المنبرالحر

حقبة البعث السوداء / طه رشيد

ايام قلائل وتحل علينا الذكرى 52 لاول انقلاب فاشي وقع في العراق، بل في المنطقة باسرها، وتحديدا في بغداد يوم 8 شباط 1963. هذه الذكرى تثير في نفسي جوابا متفردا على سؤال وحيد: لماذا أكره حقبة البعث؟
حين حدث الانقلاب كان عمري لا يتجاوز 12 عاما وكنت حينها في الصف السادس الابتدائي في مدرسة ديالى الابتدائية للبنين في شارع خليل باشا بمدينة بعقوبة.. كان والداي اميين ولا علاقة لهما بالسياسة البتة. ولكن هذا لم يمنع من أن أرى في عينيهما حزنا شفيفا على مقتل الزعيم عبد الكريم قاسم .وأكثر ما آلمهما هو الأقدام على قتله في منتصف شهر رمضان ويقال انه كان صائما هو ورفاقه الذين استشهدوا معه !
كان يدخل علينا، قبل الانقلاب، معلم الحساب الاستاذ إبراهيم حسون (أطال الله في عمره إن كان حيا) بابتسامته العريضة وبطريقته المحببة لتعليمنا درس الحساب، وكنا نسعى معه في الدرس حبا به لأنه كان يبدو لنا مثل أخ محب لاخوته الصغار . ما هي إلا أيام قليلة حتى جاءنا أستاذ جديد ، لأن أستاذ إبراهيم دهمه الحرس «القومي» واعتقل وهو يتناول السحور مع عائلته. ولم يستطع الاستاذ الجديد أن يقيم معنا نفس الآصرة ولم يمتلك موهبة استاذ ابراهيم فتردى مستوانا كثيرا في الحساب ولم ننجح في البكالوريا إلا بالكاد.
وجاءت الفترة الثانية الأكثر سوادا في نهاية السبعينيات وكبرنا في الوعي مع النخل والبرتقال، وبدأت حقبة اخرى لكتابة التقارير والاستدعاءات والتوقيف، وتعذيب وسجن مئات الالاف من خيرة أبنائنا من شيوعيين ويساريين وديمقراطيين. فاضطر البعض الى الاختفاء أو الالتحاق بفصائل الأنصار - البيشمركة أو السفر إلى خارج العراق.
وبين هذا وذاك تأتي الأخبار الأكثر حزنا عن أبناء مدينتك واتراب صباك الذين ترعروا معك في نفس المدينة، وتقاسموا معك النهرين ديالى وخريسان، وركضوا معك في بساتين بعقوبة..أي حزن ينبعث مع تلك الأخبار . رفيق صباك ماجد هاشم الياسين اعتقلته المخابرات التركية وسلمته الى المخابرات العراقية وتم إعدامه على الفور. رفاقك عدنان الحداد وكامل كلاز ومصطفى الديو لاعب منتخب ديالى اعدموا! ولا يمكن ان انسى لوركا العراق شاعر بعقوبة العذب المعلم والمثقف الشهيد خليل المعاضيدي ولابد أن أذكر ايضا اسم الشهيد ياسين ابو ظفار ..
والشهداء من اصدقائي البعثيين النجباء (ونحن نتحدث عن شهداء حقبة البعث ) الذين غدرت بهم قيادة حزبهم: إسماعيل النجار وماجد السامرائي.
هؤلاء أصدقائي الشخصيون في بعقوبة الذين اعدمهم البعث الحاكم آنذاك ..وبما اني أتحدث عن الأصدقاء فمن الممكن أن أضيف لهم أقرب الناس إلى قلبي ايام دراسة الفنون الجميلة في بغداد الشهيد المصور قيس، الفنان دريد إبراهيم، المسرحي حسن حنيص، الفنان كاظم محمد علي الكرادي. كل هؤلاء لم تكن في جيوبهم رصاصة واحدة. كان كل ما يحملوه هو خزيناً من كلمات ومواقف.
تبا لها من حقبة سوداء!