المنبرالحر

مجزرة حلبجه.. وصمة عار أبدية في جبين البعث وسلاحه الغادر / د. كاظم المقدادي

أثبت البعث العراقي بأنه نظام دكتاتوري فاشي. وعرف العالم المجرم صدام حسين بأنه من أعتى عتاة الدكتاتورية والأستبداد. وعدا هذا، تميز بأنه أول حاكم في التأريخ يستخدم أسلحة الدمار الشامل ضد شعبه، مقترفاً أبشع مجزرة ضد سكان حلبجه الكردية العراقية في 16 اّذار 1988.
الكيمياوي سلاح دمار شامل
تصنف أسلحة الدمار الشامل الى 3 أنواع: نووية وكيمياوية وجرثومية / بايولوجية، وهي تتميز بشدة فتكها ودمارها للإنسان والحيوان والنبات، وتلفها لبقية عناصر البيئة من هواء وماء وتربة .
وفقاً لمعاهدة الاسلحة الكيمياوية (التي تمت المصادقة عليها في عام 1992 من قبل كل من روسيا والولايات المتحدة الامريكية وكل اعضاء حلف الناتو، ودخلت حيز التنفيذ في عام 1998) تُعرِفُ الاسلحة الكيميائية بانها " جميع تلك الاسلحة أو المعدات الاخرى المصممة خصيصا لتسبب الاضرار او الموت نتيجة الخصائص السمية لها ". وتصنف الأسلحة الكيميائية حسب مفعولها الى:
*غازات الأعصاب: : وهي عبارة عن مركبات عضوية فسفورية توقف عمل مادة الكولين استيريز الناقلة للنبضات العصبية واستنشاق كمية كبيرة من هذه الغازات لمدة ثوان تسبب الوفاة بينما تؤدي الكميات الأقل منها لظهور أعراض مثل آلام في العينين، وتقلصات في عضلات الوجه والعضلات الأخرى، وتشنجات عصبية، وتظهر رغاوى حول الفم مصحوبة بإسهال وتبول لا إرادي. وأشهر هذه الغازات هي التابون و السارين والزومان و غاز (VX) .
*الغازات الكاوية : ويعتبر غاز الخردل أو المسترد الكبريتي أشهر هذه الغازات ويوجد بأشكال مختلفة ويحتوي على الغاز النقي المقطر والمسمى ثنائي كلورو إيثيل سلفايد وهو سائل يغلي عند درجة حرارة 217 درجة م ، وهو بهذا يتبخر ببطء متحولاً لغاز ثابت لا يتأثر بالعوامل الخارجية، وله رائحة ضعيفة تشبه رائحة الثوم وينفذ في كل شيء عدا الزجاج والقيشاني، وغالبًا ما تظهر أعراضه بعد عدة ساعات من ملامسته للجلد حيث تظهر فقاقيع مؤلمة على الجلد ما تلبث أن تنفجر وتؤدي إلى جرح المصل الدموي من الأوعية الشعرية الدقيقة الموجودة تحت الجلد.
*غازات الدم : و يعتبر غاز سيانيد الهيدروجين (HCN) أشهر هذه الغازات، و يصل المصاب عادةً إلى الجرعة المميتة في الأماكن المغلقة، وهو يؤثر على كريات الدم الحمر حيث يتحد مع الميتهيموجلوبين فيشعر المصاب بضيق في التنفس وقيء بطيء وإغماء، ومن غازات الدم شبيهة التأثير والعلاج سيانيد الكلور.
*الغازات الخانقة : و تسبب هذه الغازات السعال والاختناق وتلف الرئتين ومن أشهرها الكلور و الكلوروبكرين الفوسجين.
*الغازات المسيلة للدموع وتسبب حرقة بالعين مع تساقط الدموع وكذلك تهيج الأغشية المخاطية في الأنف والفم والحلق ومن أشهرها غاز كلوروأسيتوفينون وهو ذو فترة تأثير قصيرة. وغاز بروموبنزيلسيانيد كلوروأسيتوفينون في الكلوروبكرين..
بسبب خطورة الأسلحة الكيميائية وعدم تمييزها بين المدنيين والجنود، فقد صدر قرار من الأمم المتحدة في عام 1992 بالإجماع بمنع استخدام هذا النوع من الأسلحة.
الأسلحة الكيمياوية العراقية
الأسلحة الكيماوية هي اول انواع أسلحة الابادة الجماعية التي انتجها النظام السابق- وفقاً للبرفسور حسين الشهرستاني[1],وبحسب الخبير البيئي د.علي حنوش فان النظام المقبور بدأ في التوجه بشكل حثيث، بعد منتصف عقد السبعينات مع بداية تكوين "مؤسسة إبن الهيثم للأبحاث والدراسات" لأجراء الأبحاث والدراسات لإنتاج وتجريب الغازات السامة، القديم منها او المستحدث. وكانت الشواهد الأولى لإستخدامات المركبات السمية الخطرة، أثناء المراحل الأولى من حقبة الحرب مع إيران، وفي الإشتباكات الحامية في هور الحويزة عام 1983، وفي بعض المعارك داخل الأراضي الإيرانية[2].وكشف الصحفي ألالماني المعروف اودو الفوختي أن العراق استخدم بإرشادات من الولايات المتحدة غاز الخردل السام المصنوع في بلاده عام 1988 في الحرب العراقية الإيرانية. وأضاف في تصريح لوكالة "رايا نوفوستي" الروسية أن "جميع الصور التي أخذتها بنفسي لجثث الجنود الإيرانيين المصابين بغاز الخردل كانت في منطقة الزبيدات الإيرانية بعد الثاني عشر من تموز عام 1988 ،حيث شاهدت بنفسي كيف استخدمت القوات العراقية غاز الخردل الألماني وتحت إشراف الولايات المتحدة لضرب الجنود الإيرانيين[3].
وبينت المعطيات أنه كان ثمة 15 مركزاً مكرسة لأنتاج وتطوير الغازات السامة للأهداف العسكرية، وكانت تلك المراكز موزعة على مواقع عديدة من العراق. وأشارت التقارير الى ان المؤسسات البحثية العراقية قد طورت إنتاج مركبات أخرى، ما عدا غاز الخردل، مثل: سيانبد الهايدروجين، أو غاز الكلورين، وأنتجت مركبات أكثر فاعلية في سميتها من تلك الأنواع القديمة، مثل غازات سارين وتابون( (وهي غازات لا تترك أثراً عقب إستعمالها) وغاز الأعصاب. كما أنتج غاز شديد الخطر أطلق عليه إسم VXA، الى جانب إنتاج سائل شديد السمية، أطلق عليه إسم Toxic B، والمتميز بقدراته على التدمير الشامل والسريع. إضافة الى غازات الدم، مثل حامض الهايدروسيانيك، والغازات الخانقة، كالفوسفين، والغازات المقيتة، مثل اَدمسيت، والمسيلة للدموع، كالكلور وأسيتوفيتون، أو غازات الهلوسة، مثل LSD، وهي غازات قاتلة او مزعجة او تشل القدرة. وتستمر هذه الغازات في البيئة لمدة زمنية معينة. فغازات الأعصاب الكاوية تستمر من 12 ساعة الى عدة أيام. والغازات الأخرى غير المستمرة، تبقى من عدة دقائق الى بضع ساعات، وتؤثر في لون النبات والمزروعات، وتسبب موت كثير من الحيوانات، ويعتبر ذلك من علاماتها.
وتمكن النظام السابق خلال الثمانينات من إنشاء صناعة كيمياوية متكاملة، ونجح في إنتاج الرؤوس الحربية المخصصة لحمل الذخائر الكيمياوية وتركيبها على وسائل إيصال متنوعة، إشتملت على صواريخ أرض- أرض الباليستية قصيرة المدى، ومتوسطة المدى. ونجح في إنتاج ذخائر كيمياوية مخصصة لأطلاق مدافع الميدان والهاون وراجمات الصواريخ الميدانية، الى جانب الكيمياوية التي تلقى من الجو. وقدرت مصادر الدفاع الغربية بان الترسانة الكيمياوية العراقية كانت تتكون من قرابة 30 ألف طن من المواد الغازية والسائلة السامة، والتي دمرت كلها بإشراف فرق التفتيش الدولية[4].
في تشرين الأول 1988(أي بعد 7 أشهر على إستخدام سلاح الأبادة الجماعية) أعلن الطبيب الأمريكي روبرت كول، الذي إلتقى اللاجئين العراقيين الى الأراضي التركية:" ثمة أدلة تأريخية ثابتة، وعلامات جسمانية محددة تشير الى إستخدام الحكومة العراقية لغازات سامة ضد الضحايا[5]. وفيما بعد جاء في بيان اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية السكان التابعة للأمم المتحدة: إن أبشع الأنظمة الفاشية لم يتجرأ على إستخدام أسلحة الإبادة الجماعية ضد مواطنيه كما فعل نظام بغداد.
شركات غربية ساعدت المجرم
أكدت المعلومات قيام اكثر من 500 شركة اجنبية بمساعدة نظام صدام حسين في الحصول على الاسلحة الكيمياوية- وفقاً لقائممقام قضاء حلبجة كوران أدهم، الذي أوضح بأنه بحسب المعلومات التي توصل اليها فريق من المحامين، فان 537 شركة اجنبية قامت ببيع اسلحة للنظام العراقي السابق، بينها اسلحة كيمياوية ومحظورة"[6]. وكل العالم يعرف جيداً بان النظام العراقي انتج هذه الأسلحة المحرمة دولياً بمساعدة شركات اوروبية وأميركية. وعندما لم يجد أية ردة فعل عالمية لاستخدامه أسلحة الابادة الجماعية في الحرب العراقيةـ الايرانية، تمادى في استخدامها ضد الشعب العراقي وفي عمليات اطلق عليها اسم «الانفال» لابادة الأكراد العراقيين في كردستان العراق. وأشهر استخدام لهذه الأسلحة عندما قصف مدينة حلبجة الكردية العراقية[7].وبالأضافة الى حلبجة، قصفت قوات النظام السابق العديد من المناطق الأخرى بالسلاح الكيمياوي. الصحفي العراقي جاسم الولائي سجل القرى والقصبات الكردية في كردستان العراق التي تعرضت للقصف بالسلاح الكيمياوي منذ أواسط نيسان 1987 وحتى أواسط تشرين أول 1988، بحسب تواريخ القصف[8].وكتب كارل فيك،من الـ "واشنطن بوست" عقب زيارته لكردستان العراق يقول:" طبقا لتقارير بعض المؤرخين، ومنظمات حقوق الانسان، فان القوات الجوية العراقية ألقت 13 حاوية معبأة بالغاز على قرية قوبتبه مساء يوم 30 آيار 1988 ضمن عملية «الأنفال».ويؤكد الاكراد بان عمليات "الأنفال" اسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 180 ألف شخص في القرى الكردية"[9].
من اَثار الأسلحة الكيمياوية العراقية بيئياً
بيئياً، تعتبر كارثة حلبجه - بحسب الباحث جمال حميد-،من جامعة ساوث بانك البريطانية- كارثة تلوث بيئي شامل، نظراً لتغير الصفات الطبيعية لعناصر البيئة من الماء والهواء والتربة، إضافة الى قتل الإنسان والحيوان وتدمير المزارع وإلحاق الضرر بالنباتات. ويقول أنه بعد كارثة حلبجة، وما سبقها من كوارث هيروشيما وناكازاكي، إستوجب إعادة تصنيف الكوارث البيئية الى كوارث بيئية تحدث نتيجة الفعاليات الصناعية للأنسان، وكوارث بيئية نتيجة الفعاليات العسكرية للأنسان. ووفق هذا التصنيف تعتبر كارثة حلبجة ثاني أكبر كارثة بيئية بعد هيروشيما وناكازاكي.
والآثار المترتبة على إستخدامات وتجارب وتدمير الأسلحة الكيمياوية بالمعيار البيئي، فان نتائجها تبدو أعقد، وذات أبعاد وتأثيرات طويلة الأمد، خصوصاً إذا أخذت بنظر الإعتبار النتائج التي توصل اليها فريق البحث العلمي البريطاني في أواسط عام 1993 بعد تحليل تربة المناطق التي تعرضت للقصف بغاز الخردل في حلبجة، والتي عززت نتائج سابقة لفريق علمي أمريكي. فالغازات السامة المستخدمة للأغراض العسكرية تتميز( بخلاف غالبية المركبات السامة المكرسة لمكافحة الحشرات والفطريات والبكتريا وغيرها، والتي أنتج العالم الغربي منها أكثر من 1500 نوع منذ عام 1948 وحتى عام 2000) بان غالبيتها ذات تركيب عضوي سريع التحلل، وكذلك بشدة فاعليتها وقدرتها على الإحتفاظ بحيويتها لفترة أطول بكثير من مركبات المبيدات. وهاتان الخصوصيتان لهما أبعاد خطيرة ومتأخرة على جميع مكونات البيئة الإجتماعية والطبيعية.
وتمثل مقابر حلبجة الجماعية مشكلة من نوع آخر. في وصفه لهذه المشكلة أوضح الدكتور ياسين كريم أمين، مدير مختبرات الطب الشرعي في أربيل: «في آخر مرة حاولنا حفر أحد المقابر الجماعية في حلبجة في العام 2011، توفي اثنان من العمال ونقل آخرون الى المستشفى بسبب تعرضهم لغاز الخردل الموجود داخل القبور». وفي المؤتمر والمعرض الدولي حول المقابر الجماعية، الذي نظمته وزارة حقوق الإنسان العراقية في لندن لمناقشة وتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها حكومة المجرم صدام،أكد دي بريتون جوردون، الرئيس التنفيذي لشركة Secure Bio المتخصصة في ما يعرف بـ CBRN (المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية) وبالتدريب والاستشارات، أنه "تبين دفن الناس في مقابر جماعية بعد وقت قصير من الهجوم الكيميائي، نتيجة لذلك، هناك خطر تلوث من بقايا المواد الكيمائية. لذا فإنه من الخطورة بمكان إخراج هذه الجثث بدون استخدام مواد عسكرية واقية من المواد الكيميائية وبدون وجود خبرات وعتاد ومعدات وتدريب»[10].
حالات مرضية قاتلة ومعاناة شديدة
في عام 1998،أي في الذكرى العاشرة للمجزرة البشعة، زار الصحفي العراقي عدنان حسين حلبجه وإلتقى بأحد الأطباء في مستشفاها، الذي أخبره بان النسبة الكبيرة من المراجعين في ذلك الوقت كانوا يشكون من حالات مرضية ذات صلة بالهجوم الكيمياوي، وتوقع ان بعضهم سيموت في غضون سنوات قليلة، بينما سيظل الآخرون يعانون مدى الحياة. ويبدو ان ذلك الطبيب لم يكن بالقدر من المعرفة والخبرة التي تؤهله لكي يخبرني- والكلام للأستاذ حسين- ان مدى الكارثة سيكون بمرور الأيام أبعد من موت ذوي الحالات الخطيرة وإستمرار معاناة ذوي الإصابات الأخف. فأخبر كشف أستاذة جامعية بريطانية عن جانب أكثر مأساوية للكارثة التي وقعت قبل 10 سنوات، إذ وجدت ان الآثار والأعراض المرضية إنتقلت الى الجيل الثاني من بنات وأبناء الذين أصيبوا في هجوم حلبجة الكيمياوي[11].
وكشف عن هذه الحالة فيلم وثائقي بثته القناة الرابعة للتلفزيون البريطاني في مطلع اَذار 1998، ضمن برنامجها الشهير Dispatches وعنوانه" قنبلة صدام الموقوتة السرية"، وهو الفيلم الثاني للمخرج جوين روبرتس عن كارثة حلبجة بعد فيلم " رياح الموت". وظهر المخرج في الفيلم الأخير برفقة البرفسورة كريستين جوسدين - أستاذة الطب الوراثي Genetics Medicine في جامعة ليفربول، التي أجرت في حلبجة أبحاثاً اولية حول اَثار القصف الكيمياوي على الذين أصيبوا فيه مباشرة وعلى أبنائهم.
من الضحايا الأحياء، كان يوجد في مطلع عام 2012 نحو 500 مصاب بالأسلحة الكيمياوية ما زالوا على قيد الحياة- حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة صحة الإقليم وتجمع ضحايا الأسلحة الكيمياوية- من بينهم 245 إصاباتهم شديدة، إسوة بآخرين فارقوا ببطءٍ الحياة خلال السنوات الماضية إثر تأثيرات تلك المواد السامة. وقال لقمان عبد القادر، رئيس التجمع لـ " نقاش":" في كل سنة نفقد عدد من المصابين، متأثرين بإصاباتهم"[12].
وأعلنت البرفسورة كريستين جوسدين إن ما وجدته في حلبجة، بعد 10 سنوات من إستخدام السلاح الكيمياوي ضد سكانها، كان أسوأ بكثير مما كانت تتصوره. وهي بحكم معرفتها وخبرتها كانت تتصور أنها ستلاحظ على بعض السكان أشكالاً من السرطانات والتشوهات الخلقية والعقم والعمى والتلف العصبي. وفعلاً وجدت كل هذا في حلبجة، وفي حالات أكثر خطورة، وأوسع نطاقاً مما كانت تعتقد. وإستطردت : عملنا مع الأطباء، وأجرينا تحديداً لنسبة حالات العقم والتشوهات الخلقية والسرطان، بما في ذلك سرطانات الجلد، والرأس، والعنق، والجهاز التنفسي، والصدر، وسرطانات الأجنة، لدى سكان المدينة، الذين كانوا فيها يوم الهجوم ، وقارناها مع سكان مدينة أخرى في المنطقة. فوجدنا ان هذه النسبة تفوق بـ3-4 أضعاف على الأقل لديهم حتى بعد 10 سنوات على الهجوم. ولاحظت الباحثة ان عدداً من أطفال حلبجة يموتون كل عام متأثرين بأمراض سرطان الدم (لوكيميا) وأورام الغدد اللمفاوية. وأن نسبة إصابة الأطفال والشباب بالسرطانات أعلى مما في أي مكان اَخر في العالم. وأضافت ان مما يزيد الأمر سوءاً هو النقص الكبير في وسائل الجراحة الخاصة بأمراض الأطفال لمعالجة العلل القلبية الخطيرة وتشققات الشفتين واللثة والتشوهات الخلقية الخطيرة الأخرى لدى الأطفال، ما يعني ان الكثيرين منهم يموتون بينما كان بالإمكان إنقاذ حياتهم.
وأشارت العالمة الى الآثار النفسية والعصبية للهجوم على حلبجة بالسلاح الكيمياوي، فقالت: تواجهك المحنة الإنسانية هنا في كل شارع وبيت وردهة في المستشفى. أشخاص ينتحبون ويشعرون بضيق نفسي شديد بسبب ما يعانون من كاَبة حادة، وتكون محاولات الإنتحار بشكل مرعب.
وفي ضوء أبحاثها إستنتجت ان التشوهات الخلقية والأعراض المرضية الخطيرة، التي ولدت مع الأطفال، الذين جاءوا الى الحياة بعد سنوات عديدة من الهجوم الكيمياوي، تشير الى ان هذه الآثار تنتقل الى الأجيال اللاحقة. والكثير من أطفال حلبجة الصغار يعانون من مشاكل في التنفس، وفي البصر، وفي الجلد، ومن سرطانات وتشوهات خلقية وعاهات وإضطرابات عصبية، وتخلف عقلي، وشلل دماغي. وأضافت: ان هذه السلسلة الواسعة من الأعراض المرضية يمكن عزوها الى التلف طويل الأمد للحامض النووي DNA للذين أصيبوا في حلبجة ولأبنائهم[13]
وأكد هذه الإستنتاجات البرفسور حسين الشهرستاني، بعد 3 أعوام، عند زيارته لمدينة حلبجة، وقال: نحن اليوم نتحدث بعد 13 عاماً على الحادث وهناك من أهالي المدينة الذين بقوا على قيد الحياة ظهرت عليهم أعراض صحية سلبية، فالرجال أصيبوا بالعقم. أما النساء فيعانين من حالات الاسقاط، كما ظهرت حالات تشوه خلقي في المواليد الجدد وأنواع من مرض السرطان لم تكن معروفة في تلك المناطق. ان التأثيرات الصحية السلبية لم تظهر فقط على الذين تلقوا الضربة بشكل مباشر، بل ستظهر هذه الأعراض حتى على الأجيال المقبلة[14].
مخاطر " الكيمياوي" ما تزال قائمة
رغم مرور 27 عاماً على قصف حلبجة ما تزال مطمورة في أراضي كردستان العراق، حتى في المناطق السكنية، بقايا قنابل وصواريخ السلاح الكيمياوي البعثي، وهي تشكل خطراً كبيراً على السكان. فقد أعلنت بلدية قضاء حلبجة العثور على صاروخ كيماوي في طائرة سقطت في القضاء بعد قصفه بالأسلحة الكيماوية خلال العام 1988[15].واعلنت جمعية ضحايا القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة، أن فرق البحث الخاصة بها قد عثرت على قنابل غير منفلقة في 5 دور في حلبجة ، 4 منها داخل حدود مدينة حلبجة، والخامس يقع في قصبة خورمال[16].وفيما بعد أعلنت العثور على قنبلة كيمياوية غير منفلقة في احد المنازل بحي (مرزة بوتو) في مدينة حلبجة[17].وعثر فلاحون عن طريق الصدفة على قذيفة محشوة بالغازات الكمياوية السامة من مخلفات النظام السابق ، في مزرعة مهجورة بقرية ( تكية ) التابعة لناحية خورمال القريبة من بلدة حلبجة ضمن محافظة السليمانية . وتعتبر هذه رابع قذيفة كيمياوية يتم العثور عليها في المنطقة منذ مطلع العام[18].واوردت صحيفة "روداو" الكردية ان تأثير غاز الخردل الذي ضربت به مدينة حلبجه عام 1988 لا يزال تأثيره موجودا على المواطنين في المنطقة. ونقلت الصحيفة عن خبير بريطاني في الاسلحة الكيمياوية يرأس فريقاً لإجراء تحقيق ببقايا الغازات السامة في حلبجة قوله ان مخلفات غاز الخردل لا تزال موجودة ومؤثرة، داعياً قائممقامية المدينة الى تنبيه المواطنين بعدم استخدام سراديب البيوت التي ضربت في السابق بهذا الغاز. واضاف الخبير ان عمليات الحفر في المدينة تطلق الغاز الموجود في الارض ويؤدي الى نفس النتائج [19].
وكان خبير الحرب الكيمياوية البريطاني هاميش دي بريتون-غوردون، الذي دأب على العمل في مؤسسة بورتون داون، وهي منشأة علمية عسكرية بريطانية، قد بحث مع حكومة كردستان العراق طرق منع التلوث الكيمياوي في حلبجة. وقال: "نواجه مشكلة هنا عندما يبنون ابنية جديدة، فهم يحفرون الاساسات ويصلون الى جيوب غاز الخردل هذه، وسرعان ما يموت كل من يقوم بهذه المهمة". واضاف "انها مهمة واحدة نأمل في تقديم مساعدة بشأنها، مع توفير مراقبة مشددة، واذا لدينا اي دليل على وجود غازات في المنطقة فسرعان ما سنتخذ التدابير اللازمة لضمان عدم تعرض المواطنين لها، وبمجرد تطهير حلبجة ستكون القدرة على تنمية المكان ممكنة مقارنة بمعدل التنمية في بقية البلاد". وقال انه" ربما يكون من الممكن ايضا تحديد الاطراف التي امدت حكومة صدام حسين بالكيمياويات اللازمة للاستخدم في حلبجة".واضاف: "نتوقع ان نعثر على عينات من غاز الخردل في المقابر الجماعية كما فعلنا في المخابئ. واذا استطعنا ان نحللها الى عناصر جزيئاتها الرئيسية، سيكون بمقدورنا تحديد الجهة وحينئذ سيكون بامكاننا مضاهاتها مع العينة"[20]..
الى هذا، وعدت وزارة البيئة قبل قرابة العامين بانها ستنفذ اجراء فحوصات لمقابر حلبجة ودراسة ما تبقى من تلوث كيمياوي، وذلك بطلب من وزارة حقوق الانسان في حكومة اقليم كردستان. وقال مدير عام دائرة التوعية والاعلام البيئي بالوزارة ان مقابر حلبجة الشهيدة لا تزال غير مفتوحة وغير مسجلة وان عملية الفتح ودراسة التلوث الكيمياوي فيها سيتم باشراف وزارة البيئة وبالتعاون مع وزارة حقوق الانسان الاتحادية باعتبارها الجهة المسؤولة عن المقابر الجماعية بالاضافة الى الصنف الكيمياوي في وزارة الدفاع الجهة المختصة بالاسلحة الكيمياوية [21]..
فما الذي نفذته ؟
• أكاديمي عراقي
الهوامش:
1-معد فياض،عالم الذرة العراقي حسين الشهرستاني: حلبجة الكردية قصفت بـ3 أنواع من الغازات السامة، "الشرق الأوسط"، 19/3/2001.
2- د.علي حنوش، ملف "البيئة في العراق"،"المؤتمر"، العدد 174، في 25/10/1996.
3- "عين العراق نيوز" ،22/10/2014
4- د.علي حنوش، مصدر سابق.
5- راجع: جاسم ولائي، نتائج واَثار إستخدام النظام اللعراقي للسلاح الكيمياوي،"الثورة" السورية،في 10/2/1990
6- آكانيوز"، 26/1/2012
7- معد فياض، مصدر سابق.
8- جاسم ولائي،- مصدر سابق.
9- كارل فيك- قوبتبه: أكراد العراق يتوقون للمشاركة في الحرب ضد صدام للانتقام لمئات الآلاف من ضحاياهم،"الشرق الأوسط،"، 21/2/2003
10- "المواطن"،23/1/2012.
11- عدنان حسين،10 سنوات على قصف حلبجة:أمراض الأسلحة الكيمياوية تنتقل من جيل الى اَخر، " الشرق الأوسط "، 17/3/1998.
12-"المواطن"،31/1/2012.
13- عدنان حسين،مصدر سابق.
14- معد فياض، مصدر سابق.
15- السومرية نيوز"،14/9/2011
16- " شفق نيوز"، 14/11/2011
17- "السفير نيوز"،2/8/2012
18- " أورنيوز"،7/4/2012
19- " السفير نيوز"،31/12/2012
20- وكالات: "طريق الشعب"،4/12/2012
21- (صوت العراق)، 13/8/2013