مع وجود امكانيات وموارد تساهم في تذليل جميع الاشكالات الموجودة ، اذ ليس من المعقول ان يكون هناك فقراء وجياع في العراق امام المليارات من الدولارات التي تدخل يوميا الى الخزينة العراقية ، وليس من المعقول ايضا ان يكون هناك متشردين ومتسولين في الشوارع في بلد ينتج ويصدر ملايين من براميل النفط الى العالم يوميا .
أن هدف النص الدستوري لم يأت اعتباطا أو لأغراض تسويقية انما أكد على مسؤولية الدولة وهذه المسؤولية مقيدة وملزمة لتطبيقها على الفرد وعلى الأسرة ، باعتبار أن الإنسان هو أسمى المخلوقات ، ولغرض الارتقاء بمستواه الأجتماعي في العيش الكريم والمشاركة الايجابية ضمن المجتمع .
هذه الرعاية ليست رواتب توزعها دائرة تابعة لدائرة الشؤون الأجتماعية ، انما هي أساسا لضمان العيش الكريم لشرائح عاطلة عن العمل أو عاجزة عن العمل ، وعلى امل ان يتم تأهيلها ورعايتها بما يضمن لها ايجاد عمل متناسب مع قدراتها ومشاركتها الفعالة في البناء وبما يشبع حاجتها الإنسانية ويضمن معيشة عائلاتها ايضا ، وأن لا تقتصر الرعاية الأجتماعية على منح هذه الشرائح مبلغ معين ومحدد من قبل هذه الدوائر مالم يكن معه هناك خدمات وتجديد على مستوى أطر الحياة والواقع المعاش في العراق ، ومن خلال تحقيق مبدأ المساواة الحقيقي بين الأفراد .
أن مفهوم الرعاية الأجتماعية في العراق اليوم يقوم على مبدأ سد الحاجة والرمق لفئة قليلة من هذه الشرائح ، وإذ ينتشر الفقر بشكل صارخ وواضح في العراق ، مما تدعو الحاجة الى تطبيق سياسة جدية بعيدة عن الشعارات والأعلام ، سياسة تأخذ بعين الاعتبار صوت منظمات المجتمع المدني والأحزاب الوطنية والقدرات والكفاءات العراقية ، سياسة تخالف قول الشاعر السياب :
(( ما مر عام والعراق ليس فيه جوع ))
وأن يتم تطبيق سياسة علمية تضع سقفا زمنيا للتتنفيذ تكون الحكومة مسؤولة مسؤولية قانونية عن تطبيقها، وان تنهي حالة الفقر والتسول والتشرد الذي اصبح حالة منتشرة ومتفشية في شوارع مدن العراق الغني والممتلئ .
أن قانون الرعاية الأجتماعية الصادر في ظل النظام السابق لم يكن يلبي الطموح ، ولا عالج حالات الفقر والمرض والشيخوخة بشكل جاد وصادق ، كما أن الحال اليوم ليس بأحسن من ذاك ، اذ لم تكن هناك بوادر لدراسة تطبيقية ايجابية تعالج الخلل وتتصدى لمشكلات الفقر والبطالة والمرض والشيخوخة ، كما ان بناء دور معدودة ومحدودة للعجزة وكبار السن ليست ايضا هي الحل الأمثل لهذا الاشكال ، مالم تكن هناك حملة واسعة تشارك فيها كافة السلطات ( التشريعية منها والتنفيذية والقضائية ) ، والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمختصين في جوانب الرعاية الأجتماعية ، حملة مخلصة ضمن اهداف محددة لتطبيقها ضمن سياسة وبرامج تنتهي بقرارات تشريعية وقوانين ملزمة لتطبيق سياسة رعاية اجتماعية تليق بالمواطن العراقي أولا ، وتتناسب مع حالة العراق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ثانيا ، وتضمن تطبيق تلك الأهداف تخلصا من حالة الفقر والعطل عن العمل والفاقة والعوز عند العراقيين ثالثا ، وتخلص العراق من هذه الأمراض التي كان ولم يزل يعاني منها كليا رابعا .
وحتى نضمن ان تكون الرعاية الأجتماعية واجبا تضامنيا يلتزم به المجتمع ، وتقره القوانين ويؤكده الدستور ، ويمنع بالتالي مرض من امراض المجتمع العراقي الذي عانى منها طويلا .
متى نجد بغداد ومدن العراق وإقليم كوردستان العراق خاليا من الفقراء ؟؟ ومتى لا نجد متسولا او متشردا يقف في المدن المقدسة أو في تقاطعات الطرق يستجدي المارة ؟؟ ومتى لا نجد عاطلا عن العمل يلتجأ الى طرق غير قانونية لتحصيل قوته ؟ ومتى لا نشاهد شيخا وقورا يتوسد الشوارع ؟؟ متى لا نجد الفقر ينتشر في مدن وقصبات العراق ؟؟ متى ........