المنبرالحر

التعليم الدينيّ يزحف نحو المدارس الرسمية / مازن العاني

مع تصاعد الاستقطاب السياسي والاجتماعي والطائفي في مجتمعنا، اصبح التعليم واحدة من جبهات المواجهة المهمة ليس فقط بين دعاة الفكر الديني والعلمانيين فقط، بل بين هؤلاء الدعاة انفسهم.
ويلاحظ المتتبع للشأن التعليميّ والثقافيّ في العراق صراعاً متواصلا بين منهجين مختلفين؛ الأوّل هو التعليم الدينيّ في المعاهد والمدارس الدينيّة، والثاني هو التعليم الرسميّ في المدارس الحكوميّة. الى جانب الصراع الاخر داخل المنهج الديني ذاته.
يزحف المدّ الدينيّ في كلّ مفاصل التعليم في العراق، و تحضر دروس التربية الدينيّة بقوّة، بعد ان انحسرت الدروس الفنّية والرياضية و معها المهرجانات الثقافية والترفيهية من المدارس والمعاهد. ويأتي هذا بالتزامن مع موجة تشدّد دينيّ تتصاعد في المجتمع، يقابلها انحسار مظاهر الحريات المدنية.
ويجرى فصل الذكور عن الإناث في المدارس. وفرض اللباس المحافظ على المعلمات والطالبات، ويستخدم لأجل ذلك الابتزاز و التخويف والتهديد بالطرد من المدرسة، ووصل الامر بوزير التعليم العالي السابق ان اصدر قرارا يقضي باستحداث جامعة بغداد للبنات بذرائع واهية. قوبل القرار باعتراضات واعتصامات شجاعة من الاف الطالبات والطلاب.
متخصصون ومتابعون يؤكدون ان التعليم الديني تمدد الى حد كبير ليتداخل مع المنهج التربويّ والتعليميّ الرسميّ. وما عاد بالامكان نعت التعليم الحكوميّ بالمدنيّ كما كان عليه الحال عند نشأته قبل قرابة المئة عام.
وفي ظل مجتمع تعددي مثل المجتمع العراقي يصبح للتعليم الدينيّ، حيث الديانات والمذاهب الدينيّة المختلفة، حساسيّة شديدة، ولكون التاريخ هو الميدان الاكثر حساسية نلاحظ ان كلّ طائفة تحاول ان تفسر احداثه على وفق منهجها وتصوّرها.مثال ذلك يجري اليوم تدرّيس تفاصيل الأحداث المتعلّقة بالخلفاء الراشدين في المدارس الحكوميّة في محافظات بعينها بطريقة تختلف عن تدريسها في محافظات اخرى.
قبل ربع قرن اطلق صدام حسين بعد هزيمته في الكويت حملته الايمانية التي ضاعف من خلالها دروس الدين في المدارس، واصدر اوامره الى اعضاء حزبه بالانخراط في صفوف الحركة الدينية، وخفف عقوبات محكومين في قضايا جنائية مقابل تلقيهم دروسا دينية. وكان لذلك مساهمته الكبيرة في التمهيد لانزلاق البلد الى ما نحن فيه الان.
اليوم تنتشر المدارس الدينيّة ويتسع التعليم الدينيّ في مضمار تنافس سياسي وتسابق الوقفين السني والشيعي على فتح مدارس جديدة، على غرار مدارس امام خطيب» في تركيا ومدارس قم وطهران.
أنّ معضلة التعليم الدينيّ في بلدان الصراع الطائفيّ عموماً، هي مساهمته في تشكّيل هويّة المواطنين، مّا يجعلها قنبلة موقوتة قابلة للتفجر في اي لحظة.
يحذر كثيرون من ان انتقال الصراع الطائفيّ إلى قطاع التعليم، قد يؤدي الى انهيار نظام التعليم في البلاد، وتحوّله إلى تعليم دينيّ تتنازعه الأهواء الطائفيّة.
وتظهر هنا مسؤولية الجميع من فعاليات سياسية واجتماعية ومهنية الى مؤسسات ثقافية وعلمية لانتشال الواقع التعليميّ من المنحدر الذي انزلق إليه من د ون استثناء دور المؤسسات التعليمية والتربوية للدولة.
لقد تميز مجتمعنا العراقيّ على مدى تاريخه بالانفتاح و الرفض لأية ثقافة متشدّدة، لا تتناسب وطبيعته المدنيّة المنفتحة.