المنبرالحر

نحو بديل عابر للطوائف وخنادقها / كاظم فرج العقابي

المقدمة
لا بد من التمييز بين مفهوم الطائفة الدينية والتي تعني الانتماء الطبيعي الغريزي المتجذر في التركيبة الانسانية، والتي تعبر ايضا عن التعددية الدينية والفكرية، وبين مفهوم الطائفية والتي تعني الانحياز الى طائفة دون غيرها وعدم الاعتراف بالآخرين وسلب حقوقهم بدافع التعصب الطائفي.
والطائفية هي توظيف للدين لأغراض سياسية، وبهذا فهي تنتمي الى ميدان السياسة لا الى ميدان الدين والعقيدة، بهدف الاستقواء بها لتحقيق اهداف النخبة السياسية التي تنتمي الى تلك الطائفة لتحقيق مشروعهم السياسي والذي يكون مؤطرا باطار مذهبي طائفي فالقوى الطائفية تسعى لتنمية الوعي الطائفي والذي هو ( وعي شكلي) يقسم المجتمع، كما العالم الى جملة طوائف متناقضة، فتلغي الطبقات كما تلغي الصراع الطبقي لتعطي مكانها للاعقلانية، فهي صورة لمجتمع مأزوم لا يبحث عن حل لازمة المجتمع بل تقود المجتمع الى الاندحار الذاتي عن طريق الصراعات والعنف والاستئثار والهيمنة الطائفية.
فالطائفيون يقولون بان مشكلة العراق هي مشكلة طائفية وليست مشكلة سياسية اجتماعية وحلها يعني حل المشاكل الاخرى عن طريق تحقيق التوازن الطائفي، في حين مشاكلنا اليوم ليست طائفية بل سياسية اجتماعية متعددة، وليس مشكلة التوازن بين الطوائف او مظلومية هذه الطائفة او تلك.
الجذور التاريخية للطائفية السياسية
فظاهرة الطائفية السياسية تمتد جذورها الى عصور قديمة فهي ليست بظاهرة جديدة حديثة الولادة فقد عاشتها وابتلت بها شعوب من قبلنا، عاشتها شعوب اوربا خلال العصور الوسطى وتمثلت في الصراعات بين البروتستانت والكاثوليك او الاورثدوكس في اطار الديانة المسيحية وراح ضحيتها الالاف من البشر كما في ايرلندا الشمالية والهند وتلك الصراعات التي عاشها الهندوس والمسلمون في اربعينيات القرن الماضي والتي افضت الى تقسيم الهند الى دولتين، الهند العلمانية وباكستان الاسلامية وفي عام 1947 استقلال بنغلادش عن باكستان عام 1971 ولا زال الصراع مستمرا على كشمير المسلمة بين الهند وباكستان وانفصال تيمور الشرقية ذات الاغلبية المسيحية عن جمهورية اندونيسيا ذات الاغلبية المسلمة. كذلك الصراع الطائفي التي عانت منه لبنان والذي استمر لعقود من الزمن ونظامها الطائفي السياسي لا يزال ساري المفعول في تقسيم السلطات بين المسيحيين والمسلمين؛ الشيعة والسنة.
كما تعيش المنطقة العربية صراعات دموية بسبب الاسلام السياسي المتطرف كما في ليبيا ومصر سوريا واليمن في محاولة للاجهاض على ما حققته ثورات الربيع العربي من منجزات بالاطاحة ببعض الانظمة الاستبدادية.
وترجع جذور الطائفية في الاسلام ايضا الى سقيفة بني ساعدة في المدينة المنورة بعد وفاة الرسول حيث اجتمع المسلمون هناك لاختيار خليفة لهم فكانت الخلافة هي اساس الانشقاق الاول واسس ذلك بمرور الزمن الى بوادر الطوائف والفرقة خصوصا بعد قيام الدولة الاموية، ويذكر الباحث علي الوردي: ان الصراع الطائفي كان موجودا منذ صدر الاسلام ومن الجدير بالذكر ان الصراع بين ايران والدولة العثمانية استمر لثلاثة قرون عندما اتخذت ايران التشيع شعارا لها بينما اتخذت الدولة العثمانية شعار الـ (التسنن) لها.
ماهي العوامل التي ساعدت على نشر الفكر الطائفي في بلادنا
1- السياسة التي اعتمدها النظام الدكتاتوري السابق والتي من بينها ممارساته الطائفية فقد ربط البعث القومية بالطائفية وعمل على تدمير الطبقة الوسطى كونها حمالة للوعي التنويري وبث مشاعر البداوة (القبلية والعشائرية) والطعن بعروبة الطائفة الشيعية واصولهم ونعتهم بالشعوبيين، الرتل الخامس والولاء لإيران وكونهم مواطنين غير اصلاء جلبهم القائد العربي الاسلامي محمد القاسم مع الجواميس من الهند واسكنهم اهوار الجنوب واسقاطه لجنسية البعض من غير الموالين له وممارساته الطائفية ضد الاكراد الفيليين والتركمان بدوافع عنصرية وطائفية ايضا0
2- السياسة التي اعتمدت من قبل قوى الاحتلال بعد 2003 وبناء السلطة على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية.
3- ممارسات وسياسات القوى المتنفذة الحاكمة منذ سقوط النظام الدكتاتوري ولحد الان والتي منعت من تبلور دولة ديمقراطية عصرية تقوم على فكرة المواطنة.
4- ان بعض الدول الاقليمية والدولية عملت على استغلال التعدد المذهبي لتسعير الفتنة الطائفية وصب الزيت على النار المشتعلة لإفشال العملية السياسية في بلادنا من قبل القوى الاستعمارية والرجعية والصهيونية واعتمادها سياسة فرق تسد والتدخل المستمر من قبل تركيا في شؤون العراق الداخلية في محاولة لإعادة امجاد الدولة العثمانية عن طريق بعض احزاب الاسلام السياسي السني وكذلك هو دور قطر المعادي للعملية السياسية والهادف الى تاجيج الصراع الطائفي على المستوى الاقليمي ودور السعودية في نشر الفكر الوهابي التكفيري للمذاهب الاخرى.
5- دور الاعلام التحريضي في التضليل والتطرف والمبالغة.
6- ضعف العامل الوطني والذي تجسد بسياسة البعث الصدامي اللاديمقراطية حيث الملاحقة والبطش بالقوى الوطنية والديمقراطية واليسارية مما اضعف تأثيرها التنويري في الوسط الجماهيري وفسح المجال امام القوى الدينية في نشر الوعي الطائفي بين صفوف ابناء الطوائف. ان فشل المشروع القومي وعدم تحقيق اهدافه فضلا عن انهيار الاتحاد السوفيتي ترك آثاره على الحركة الشيوعية والتقدمية في عموم العالم مما زرع حالة من الياس والقنوط عند البعض وجنوح قطاعات من الجماهير الى الفكر الديني في امل الخروج من ازماتهم النفسية والروحية والمادية.
وساعد الجهل والامية وانتشارهما على نطاق واسع في خلق ارضية مناسبة لذلك.
7- انعدام التنمية الاقتصادية والاعتماد على الاقتصاد الريعي وعدم قيام قطاعات انتاجية صناعية، زراعية، خدمية من شانها ان تؤدي الى زيادة حجم الطبقة العاملة وتعزيز وعيها الطبقي المناقض للوعي الطائفي ناهيك عن البطالة ونسبتها العالية خصوصا بين الشباب مما دفع البعض منهم الى الانحراف واستمالتهم من قبل القوى الارهابية كحواضن لها.
8- ضعف بنية الدولة وهشاشة اجهزتها المختلفة وغياب الامن والقانون مما شجع على الاستقواء بالولاءات الثانوية كالطائفة والعشيرة.0 الخ.
9- ضعف منظمات المجتمع المدني في نشر المفاهيم الوطنية والديمقراطية وثقافة حقوق الانسان وروح المواطنة واحترام الراي والراي الاخر.
10- الجمود العقائدي كالتمسك بالأفكار السلفية والاصولية وما نجم عنها من تعصب وتطرف وتفسير المفاهيم الدينية والاسلامية من قبل بعض رجال الدين على هواهم واجتزاء الوقائع التاريخية من سياقها التاريخي الحقيقي مما خلق حالة من الركود الاجتماعي والتحسس والتوتر بين الاطراف المختلفة.
11- التربية الاجتماعية ودور الوسط العائلي المتعصب دينيا نتيجة الموروث الكبير الذي تركته الاحداث التاريخية في اثارة المشاعر السلبية والنعرة الطائفية.
12- مناهج التعليم المتخلفة علميا، اجتماعيا، ثقافيا، تربويا والتي بنيت على اساس هذا المذهب او ذاك وغياب روح المواطنة والولاء للوطن اولا.
الطائفية السياسية وسماتها
- ان الطائفية السياسية كنظام لا يكتب له الديمومة والاستمرارية بدون وجود حالة النزاع والاحتراب وانتاج وتدوير الازمات، وانه يلبس لبوسا طائفيا حتى يبرر وجود النخب السياسية الطائفية المتحكمة.
- التحليل الطائفي يختزل العلاقات الاجتماعية الطبقية الى علاقات بين الطوائف المتحاربة بدلا من توصيف النظام السائد توصيفا سياسيا طبقيا.
- النظام الطائفي ليس سوى الشكل الاجتماعي المحدد الذي يتمظهر في النظام السياسي السائد في اللحظة التاريخية الملموسة.
- المقاربة الطائفية لا ترتكز الى رؤية اجتماعية للمشكلات التي يواجهها مجتمعنا وتستبعد اصلا الجماهير ونضالاتها والحل ليس باستبدال طائفة بطائفة اخرى وتزيل من خطابها مفاهيم الحرية والشعب، الديمقراطية والنضال السياسي، الطبقات الاجتماعية، وتحل محلها مفاهيم مثل التمييز الطائفي والاضطهاد ومظلومية الطائفة.
- تنحو الطائفية السياسية باتجاه تفكيك بناء الدولة وتمزيق نسيج المجتمع وتدفعه الى الاحتراب والانتحار الذاتي.
- الطائفية لا تمتلك ديناميكية مستقلة ولا يمكن فهمها بمعزل عن السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي نشأت فيه وهي ليست حتمية اجتماعية تاريخية.
- وهي تعمل على دمج مؤسساتها بالدولة كما هو واقعنا اليوم وهذا التوازن لا يمكن تحقيقه عبر الدولة لان الدولة غير محايدة وتعمل وفق الطوائف.
- احتكارها للسلطة يتحول من وسيلة الى هدف يبرر ذاته بذاته لتحقيق مصالحها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فتعمل على تعميق التخندق الطائفي وتنمية الوعي الطائفي المقترن بسلوكيات طائفية يومية.
- تؤمن مصالح البرجوازية الطفيلية الداخلية المتشابكة مع مؤسسات الدولة وبالتالي يصبح للهيمنة الطبقية بالضرورة طابعا طائفيا.
- التوافقات بين احزاب الاسلام السياسي هي توافقات طائفية وليست سياسية فيجري تقسيم السلطة والثروة على اساس مفهوم المكونات في الظاهر لكن في الواقع لتامين مصالح النخبة السياسية الطائفية المتنفذة.
تجربة شعبنا مع الطائفية السياسية
1- لم تكن القوى الطائفية السياسية بمستوى وعودها التي قطعتها لناخبيها ولم تثبت صدقيتها في تنفيذ مشاريعها الحكومية.
2- غير ضامنة لوحدة الوطن والشعب، فالبلد حاليا يعاني من احتلال داعش لـ30 بالمئة من ارضه وهناك صراعات بين مكوناته، ومن يعمل لتشكيل اقاليم طائفية.
3- لم تقدم مشروعا تنمويا فاقتصاد البلد احادي الجانب (اقتصاد ريعي) يفتقر الى القطاعات الانتاجية.
4- تفشي ظاهرة البطالة والفساد المالي والاداري.
5- لا تمثل الطائفية السياسية الا مصالح نخبها السياسية.
6- الازمات المختلفة التي يعاني منها المجتمع ليس لها حدود ما دام النظام السياسي قائما على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية.
7- يتسم النظام الطائفي السياسي بغياب القانون وضعف مؤسسات الدولة وضعف المنظومة العسكرية لذا ينعدم الامن والاستقرار ونشهد حالات الاحتراب والاقتتال والاغتيالات على الهوية كما ينتج خللا كبيرا في تقديم الخدمات المختلفة وذلك لضعف المنظومة السياسية التي تدير البلد وهمها الاساسي هو تامين مصالحها الذاتية والفئوية دون التفكير بمصالح المجتمع والدولة.
8- يعتقد الطائفيون بان حل مشاكل المجتمع تكمن باستبدال طائفة باخرى وليس بمشروع اجتماعي سياسي متكامل.
9- تسعى الطائفية السياسية الى تمزيق وحدة الطبقة العاملة بهدف اضعاف المشروع المدني الديمقراطي الهادف الى التغيير.
10- لا تعترف الطائفية بالمواطنة وتعتبر المواطنين رعايا لديهم وعندما تتحدث عن الديمقرطية تتحدث عنها كآليات للوصول الى الحكم وليست ثقافة مجتمعية يبنى على اساسها المجتمع ومؤسساته المختلفة.
11- الايديولوجيات الطائفية هي امتداد لإيديولوجيات اقليمية لذا تحظى بدعمها المادي والاعلامي خصوصا في فترة الانتخابات .
12- الوعي الذي تسعى الى تجذيره هو وعي مظلل ينميه الجهل والشعوذة والامية والتخلف على نقيض الوعي الطبقي النابع من مصالح الجماهير الكادحة وضرورة وحدتها .
13- تعتمد المحسوبية والمنسوبية في التعيينات المختلفة وعدم الاهتمام بالكفاءات العلمية والمهنية خصوصا المستقلة عند توزيع المناصب الحكومية.
14- القوى الطائفية غير صادقة في اعلانها عن حل المليشيات المخالف للدستور والذي يدعو اليه برنامج الحكومة كونها مؤسسات للاستقواء على الاخرين.
ان ما تعانيه بلادنا من ازمات مختلفة والتي تكللت باحتلال 30 بالمئة من اراضي بلادنا من قبل داعش وحلفائه ماهي الا نتيجة للنظام السياسي القائم على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية، ان التصدي لها ومنع ترسيخها في مجتمعنا بما ينسجم وتطلعنا الى مجتمع معافى من ادرانها وامراضها الخطيرة يتطلب :-
1- الارتقاء بالوعي الاجتماعي واشاعة وترسيخ القيم والمفاهيم المدنية العقلانية والديمقراطية كاحترام حقوق الانسان والحريات المدنية واعتمادها في بناء الدولة وممارسة السلطة.
2- العمل على تفعيل دور التيار الديمقراطي وتوسيع قاعدته الجماهيرية على اساس مشروعه الوطني المدني الديمقراطي.
3- معالجة احداث 10 حزيران2014 والنضال من اجل تحرير الاراضي التي استباحها داعش من خلال اعادة بناء المنظومة العسكرية على اسس سليمة بعيدا عن المحاصصة ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب والارتقاء بأداء القوات العسكرية والامنية من حيث توفير المعلومة الاستخبارية والتسليح والتدريب.
4- الاستفادة من التحالف الدولي في ضرب القوى الارهابية بما يؤمن سيادة بلدنا واستقلاله ووحدته عبر التنسيق مع قوى التحالف وضرورة بناء التحالف الداخلي عبر جبهة واسعة ومعالجة الاشكالات بين الاطراف الوطنية عبر الحوار و الاولويات واصدار القوانين التي تعزز الوحدة الوطنية التي جاء بها برنامج الحكومة وحسم الاشكالات مع سلطة الاقليم.
5- معالجة الملف الامني بشكل سليم وتامين الامن والاستقرار وعودة الحياة الطبيعية باعتماد مقاربات سياسية وفكرية واعلامية ونفسية.00 الخ.
6- الدعوة لتصحيح بناء السلم الاهلي في البلاد عبر مصالحة برنامجية حقيقية باحلال مبدا المشاركة والمصير المشترك وروح المساواة والمواطنة.
7- دعم ممثلي التحالف المدني داخل البرلمان وتفعيل الحراك الجماهيري من اجل الزام الحكومة بتنفيذ برنامجها وتحجيم مظاهر المحاصصة في سلوكها .
8- انتهاج سياسة خارجية نشطة مستقلة على اساس المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
9- التصدي لمحاولات التضييق على الحريات الخاصة والعامة وتشويه الممارسات الديمقراطية.
10- العمل على حل المليشيات ودمجها كأفراد بالوحدات العسكرية وحصر السلاح بيد الدولة، ان وجود المليشيات ككيانات مستقلة مع الجيش يضعف من هيبة الجيش ويعطي رسالة بان الحرب القائمة مع داعش ماهي الا حربا طائفية وليست حربا وطنية.
11- التصدي لمن يسعى الى تأجيج الطائفية عبر الخطابات السياسية المتطرفة والممارسات اليومية ونبذ التوظيف السياسي للدين واستغلاله لأغراض ومصالح فئوية وحزبية.
12- مكافحة البطالة باعتبارها مشكلة مركبة ذات ابعاد اقتصادية اجتماعية سياسية وامنية عبر توفير فرص عمل من خلال الاستثمار السليم لواردات النفط والتوجه نحو تفعيل القطاعات الانتاجية، الصناعة والزراعة.00 الخ.
13- مكافحة الفساد المالي والاداري وتفعيل القانون بحق الفاسدين والمفسدين.
14- رفع الوعي الانتخابي لدى المواطنين واعتماد البرامج وترشيح الشخصيات المعروفة بكفاءتها ونزاهتها بعيدا عن اعتماد الطائفة اساسا في الاختيار.
15- النضال من اجل قانون انتخابي ديمقراطي حقيقي باعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة واصدار قانون للأحزاب السياسية واجراء الاحصاء في عموم البلاد قد يفتح الافاق امام مرحلة جديدة لتغيير موازين القوى لصالح المشروع الوطني الديمقراطي العابر للطائفية والمحاصصة.