المنبرالحر

مجلس الخدمة المادة الدستورية المغيبة / ابراهيم المشهداني

لم يكن من العبث تثبيت مادة في الدستور تعنى بتنظيم شؤون الوظيفة العامة بما فيها التعيين والترقية فقد نصت المادة 107 من الدستور على ان ( يؤسس مجلس يسمى مجلس الخدمة العامة الاتحادية ،يتولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة الاتحادية ، بما فيها التعيين والترقية ، وينظم تكوينه واختصاصاته بقانون ). الا ان الحكومات المتتابعة منذ ان وضع الدستور موضع التنفيذ لم تلتفت الى هذه المادة الدستورية مع انها بوابة لدخول مئات ألاف الخريجين وأصحاب الكفاءات العالية الى عالم الخدمة والمساهمة في عملية التنمية الوطنية اقتصاديا واجتماعيا ومن الطبيعي ان تفعيل هذه المادة مرتبط عضويا بإستراتيجية الدولة الاقتصادية في اعادة بنية الاقتصاد الوطني والارتقاء به ليكون متفاعلا مع الاقتصاديات العالمية.
ويتذكر آلاف المتقاعدين اليوم، كيف بدأت حياتهم الوظيفية عبر مجلس الخدمة وطريقة المنافسة التي كان يوفرها المجلس امام المتقدمين لاشغال الوظيفة العامة وخاصة ابناء الفقراء الذين لم يجدوا حاجة لمسح اذيال الشخصيات المقربة من النظام للتوسط لإشغال تلك الوظيفة. وهكذا كانت المؤهلات الدراسية عن طريق اجراء ألاختبار الفيصل في التمييز بين المتقدمين للوظائف الشاغرة التي تجتمع من كافة الوزارات في وعاء ذلك المجلس . إلا ان حزب البعث الذي حكم البلاد عبر انقلابه العسكري في 17 تموز من عام 1968 لم يكن يحتكم حينها ، إلا على بضع مئات من الاعضاء والأنصار والمؤيدين وهذا العدد غير كاف للسيطرة على اجهزة الدولة وتوطيد سلطته ، لذلك لم يكن امامه بد سوى الغاء هذه المؤسسة ووضع معايير التعيين التي تناسب مقاساته ونمط تفكيره ، وما هي إلا سنوات قليلة حتى امتلأت دوائر الدولة بالفاشلين والانتهازيين وكتاب التقارير .وبالعكس فقد تعرض الموظفون الاكفاء الذين لم تسمح اخلاقهم وأفكارهم للقبول بشرط الانتماء الى حزب السلطة والتدنيس بفكره الفاشي فاضطروا للجوء الى المنافي وتحولت هذه الكتلة البشرية العريضة الى قاعدة المعارضة السياسية لذلك النظام .
ولئن حدث التغيير السياسي في عام 2003 بالطريقة المعروفة فاتجهت الامال نحو العودة الى وظائفها و البحث عن فرص عمل تبعدها عن رصيف البطالة ، ومن الطبيعي ان وضع البلاد بعد الحروب والحصار القاسي لم يسع لتلبية تلك الطموحات وبذلك نهضت الحاجة الى معالجة ظاهرة البطالة التي كانت محكا لإثبات مصداقية الحكومة الجديدة ، ولكن لابد من وجود قوانين واليات تتعامل مع هذه القضية الضاغطة فأصدرت قانون المفصولين السياسيين رقم 24 لسنة 2005 وكانت الخطوة الاولى لمعالجة قضية المفصولين السياسيين ، اما معالجة التعيينات الجديدة فقد قال الدستور كلمته الفصل في اعادة تأسيس مجلس الخدمة الاتحادي ، ولكن يبدو ان احتكار الوظيفة ظل عاملا مثيرا لشهية بعض القوى المحسوبة على المعارضة وتسنمت مواقع متقدمة في قمة الهرم الحكومي في العهد الجديد وطمعا في توسيع قاعدة المؤيدين والمريدين لجأت الى معايير المحسوبية والمنسوبية كمعيار في توزيع الوظيفة العامة ولهذا تجاهلت عن قصد تفعيل المادة 107 من الدستور فضخ في جهاز الدولة الالاف بين سارق ومزور عن طريق الرشوة، حتى كبرت مثل كرة الثلج فتحولت الى حيتان للفساد تنهش في جسد الدولة وتنشر الخراب في مؤسساتها.
لكل ما تقدم يتعين على الحكومة الجديدة ، تنفيذا لبرنامجها المعلن وللحد من فوضى التعيينات في الوظيفة العامة والحد من تسلل الفاسدين ، التعجيل بإعداد مسودة قانون مجلس الخدمة الاتحادية العامة ودفعه الى مجلس النواب لتشريعه واعتباره من الهيئات المستقلة تقوده كفاءات معروفة بمهنيتها ونزاهتها ، بعيدا عن المحاصصة الطائفية الاثنية ومعادلتها الظالمة التي اخرت تفعيل هذه المادة الدستورية ، بهدف توظيف الموارد البشرية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بأفضل الطرق علمية وعقلانية وعدالة .