المنبرالحر

((تحليل الشخصية الشيوعية العراقية)) /عرض د. مزاحم مبارك مال الله

مقال قرأته ضمن كتاب"الأسلمة السياسية في العراق رؤية نفسية" لمؤلفه الدكتور فارس كمال نظمي، المقال مؤرخ في شباط 2010.
وقد وردت في المقال جملة من الأمور التحليلية النفسية تستحق الأهتمام.
في معرض وصفه للشيوعية يقول نظمي:
"كانت الشيوعية وما تزال فكرة ملتبسة المضامين لعموم الناس في العالم بسبب طابعها التبشيري الصادم للمسلمات البشرية التقليدية في الأخلاق والأقتصاد".
ثم يضيف، "ان الشيوعية لم تكن ايديولوجيا نخبوية مكتبية نشأت على يد ماركس وانجلز في القرن 19 فحسب بل هي قبل كل شئ نسق سايكولوجي معرفي وجداني حرّك أنماط الشخصية البشرية وظهور التفاوت والأستغلال".
وقبل ان يتناول الباحث شخصية الشيوعي العراقي فقد طرح سؤالاً مهماً ومنطوقه : من هو الشيوعي بالمنظور النفسي؟
فيجيب قائلاً: "هو الناقد الأخلاقي لمأساة أخضاع الأنسان لأي قوى تنتهك كرامته الآدمية فزيولوجياً وأجتماعياً ،موظفاً أدوات التحليل العقلاني من اجل اصلاح البنية الأقتصادية والفكرية للعالم نحو تحرير العقل والجسد البشريين من صنوف الأستعباد والأستلاب".ثم يقول:
"فالشيوعي مغرم حد الأفتتان بكيفية تغيير العالم، ليس بالوسائل السياسية فحسب وأنما بالأساليب الثقافية الجمالية والنقابية والأجتماعية أيضاً ويعمل على اطفاء القيمة النقدية الأستغلالية لرأسمال ومنحه الوظيفة التشاركية المساواتية ".
ويقول في موقع أخر: أن الشيوعية تيار فكري قديم له جذره المتغلغل عميقاً في السيكولوجيا الأجتماعية الباحثة عن أعادة التوازن ،والدليل فأن أصدقاء الحزب الشيوعي العراقي ومريديه عددهم أضعاف أعداد أعضائه طوال تأريخه".
وتحت عنوان "من هو الشيوعي العراقي بالمنظور النفسي؟"،يجيب د. نظمي بـ :
"أنه الشيوعي بمضمونه السايكولوجي العام الواعي بحقيقة الظلم وفكرة العدالة الأجتماعية ، مضافاً اليه حزمة من الخصائص النفسية المحلية والتي يمكن أختزالها الى عدد من السايكولوجيات وهي :الأمل، الأيثار ،النخبة وأخيراً التهذيب والزهد".
1. سيكولوجية الأمل:
ثابر الشيوعيون العراقيون ليبقوا مبشرين بالأمل الأجتماعي على نحو فريد في ديمومته وأصراره. هذا الأمل أضفى على الحياة الأجتماعية والسياسية في العراق شحنة تطويرية فيندر ان تجد عائلة عراقية لم يتأثر احد افرادها على الأقل بالنزعة الشيوعية من بعيد أو قريب.
2. سيكولوجية الأيثار:
• لا يعرف الشيوعيون العراقيون مفهوم الرشوة.
• لا ينتظرون منافع شخصية.
• تتمثل منافعهم بتحقيق سعادة الأجيال،والدليل على ذلك، يقول د.
فارس:
"حُزّت أعناق وثُقبت جماجم وقطعت أوصال آلاف الشيوعيين على مدى ثمانين عاماً ممن قايضوا موتهم هذا ليس بثواب أو رشوة تنتظرهم في العالم الأخر أنما بفكرة ان دمائهم ستعبّد درباً مؤكداً نحو مستقبل عادل على هذه الأرض.
• وهم بذلك الفئة الأجتماعية الوحيدة التي لا ترشي ولا تُرشى، يحركهم وعي تأريخي أخلاقي ، فالشيوعي العراقي يمنح جسده طواعية دون تعويل على انبعاثه من جديد في عالم الغيب وهذا درس أخلاقوي متقدم عن ارتقاء الطبيعة البشرية يجدر بعلماء النفس دراسته بعناية وابداع".
3. سيكولوجية النخبة:
• ويقصد د. فارس بـ (النخبة) هم الطليعة الأجتماعية التي تتبنى في قلب الظلام ممرات الى النور، فتجد الفلاح أو العامل الشيوعي العراقي نخبوي في أطاره الطبقي السوسيولوجي بدفاعه المنطقي والأجتماعي والصبور عن حقوق الأكثرية الفاقدة أمام جشع الأقلية المالكة ونلمس تقارب نفسي حميم بين جميع الشيوعيين العراقيين بمختلف مستوياتهم الثقافية وأنحداراتهم الطبقية.
• كان للشيوعيين أسهام أساسي في تكوين سمة الحقانية والعدالوية في الشخصية العراقية المعاصرة في أطارها الأجتماعي.
4. سايكولوجية التهذيب والزهد:
• هناك صورة ذهنية نمطية في المجتمع العراقي عن شخصية الشيوعي العراقي ،اركان هذه الصورة :التهذيب ،العفّة ،الصدق والثقافة والألحاد، علماً أن (الألحاد)معتقد ذاتي يصعب التكهن بمدى أنتشاره فعلاً بين الشيوعيين بينما بقية الصفات فهي متوفرة لدى الشيوعيين وأصدقائهم.
• الشيوعي في أذهان الناس هو:
ـ الشخص الأنيق النظيف في مظهره بلا تكلف حتى لو كان فقير.
ـ متأبط الكتاب.
ـ متابع لأفلام السينما العالمية والمدارس الفنية والأدبية الحداثوية.
ـ مُراعي أحاسيس ومشاعر الأخرين وخصوصايتهم.
ـ المدافع البليغ اللسان عن حقوق المرأة والطفل والمستضعفين.
ـ المتحدث المفوّه القادر على الأستماع العميق لخصومه ثم الرد عليهم بمنهجية عقلية جدلية.
ـ حرفي المتّقن لمهتنه.
ـ الزاهد المتعفف سواء كان وزيراً أو عاملاً.
ويختتم د. فارس مقاله بـ
"أن الشيوعيين العراقيين يتمتعون بمستوى متقدم من الصحة النفسية المجتمعية متمثلة بصلابة الشخصية والقدرة الدائمة على التحدي الفكري لتحجر الواقع وسكونه الرجعي وبالعاطفة الوجدانية العميقة تجاه آلام المحرومين والمظلومين وبنزعة الأمل والتفاؤل"
ثم يقول:
"مثلما لا نستطيع أن نتخيل عراقاً بلا بغداد ، فأن عراقاً بلا شيوعيين هو أفتراض عقلي مستحيل لأن جزءاً من نسيجنا الأجتماعي قد حاكته الأبرة الشيوعية الأنيقة والمثقفة والعقلانية".
(( بأعتقادي أن مقال الدكتور فارس فيه جمل بلاغية رائعة ،وأعتقد أنها أول دراسة علمية نقدية كتبت عن الشيوعيين العراقيين وفق منظور محايد ومنصف))