المنبرالحر

هل من بصيص أمل لزياراتكم؟ / علي علي

هي خطوة لاأظنها مسبوقة بمثيلاتها من حيث كثافتها، بل لعلني أصيب كبد الحقيقة إن قلت أنها اختزلت خطوات عديدة تعود بالنفع والربح والريع والفائدة الى العراقيين جميعا، تلك هي الزيارات الإقليمية التي يقوم بها وزير خارجيتنا ورؤساء مجلسينا التنفيذي والتشريعي، وسبقتهما زيارات رئيس جمهوريتنا، والتي -على مايبدو- تبشر جميعها بخير قادم ولو بعد حين..!. فبعد الأردن والسعودية ودول الخليج.. جاء دور إيران، وستعقبها دول أخرى، لتكون محط رحال القائمين على حاضر العراق ومستقبله.
هي خطوات يتمنى العراقيون ان تكون عقباها استجابات تفضي الى الخلاص مما وصل اليه البلد، فلا أظن أن هناك أقسى وأشد رعبا من الذي جرى - ومازال يجري- من تداعيات مؤلمة حد اللوعة والمرارة، وغريبة حد الدهشة والذهول، آخرها أحداث احتلالات الشراذم والعصابات مدنا عراقية الواحدة تلو الأخرى، بشكل لايصدقه عقل إنسان سوي. وقد لا أبالغ في القول انها أشد الصدمات وقعا على العراقيين جميعا حتى الآن. وما فاقم من هول شدتها وعِظَم وقْعها عليهم، هو الخيانات التي ابتدأت من أكبر رأس في محافظة نينوى، ولم تنتهِ بعد بآخرين يتلذذون بأنواع الغدر وأصناف الخيانة، بما لم تعهدها النفس العراقية، التي جُبلت على الشهامة والرجولة والإباء. ولاأظن الشاعر قد تفاخر بالبيتين الآتيين جزافا، لو لم يرَ فينا ما يستحق الإشادة والثناء:
لنا نفوس لنيل المجد راغبة
وإن تسـلت أسـلناها على الأسـل
لاينزل المجد إلا في مواطننـا
كالنوم ليس له مأوى سوى المقل
نعم..! هي صدمة لم يكن يتوقعها العراقيون أن تحدث بعد أحد عشر عاما من خلاص البلد من الشبح الجاثم على صدره عقودا، ودخوله عش الديمقراطية وعصر القيادات المنتخبة. هي خيبة أدخلت العراقيين قسرا للعيش بين ليل مظلم ونهار أكثر ظلاما، وصباح حالك ومساء أشد حلكة، وبين هذا وذاك يأتي بين الحين والآخر بصيص ضوء من كوة أضيق من سم الخياط، لايستشعر به إلا القلة القليلة من الناجين سهوا، من الويلات التي أصابت مفاصل البلد خلال العقد المنصرم. هو واقع مرير يعيشه أكثر من ثلاثين مليون شخص، يشغلون مساحة (437,072) كم مربعا، اشتركوا جميعهم باقتسام القلق والخوف من الحاضر ومن المستقبل على حد سواء، كما تقاسموا ضنك العيش والسعي وراء الرزق باحثين عنه لاهثين وراءه في أضيق منافذه، وكانت لهم الحصة الأكبر من التهجير القسري والسفر المحتوم الذي ماكانوا يختارونه إلا كحلّ وحيد، وخطوة لامناص من اتخاذها طريقا الى دول مشارق الأرض ومغاربها، تاركين أهليهم ووطنهم الذي نشأوا وترعرعوا فيه، لعلهم يجدون ضالتهم هناك في العيش آمنين.
ومع كل هذا فالذين ارتأوا البقاء داخل حدود العراق تحت مطارق العيش القلق، والخوف المستديم، والموت المداهم على الأبواب، هم اليوم على أحر من الجمر بانتظار ماتأتي به زيارات ساستهم الذين مافتئوا يتنقلون مؤخرا، بين بلد وآخر بحثا عن حل أو مدا لجسور كانت قد قطعت أعواما طوالا، لعل عبورها يفضي الى بر الأمان، بعد أن ضاقت بهم السبل، ولم يعد لديهم متسع من الأمل، وآن الأوان أن يعيشوا أحلامهم واقعا في العيش الهانئ تحت سقف بلدهم.