المنبرالحر

مسرحية سقوط الموصل / د. مؤيد عب الستار

ليس غريبا أن يخسر أي جيش من جيوش العالم معركة من المعارك ، او تسقط مدينة في قبضة عدو يتمكن من مباغتة الموقع او المدينة لينقض عليها ويحتلها ، او يحاصرها فتسقط بعد حصار صعب لا تستطيع منه فكاكا مثلما حدث لسقوط مدينة الكوت التي تحصن فيها الجنرال تاوزند البريطاني وجيشه اثناء الحرب العالمية الاولى ، فاستسلم الجنرال البريطاني في نهاية المطاف للجيش التركي عام 1916 وسلم مفاتيح مدينة الكوت بعد حصار دامي استمر حوالي خمسة اشهر، ليصبح حصار الكوت اطول حصار في الحرب العالمية الاولى ، وصار درسا في الاكاديميات العسكرية. وهو بالاساس فكرة الجنرال الالماني غولدز الذي كان يقود الجيش السادس التركي في العراق .
كما استطاع الالمان احتلال شمال ليبيا في الحرب العالمية الثانية فحدثت معركة العلمين هناك بين الجنرال الالماني رومل والجنرال البريطاني مونتغومري الذي انتصر بسبب تمكن بريطانيا من قطع الامدادات النفطية والوقود عن جيش رومل والتي كانت ترده عبر البحر المتوسط من ايطاليا.
ومن أشهر أساطير المدن في التاريخ التي حوصرت واستطاع الاغريق احتلالها بخدعة هي طروادة التي ادخلوا فيها حصانا خشبيا مليئا بالمقاتلين المغاوير الذين خرجوا ليلا وفتحوا ابواب المدينة ليدخلها الجيش اليوناني ويحتلها بلا رحمة ، فذهب حصان طروادة مثلا في التاريخ العسكري.
اما سقوط مدينة الموصل برواية الفريق الركن مهدي الغراوي ، وحوار مقدم البرنامج في البغدادية السيد نجم ، فقد كشف لنا عن مسرحية امتزجت فيها التراجيديا بالكوميديا ، وهي مسرحية تقدم لاول مرة في العراق من على شاشة قناة فضائية لتكشف مدى فقر العقل السياسي والعسكري الذي يقود البلاد .
تصوروا مدينة تعداد نفوسها يزيد على المليونين ، وفيها قوات عسكرية جرارة ، و لديها من الشرطة ما تعداده 20 الف شرطي ، تسقط خلال يوم واحد ، ويرفع سكانها رايات الاستسلام لعصابات ظلامية قادمة من مجاهل الغابات والكهوف ومفازات الصحراء.
من الجدير بالذكر ان نروي من احداث التاريخ الغابر حين حوصرت بغداد ، ان احد الرجال وكان اعمى ، قام برصف مئات قطع الحجارة في داره ووقف فوق الجدار يرمي الغزاة بالحجارة فاصاب منهم عددا كبيرا قبل ان يقتل . بينما نجد قادة المدينة الميامين ، رغم ما يحملون من نجوم مرصعة بالذهب على اكتافهم يهربون بسرعة البرق من المدينة ويتركونها لقمة سائغة للعصابات الهمجية التي مهما بالغنا باعدادها لايمكن ان تزيد على ما لدى المحافظة من قوات وعتاد .
المحزن في الامر ، ان مايرويه الغراوي يكشف دون زيف سذاجة القادة السياسيين والعسكريين الذين تدرعوا بالدروع العسكرية زورا وبهتانا واحتلوا مناصب اكبر من حجمهم ، لابد انهم حصلوا عليها بالتزوير او بالمحاصصة او بالشراء ، وانهم لن يفلحوا في حرب او سلام مع الاعداء المدربين في مدارس القاعدة وطالبان وكهوف اليمن وتورا بورا .
ان الموصل لن تكون المدينة الوحيدة التي تسقط بيد داعش ما دام هؤلاء السياسيون والعسكريون وامثالهم يقودون البلاد .