المنبرالحر

حلول ارتجالية / قاسم السنجري

منذ ظهور بوادر انخفاض اسعار النفط، الذي ألقى بظلاله المعتمة على الوضع الاقتصادي في البلاد، والحكومة ترتجل الحلول للخروج من الأزمة الخانقة. حيث انها لا تجد أمامها من موارد سوى النفط، بعد ان انشغلت القوى السياسية بالصراع على السلطة وتقاسم المغانم عن بناء الدولة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية، وبضمنها قطاع الصناعة وقطاع الخدمات وغيرهما من القطاعات التي تدهورت أوضاعها بسبب هذا الصراع.
هذه القوى السياسية ما إن وضعت على المحك، حتى بدأت بالتفكير في حلول، لم يكن بمستطاع افضلها أن يعالج سوى المشكلات العارضة وليس الجذرية، بل وتسارعت وتيرة تفكيرها في الحلول غير المدروسة، حتى قام العديد منها بتقديم مقترحات تدعو الى خصخصة القطاع العام وبيع الشركات الحكومية. وهذا ما يدفع بالكثيرين إلى الشك في خلفيات هذه المطالب، بعدما بينت السنوات العشر الأخيرة من تورط العديد من السياسيين في اعمال لا تخلو من شبهات فساد واستيلاء على ممتلكات تعود للدولة.
وكان ضمن ما افرزرته العبقرية الاقتصادية لبعض العاملين على «حل» الأزمة القائمة؛ مقترح إحالة الالاف من موظفي وزارة الصناعة على التقاعد، في ما يكون أكبر عملية تنصل حكومية من المسؤولية عن شريحة واسعة من الشعب، يشهدها العراق.
فمنذ أشهر وعمال شركات التمويل الذاتي التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، يناشدون ويلحون على الحكومة الاتحادية أن تسمع صوتهم وتصرف رواتبهم المحجوبة بذريعة عدم وجود تخصيصات مالية لهذه الشركات، دون أن تلتفت لمعاناتهم والحال التي هم عليها بلا مورد يسد احتياجاتهم واحتياجات عوائلهم اليومية، تاركة اياهم يواجهون مصيرهم! وتأتي «الحلول» المذكورة غير المسؤولة، في وقت تثقل فيه قانون التقاعد العام فقرات قد تبقي الموظف الذي يُحال على التقاعد دون الخمسين من العمر بلا راتب تقاعدي، حتى بلوغه السن الذي يحدده القانون.
وتشهد أروقة الحكومة وشقيقها مجلس النواب جهودا لإجراء تعديلات على قانون التقاعد العام، إلا أن ما يدور في اطار هذه التعديلات لا يأخذ بنظر الاعتبار ما ستُقدِم عليه الحكومة من إجراءات بحق آلاف الموظفين. وتقتصر التعديلات المزمع إجراؤها على ضمان حق اعضاء مجلس النواب في الحصول على التقاعد، وترك من هم بأمسِّ الحاجة الى ما يسد رمق عوائلهم التي تعاني من توقف الرواتب منذ عدة أشهر.
إن ابقاء قانون التقاعد على حاله دون إجراء تعديلات جذرية تضمن لمن تتم احالتهم على التقاعد استلام رواتبهم بغض النظر عن شرط العمر، سيؤدي إلى تدمير هذه الشريحة بالكامل، ورميها إلى الدرك الاسفل من الفق. وهو ما يكشف عن تخلي الحكومة بشقيها التنفيذي والتشريعي عن واجباتها تجاه هذه الشريحة من المواطنين وتجاه الشعب العراقي بأكمله. حيث ان التنصل عن هؤلاء العمال اليوم يمكن ان يكون مقدمة للتنصل عن شرائح أخرى في المستقبل القريب.